بين التعطيل والتعيين… صفقة “محرزة” في منشآت نفط طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

يحرص الطرابلسيون على منع أيّ محاولة سياسية كانت أم أمنية، تؤدّي إلى إقفال منشآت النفط في المدينة التي شهدت على سرقات عدّة كانت ولا تزال تطال مرافقها الاقتصادية والتنموية المختلفة منذ أكثر من 20 عاماً تحت مجهر الدّولة الشاهدة والصامتة على هذه التعدّيات الواضحة “وضوح الشمس”، أمّا اليوم فإنّ القرار القضائي الذي صدرَ بختمِ خزانات البداوي بالشمع الأحمر للتحقيق في سرقات متعدّدة طالت كمّيات كبيرة من المحروقات تصل إلى 750 ألف متر مكعب مع توقيف 4 أشخاص، يطرح أسئلة عدّة لا يُمكن الاغفال عنها أو تجاوزها بسهولة وكأنّها قضية روتينية لا تنعكس على هذه المدينة التي “تتفنّن” الدّولة في كيفية كبت إداراتها ومرافقها وخرقها لأسباب تكاد لا تخفى على أحد وبلعبة سياسية تُطيح بقضية أو بأشخاص لتطرح أخرى بدقة وإتقان.

وبعد الاعتراض الطرابلسي على إقفال قاضي التحقيق الأوّل سمرندا نصّار المنشآت النفطية وخزاناتها وتأكيدها في الوقت عينه على ضرورة توقيف المسؤولين عن السرقات، يُمكن القول إنّ هذه الأزمة لن تمرّ مرور الكرام، إذْ تخشى أوساط طرابلسية تعقيد القضية سياسياً لا قضائياً، لتحويلها فيما بعد إلى “علكة” في فمّ اللاعبين السياسيين في البلاد بغية فرض أولويات يصعب مضغها ولا تمتّ الى مصلحة الطرابلسيين بصلة.

من هنا، يُشير مصدر سياسي لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ هذه القضية سياسية بحتة، وهي ليست جديدة، فالسرقات التي “نؤكّد أنّها تحصل من خارج المنشآت لا سيما وأنّ الجمارك تدخل صباحاً ومساءً إليها، ازدادت كثيراً في الفترة الأخيرة وباتت تطال حتّى الحديد، لكن تسليط الضوء على هذا المرفق الذي تتضرّر بإقفاله حوالي 250 عائلة، يحمل في طيّاته الكثير من التساؤلات أبرزها مرتبط بتعيينات مدراء فئة أولى في بيروت صدرت منذ أيّام بتوقيع وزير الطاقة والمياه وليد فياض والمديرة العامّة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة أورور فغالي في الوقت الذي أقفلت فيه المنشآت في طرابلس”.

تفاصيل

وفي التفاصيل التي يتحدّث هذا المصدر عنها، “فقد جرى تعيين جيسكار الخوري وهو ينتمي إلى التيار الوطني الحرّ ويتهيأ ليكون إمّا مديراً عاماً لمنشآت النفط في طرابلس، أو سيحلّ مكان فغالي التي يُقال انّها ستُحال على التقاعد في شهر 12، كما عيّن بشير طنوس كمدير المالية لمنشآت الزهراني، وجوليات أبو جودة رئيسة لمصلحة الشؤون القانونية في بيروت (يشار إلى أنّها تتلقّى راتبها من طرابلس)، ولا يُمكن إغفال أنّ هذه الشخصيات الثلاث تنتمي إلى الوطني الحرّ، ولا ننسى أنّه منذ شهرين عينت شخصيتان من محور الممانعة أيضاً وهما زاهر سليمان (مساعد مدير عام – شيعي)، وزياد الزين (مدير عام معاون في منشآت الزهراني- شيعي)”، وذلك وفق المصدر الذي يُبدي قلقه من احتمال توقيع المزيد من التعيينات قبل مغادرة فغالي منصبها لصالح التيّار، مشدّداً على عدم تقبل الطرابلسيين فكرة تعيين شخصية من هذا التيار الذي اعتاد على التوظيف عشوائياً ليكون مسؤولاً عن منشآت طرابلس.

