لقاءات الحزب مع المسيحيين… لرمي الكرة في ملعبهم

هيام طوق
هيام طوق

هي مرحلة مهمة ودقيقة ومصيرية بالنسبة الى لبنان واللبنانيين الذين يعانون منذ سنوات، من أسوأ أزمات عرفها التاريخ البشري ما هدد الكيان والدولة بالتفتيت والانهيار التام وسط مراوحة سياسية، وشغور رئاسي يبدو أفقه ضبابياً في ظل الشرخ الكبير القائم بين القوى، وهذا ما يظهر في الجلسات الانتخابية في المجلس النيابي.

وإزاء هذا الواقع المأزوم، ينتظر البعض تدخلاً خارجياً ما للخروج من المأزق، ويرى آخرون أن الحل أولاً وأخيراً بين أيدي اللبنانيين، وعند توافق غالبية الكتل، ينتخب رئيس جديد للبلاد بحيث يجري التواصل حالياً بين الجميع على أمل تقريب وجهات النظر وخرق جدار التعطيل خصوصاً أن هناك اجماعاً على أن البلد لم يعد يحتمل المزيد من التأزم.

وكان لافتاً في الأيام القليلة الماضية، تسريب معطيات ومعلومات عن لقاءات جمعت موفدين من “حزب الله” مع أطراف مسيحية، ومنها البطريركية المارونية وحزب “الكتائب” وتمحورت تفاصيل اللقاءين حول الرئاسة، على الرغم من أن “الكتائب” أكد أن لقاءه مع الحزب كان اجتماعياً، وأنه لا يعمل إلا بوضوح، ولا يعترض على الحوار بين الأفرقاء لأن البديل عنه هو الفوضى، لكنه يستدرك أن “حزب الله” يعمل بما يتناسب مع مصالح ايران.

ويتحدث أحد المراقبين عن رغبة “حزب الله” في إظهار نية تجاه الطرف المسيحي المعارض لسياسته للحد من التشنج بينهما خصوصاً لناحية بكركي التي انحدرت العلاقة معها منذ زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الى الأراضي المقدسة، لتتأزم أكثر على خلفية توقيف الأمن العام رئيس أساقفة أبرشيّة حيفا المارونيّة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينيّة وعمّان وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشمية المطران موسى الحاج لنحو 13 ساعة على معبر الناقورة الحدودي مع اسرائيل عند عودته من “الأراضي المقدّسة”، وقام بالتحقيق معه ومصادرة جواز سفره وهاتفه ومساعدات مالية وطبية من متبرّعين لبنانيين وفلسطينيين. ووصفت الكنيسة حينها ما حصل بالتعدي الذي اقتُرف عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم، وفي توقيتٍ لافتٍ ومشبوه، ولغاياتٍ كيديّة معروفة.

وإذا كان من المبكر الحديث عن فتح قنوات إتصال، وحوار عميق يطرح كل الهواجس على مستوى رفيع بين بكركي والحزب، فإن هناك الكثير من التساؤلات التي يطرحها اللبنانيون حول هذه الحركة الحوارية في هذه المرحلة الحساسة: هل الحزب يريد اصلاح العلاقات مع المسيحيين بعد الكثير من المحطات التي أثارت الحساسيات، وأدت الى تصعيد كاد يؤدي الى حرب أهلية؟ أو أنه بات على قناعة في ظل التوازن الحالي بأنه لا بد من التواصل مع المسيحيين للوصول الى نتيجة في الاستحقاق الرئاسي؟ أو أنه يريد التخفيف عن كاهل “التيار الوطني الحر” الذي يحاسبه جمهوره على تحالفه مع الحزب، ويحمّله مسؤولية تداعيات هذا التحالف شعبياً وسياسياً؟

أشار أحد المحللين السياسيين الى أن “الحزب لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، ويحمّل تبعات عدم الانتخاب الى الآخرين أي أنه يريد رمي الكرة في ملعب المسيحيين، وإظهار أن القوى المسيحية غير متفقة. ولو كان الحزب جدياً، لقام بمبادرة ما أو طرح أفكاراً ورؤية ومشروعاً، لكنه اكتفى بلقاءات لا طعم لها ولا لون. وفي الوقت نفسه، يدعو الى الحوار، لكن ما هو موضوع هذا الحوار ومن أي منطلق ينطلق؟”، معتبراً أن “التحركات واللقاءات اليوم لملء الفراغ”.

