“دروز فلسطين” والفتنة المؤكدة؟

زاهر أبو حمدة

توفي قبل عامين البروفسور الفلسطيني قيس فرو. وكان لهذا الرجل فضل كبير من ناحية موقفه الوطني ورفضه خدمة أبناء طائفته الدرزية في جيش الاحتلال، وكذلك لدوره المهم في التأريخ والعلوم الاجتماعية، فقد كتب مئات المقالات والأبحاث وألّف نحو عشرة كتب أولها “الدروز” وأهمها “الدروز الفلسطينيون بين البندقية الاسرائيلية والمحراث الفلسطيني”. ودافع فرو في محاضراته ودراساته عن عروبة أبناء بني معروف وهويتهم القومية، وتصدى لمحاولات “أسرلتهم” ودفعهم ليكونوا رأس حربة في وجه شعبهم الفلسطيني.

قبل أسبوع، توفي شاب من آل فرو اسمه تيران، جراء حادث سير في جنين. يبدو أن الشاب كان بصحبة شخص إسرائيلي آخر، فنقل الاحتلال الشخص المصاب بطائرة مروحية إلى المستشفيات داخل إسرائيل، أما جثمان تيران فتوجه به “الهلال الأحمر الفلسطيني” إلى مستشفى ابن سينا في المدينة. اشتبه الفلسطينيون باسمه حين اطلعوا على بطاقته، فالاسم غير مألوف، ولم يأتِ أحد لتسلم الجثمان في الساعات الأولى. فوصل الخبر إلى المقاومين في مخيم جنين، فسحبوا الجثمان إلى داخل المخيم. بعد ذلك طالب الاحتلال بتسليمه أو سيقتحم المخيم. تدخلت السلطة الفلسطينية بشخص مدير المخابرات ماجد فرج، وكذلك توسطت قطر في الأمر. وفي النهاية وصل الجثمان إلى ذويه في دالية الكرمل. قبل التسليم نشرت مجموعة مسلحة فيديو تهدد فيه أبناء الضفة، إذا لم يُسلم الجثمان، وكذلك خُطف شباب فلسطينيون يعملون داخل الخط الأخضر وعُذبوا للضغط على أهل جنين. كان هدف المقاومة في جنين هو مبادلة جثة فرو، بجثامين الشهداء المحتجزين عند الاحتلال ويصل عددهم إلى أكثر من 170 شهيداً.

وعلى إثر ذلك، أرسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفداً برئاسة محمود الهباش للتعزية عند عائلة الفقيد، ووفداً آخر برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد مع سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهذا كله لتمتين العلاقات والتأكيد على عمق الصلات الأخوية. صحيح أن الجميع عمل على التهدئة لا سيما الأحزاب العربية في أراضي الـ48، والشخصيات الدرزية العامة داخل فلسطين وخارجها، إلا أن هناك شرخاً كبيراً واقعاً أساساً بين دروز فلسطين وشعبهم لا سيما في الضفة الغربية، وذلك بسبب انضمام شباب من طائفة الموحدين الى جيش الاحتلال، والمساهمة في قمع أهلهم في الضفة وقتلهم.

يستخدم الاحتلال الموافقين على الخدمة الاجبارية والطوعية من الموحدين في وحدة “المستعربين” وحرس الحدود، ويضعهم في مقدمة صفوفه في المعارك والاقتحامات. وهذا ما حصل عندما قتل العقيد محمود خير الدين عند التسلسل داخل غزة عام 2018، وحينها أسمت المقاومة العملية بـ”حد السيف”. وكذلك أثناء انتفاضة الأقصى، قتل الجندي مدحت يوسف أثناء تأمينه دخول المستوطنين الى قبر يوسف. ويقول الفلسطينيون إن غالبية عمليات الاغتيال والاعتقال ينفذها جنود بـ”لكنة درزية”. فالاحتلال يفرضهم دائماً في خانة المهاجم القاتل ليس لأنهم يتقنون اللغة العربية واللهجة الفلسطينية وحسب، بل لأنهم ليسوا يهوداً يتمتعون بـ”الدم الناقي” كما يقول الحاخامات عندهم. فإذا قتلوا ليسوا على مستوى الأهمية بالنسبة اليهم. وليضمن استمرار الفتنة قرر قائد أركان الجيش أفيف كوخافي، تعيين المقدم أيوب كيوف من الطائفة الدرزية، والذي شغل في السابق منصب قائد وحدة “شيلداغ” و”سييرت غولاني” قائداً للواء منشيه (لواء جنين) وترقيته إلى رتبة عقيد. وكذلك عين كوخافي، قبل عامين، غسان عليان، منسقاً لشؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة الأمن الاسرائيلية، خلفاً للجنرال الدرزي كميل أبو ركن. يريد الاحتلال أن يقول لأبناء الشعب الواحد إن من يقتلكم منكم، ويكون بذلك على الجندي أو الضابط اثبات ولائه لدولة إسرائيل أو لشعبه الأصلي. واعترف الديبلوماسي الاسرائيلي يعكوف شيمعوني، بأن “قرار تجنيد الدروز في الجيش الاسرائيلي أتى ليكونوا حربة نطعن بها القومية العربية، ونؤثر فيها على دروز سوريا ولبنان”.

