ما بين نواب التغيير و”حزب الله” و”القوات”… شارع الثورة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

عجيب غريب وصف التغيير، الذي يليق بالنواب المحسوبين على شارع ثورة 17 تشرين الموءودة، فعند كل مفترق سياسي تطفو المواقف المتباعدة وكل يصرح على هواه ووفقاً للأنا، ويطرح رأياً مخالفأ أو وجهة نظر تضع الناس الذين صوّتوا لهؤلاء في حيرة من أمرهم وتجعلهم يتساءلون كيف وقعنا في الفخ؟ ويزيد همهم وإحباطهم وكأنه لا يكفيهم سلوك أحزاب السلطة حتى يأتي سلوك “أطفال النيابة” التغييريين ليوقعوهم في حالة يأس من التغيير ومدّعيه.

فيوماً بعد يوم تتضح أكثر فأكثر صعوبة الانسجام في المواقف من الاستحقاقات وآخرها رئاسة الجمهورية، على الرغم من مطالبة الجميع برئيس إنقاذي وإصلاحي وسيادي، لكن بازار الأسماء التي طرحوها كان دليلاً على عدم التعاطي بجدية سواء بالترشيح أو بالتصويت، وهو ما ترك انطباعاً سيئاً للغاية في الأوساط الشعبية التي انتخبتهم وراهنت عليهم.

يبرر بعض التغييريين العاملين في الصفوف الخلفية ذلك تارة بحرية الرأي، وتارة بالقول ان هؤلاء لم يقودوا ثورة 17 تشرين، والجميع لديه أزمة. صحيح أن هؤلاء النواب الذين دخلوا المجلس النيابي يمثلون الثورة لكنهم ليسوا جناحاً واحداً، فهم تحصيل حاصل المجموعات التي كانت تتحرك على الأرض وهي مجموعات متشابكة مختلفة في الآراء والاتجاهات، وقد طفت خلافاتها على مدى السنوات الثلاث الماضية على السطح، لكن لا بد من رؤية أهمية وصول هؤلاء النواب الى البرلمان، لأنه أعطى دليلاً على إمكان كسر حاجز الخوف وتثبيت مقولة إنه يمكن للناس أن توصل ممثلين لها، هؤلاء الممثلون اليوم لم يكونوا قادة الانتفاضة وليسوا قيادة التغيير على الرغم من الشعار الذي أطلقوه على تكتلهم، لذلك فإن حالة الانقسام في ما بينهم هي تحصيل حاصل لانقسام المجموعات على الأرض، كما أن الثورة لم تكن شعاراتها موحدة وهو أمر أضعفها، كما غابت عنها خطة العمل النضالية.

ومع ذلك، تجد مصادر التغييريين أنه “لا يمكن أن يكون هؤلاء النواب موحدين، لغياب خطة عمل موحدة مع أنه منذ البداية جرت نقاشات حول هذا الموضوع وتبين خلالها أنهم يمثلون وجهتي نظر مختلفتين، واتفقوا على التعامل مع القضايا المطروحة عبر التنسيق، من أجل توحيد المواقف، أي أن العمل كان يجري على القطعة، على الرغم من وجود تجانس كبير في ما بينهم، ويمكن القول ان نقاط الالتقاء شكلت 60%”.

ولكن طالما هناك نقاط للالتقاء لماذا لم تنجح التحالفات في تجميع المعارضة حول الأهداف المشتركة؟ تجيب المصادر: “هناك مجموعة تسمي نفسها السياديين، وفي الحقيقة هي مجموعة حزب القوات اللبنانية، الذي طرح شعار (السيادة أولاً)، وهناك من يختلف مع هؤلاء السياديين ويعتبر أن الشعار الذي طرحه القوات يبقى ناقصاً، اذ لا يمكن القول ان البلد محتل ونريد سيادة لبنان وفي الوقت نفسه يتم التحالف مع قوى الفساد والرأسمال، وحزب القوات كان موجوداً في الحكومات ومتهم من البعض بأنه غطى الفساد وسكت عنه بطريقة أو بأخرى، ومشكلة القوات أيضاً أنه يظهر نفسه قوياً وفقاً لتمثيله الطائفي، وهنا السؤال ما أهمية الانتماء الطائفي اليوم أمام المشكلات التي يعاني منها البلد؟ لا يمكن أن نكون سياديين من جهة، ومن جهة أخرى نقول ان مشكلة لبنان في (سلاح المقاومة) بينما الفساد مستشرٍ ونتعامل معه، هذا هو الخلاف الفعلي، فلا يمكن أن يكون هناك استقلال وسيادة وتشكيل معارضة موحدة لتحقيق ذلك، من دون الأخذ في الاعتبار محاربة فساد الطبقة الحاكمة وهذا الفساد هو المتحالف مع السلاح”.