ورأى مصدر مطلع أن “هذه اللقاءات تأتي في اطار استراتيجية المناورة لأن أزمة الحزب ليست مع المسيحيين فقط انما مع اللبنانيين عموماً. الحزب متهم من المسيحيين بتعطيل انتخاب الرئيس وأنه يحضر على المدى الطويل للتغيير في البنية اللبنانية. لذلك، يحاول أن يخترق خارج التيار الوطني الحر، ولكن ليس هناك حوار جدي كما يتداول في الصحف انما بعض التواصل والعلاقات السطحية”، متسائلاً: “لماذا التحاور في الشأن الرئاسي؟ فهناك دستور واضح، ويجب انتخاب الرئيس وفق الآلية الديموقراطية”.

وأكد أن “الحوار بين طرفين غير متساويين في القوة، لن يؤدي الى نتيجة، وأي توافق على شخص رمادي سيعيد تجربة العهد السابق، وسيكون كارثياً على البلد وليس على المسيحيين وحسب. ما يحصل من لقاءات مع الأطراف المسيحية هو لذر الرماد في العيون، ولن يؤدي الى نتيجة، والأمور الى مزيد من التعقيد بين الأفرقاء”.

واعتبر أن “أحد الأرباح من التقارب من المسيحيين هو التخفيف عن كاهل التيار الوطني الحر المتهم مسيحياً خصوصاً من الشباب الذي يهاجر بأنه من الأطراف التي أوصلت البلد الى ما هو عليه”، مشيراً الى أن “الحزب يدعو دائماً الى التحاور، لكن الحوار لا يقوم على قوة التوازن انما على توازن القوة، الطابشة لصالحه لأنه يمتلك السلاح والسلطة”.

ولفت مصدر آخر الى أن “انفتاح الحزب على الأطراف المسيحية ليس في مكانه لأنه يأتي تحت ظرف واحد: اما الحوار وفق شروطه أو لا نتيجة، أي اما التوصل الى التوافق على رئيس لا يطعن بالمقاومة، ويسير وفق مصالح الحزب أو لن يكون هناك رئيس، مع العلم أن الكلام عن هذا النوع من الانفتاح فيه مبالغة، لأن الخطوات في هذا الاتجاه خجولة، ولا دلالات مهمة لها”.

وأكد أن “هذه الخطوة وسواها تصب في مصلحة الحزب الذي ليست لديه مشكلة في التحاور مع الجميع خصوصاً أنه على علم بأن شروطه هي التي ستطبق، والحوار تحت عنوان التوافق لا يهدف الا الى تمرير الوقت الى حين نضوج تسوية دولية – إقليمية تكون رياحها مؤاتية مع المصالح الايرانية، واختيار الحزب التصويت للورقة البيضاء، وعدم اعلانه تبني أي مرشح خير دليل”، موضحاً أن “المشكلة تكمن في أن الجميع ينخرطون في اللعبة الحسابية التي لها علاقة بعدد الأصوات في البرلمان في حين أن المشكلة الأساسية هي في الاحتلال الايراني للبلد الذي تسبب بكل هذه الأزمات. وطالما الجهات السياسية الأخرى تنطلق في الحوار من النتائج وليس من الأسباب، فلن تكون هناك حلول”.

وشدد على “ضرورة أن تعمل الأطراف الأخرى من أجل المصلحة الوطنية الصافية، ولا تتلهى بالقشور، وباللقاءات والجلسات الحوارية التي لن توصل الى نتيجة لأن المشكلة الأساسية في مكان آخر”.

شارك المقال