يبلغ عدد أبناء الموحدين حوالي 143 ألف نسمة، بنسبة 1.6% من سكان إسرائيل، ونسبة 7.6% من مجمل السكان العرب وشغل عدد منهم عضوية الكنيست، وتقلدوا مواقع حكومية ووزارية وديبلوماسية في الحكومات الاسرائيلية، ولكن في انتخابات الكنيست لم ينجح أي من المرشحين الدروز في العضوية. وتتفاوت التقديرات حول تاريخ محدد لدخول الدروز الى الجيش، مع ترجيح أنه منذ قيام إسرائيل في 1948، لكن البروفسور فرو يؤكد أنهم أجبروا على ذلك ضمن كتيبة ضمت الدروز والبدو والشركس، تحقيقاً لما سمي في حينه بـ”حلف الدم”، حيث شرعنه ديفيد بن غوريون آنذاك. وبعد ذلك عُقد اتفاق مع زعيم الموحدين عام 1956 ليصبح قانوناً ملزماً من الكنيست لالتحاق الدروز بالجيش. وعقب اتخاذ قرار بدمج وحدات الأقليات الدينية والعرقية في الجيش عام 1974، أنشأت هيئة الأركان كتيبة درزية أسموها “حيرف” (السيف) وهي قوة برية في عداد القوات النظامية. وكما يُعلن الجيش الاسرائيلي فقد قتل أكثر من 400 درزي ممكن خدموا في وحدات الجيش، علماً أن نسبة الدروز ممن يؤدون الخدمة العسكرية 85% وهذه النسبة تفوق نسبة اليهود المنخرطين في صفوف الجيش. هذه الأرقام مخيفة فعلاً ولها أثر كبير في نفوس الفلسطينيين، لا سيما وأن قاتل الشاب عمار مفلح، خلال الفيديو المصور في حوارة ينتمي الى طائفة الموحدين.

ولأن التعميم أم المصائب فلا يمكن شمل كل الطائفة بما يقوم به “السواد الأعظم” خصوصاً وأن هذه الطائفة قدمت للحق الفلسطيني الكثير من التضحيات داخل فلسطين وخارجها. لكن لا بد من وقفة مع النفس أولاً، ورفض سياسات الفتنة والتفرقة بين الشعب الواحد، وذلك يكون بالتمرد على القرار الاسرائيلي، لصالح الطائفة في المقام الأول، فربما تدفع ثمن أفعال بعض أبنائها. ففي يوم ما ربما تنهار إسرائيل، فماذا سيكون موقفهم وتصرفهم؟ والأخطر أن دولة الاحتلال لا تقبلهم إلا أدوات، فبنيامين نتنياهو يقول إن “إخواننا الدروز شركاء في حفظ الأمن الاسرائيلي، وسنعزز مكانتهم في الجيش الاسرائيلي”، لكن هذا مكافأة لقتلهم شعبهم. الا أن الحقيقة هي ما نطقها الحاخام مائير كهانا، زعيم حركة “كاخ”، الذي طالب بطرد الدروز من إسرائيل، قائلاً بسخرية: “يجب أن نحرص على توفير حافلات مكيفة لهم أثناء الطرد”.

شارك المقال