وإذ يُؤكّد المصدر ضرورة محاسبة فغالي التي كانت تتلقّى مختلف المستندات والوثائق، كما وزير الطاقة ليتحمّلا جزءاً من المسؤولية، يُشير إلى تورّط أحد الموقوفين الأربعة في الملف وهم: هادي الحسامي المدير العام، راشد غمراوي رئيس دائرة الحرس، محمّد غمراوي رئيس دائرة للتخزين (شقيق راشد)، وباسم غمراوي أيّ الحارس، “لكن علينا انتظار نتائج التحقيقات بحكمة وليأخذ القانون مجراه”.

ووفق معطيات أحد المتابعين لهذا الملف، فإنّ الحسامي، “من جبيل أساساً ولكن نقل نفوسه إلى بيروت وهو سني ونقلته إلى طرابلس بهية الحريري وعيّن منذ سنوات في المؤسسة، لكن حتّى هذه اللحظة لا علاقة له بهذه التفاصيل وكان من المقرّر عقد جلسة للتحقيق معه منذ أيّام، لكنّها تأجلت إلى الأسبوع المقبل وستشمل الموقوفين الآخرين”.

وحسب هذا المتابع، فإنّ هناك حاجة كبيرة الى وجود طاقم حراسة يتجاوز الـ40 شخصاً في المنشآت، ولكن كان فيها 4 فقط، مع ضرورة وضع نقطة للجيش، لكن ووفق المعلومات “فهناك شركة حراسة جديدة للمنشأة ستتسلم هذه المهمّة بعد مناقصة يُقال إنّها رست على العميد بسام الأيوبي”.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ إقفال خزانيّ 290 و285، إضافة إلى مكاتب التعبئة التي تضم 12 موظفاً بالشمع الأحمر مع خط الديليفري الخاصّ بالتعبئة، لا يُلغي أهمّية هذا المكان الضخم والذي كان يُقدّم ما لديه في ظروف الحروب والثورة للمستشفيات وشركتي الخلوي مع خزان خاصّ بالجيش فيه، وهو يتعرّض اليوم لأقسى أنواع التعطيل السياسي، الأمر الذي يدفعنا إلى إطلاق نداء استغاثة لفعاليات المدينة وسياسييها بضرورة حماية هذا المرفق”.

من هنا، يُؤكّد رئيس الاتحاد العمّالي العام في الشّمال النّقيب شادي السيد أنّ المطلوب الآن يكمن في ضرورة إجراء تحقيق شفاف وعاجل كيّ لا تنام هذه القضية المحقة وتقفل، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “نريد فتح هذه المؤسسة في أسرع وقت ممكن ومحاسبة المسؤولين عمّا وصلت إليه، وهذا ما طلبناه صراحة من سياسيي طرابلس وأبرزهم النائبان كريم كبارة وفيصل كرامي اللذان وعدا بتعجيل العمل على هذا الملف كي لا تعلق المدينة ومرافقها في شباك التعطيل”.

وكان النائب أشرف ريفي لفت في تغريدة سابقة عبر “تويتر” إلى تورّط “التيار الوطني الحر” بهذا الملف لغاية انتخابية، وكتب: “ما يحصل في منشآت النفط في طرابلس فضيحة كبرى، إذ يُراد تحويل موظفين صغار الى كبش محرقة وغطاء لفسادٍ كبير بحيث تمّ خلال الانتخابات وبإشراف ندى بستاني توزيع المحروقات كرشاوى انتخابية، والآن تم تعيين مسؤولة عن المنشآت تنتمي الى التيار العوني. كفى استباحة وظلماً وفساداً. المحاسبة آتية”.

شارك المقال