وتتابع المصادر شرح الموقف بالقول: “لذلك فان حزب القوات اللبنانية شن هجماته الكبيرة على مجموعات ثورة 17 تشرين، لأن هذه الثورة رفضت قيادته لها وفقاً لازدواجية مواقفه، أي البقاء في السلطة من جهة واستخدام الشارع من جهة أخرى، وهذا ما أحدث انشقاقاً فعلياً بين المجموعات والقوات أثناء الثورة، لذلك القوات حاقد على الثورة وفي خطابه السياسي يظهر أنه ضد الذين ركبوا الموجة، متناسياً أنه بمواقفه هذه قدم خدمة لحزب الله، وفي المقابل يعتبر حزب الله أن كل مشكلات لبنان ناتجة عن ثورة 17 تشرين التي دقت مسماراً في نعش لبنان وتسببت بالانهيار”.

وتصف هذه المصادر المشكلات التي تحصل في وسط النواب التغييريين بـــ”الولادية” وليست مشكلات كبيرة عنوانها الأنا، وهم حملوها من الشارع، معتبرة أن “المشكلة الأساسية أنه بعد 17 تشرين الناس ركدت وسكتت ولم تعد هناك أي تحركات واذا حصلت فهي عشوائية، وشارع الثورة الشعبي اعتبر أن وصول نواب تغييريين لم يقدم ولم يؤخر، لكن لا يمكن النظر وفقاً لذلك، فالانتخابات بيّنت أن بإمكان الناس ايصال وجوه جديدة الى المجلس النيابي بكسر الحاجز النفسي والتخلي عن طوائفها وأحزاب السلطة والدليل وصول شخصيات لم تكن تحلم بالوصول، ولكن على التغييريين أن يفهموا أنهم ليسوا ممثلي الثورة، انما هم جزء من هذه الثورة ومهمتهم أن يبقوا رافعين صوتها في المجلس النيابي وشعاراتها وأن لا يظهروا خلافاتهم في كل خطوة أو نقطة وهو ما رأيناه في عمليات الترشيح لرئاسة الجمهورية، لم يكن لهم موقف موحد وأحضروا أسماء ووقعوا في أخطاء كبيرة وظهرت خلافاتهم على السطح وجرت انسحابات، ولكن هناك أشخاص غيارى على هذا البلد ويعتبرون أن انشقاقات التغييريين وأزماتهم والسير نحو قوى الطوائف يعني اضعاف الكلمة المستقلة والحرة التي تقف في وجه كل الناس، ثم ان القوتين اللتين تحاولان افشال ذلك هما القوات اللبنانية وحزب الله”.

وتكشف عن اتصالات ودعوات ولقاءات تحصل في السر هدفها السعي الى لملمة المشكلات “على الرغم من أنهم صاروا كتلتين، كتلة ترفض كلياً تحميل مسؤولية الأزمة لحزب الله وتقول بأنها تتعايش مع السلاح وتستطيع أن تفكر بطرق لبنانية، والسلاح هو مشكلة اقليمية وهذا تفكير خاطئ جداً، ولكنه نابع من واقع على الأرض، وهؤلاء من مجموعات يسارية وقومية ومهادنين ومعادين للحريرية السياسية، وكتلة المجموعة السيادية بكل معنى الكلمة لكنها تختلف عن القوات وترى أن الارتهان لأي مجموعة طائفية وتسووية لن يذهب بالبلد نحو ايجاد الحلول، وهذه المجموعة تقول لا للسلاح، نعم للدولة والسيادة، ولا لتحالف المال مع القوى المسيطرة المدعومة من حزب الله، ومن هنا هي تمزج بين نقطتين: عدم التعايش مع حزب الله وعدم التعايش مع تكتل المال”.

وفي الختام تشير هذه المصادر الى أن “السياديين الثوريين رفعوا شعارات كبيرة استجاب لها المواطن ولكن تحقيقها كان صعباً وشعار (كلن يعني كلن) حلو وكانت له بداية جيدة ولكن اليوم لم يعد يتلاقى مع مزاج الناس، اضافة الى أن الوضعين الاجتماعي والاقتصادي وهجرة شباب قادوا الثورة على الأرض بعد تعرضهم للتحقيقات وفبركة ملفات لهم وادعاءات بتهم، واستخدام سلاح الترهيب والاغتيال، ساهمت في تراجع الثورة وانعكس ذلك في الشارع الذي حمى فعلياً السلطة، وبالتالي صار نواب التغيير بدل أن يعملوا مع الناس يعملون بعيداً عنهم وكأنهم أخذوا وكالة حصرية وشرعية منهم، وهاهم يتخبطون في عملهم بسبب انعدام التجربة السياسية، ومع ذلك المشكلة ليست فيهم بل هي مشكلة اعادة توحيد الشارع حتى يفرض خارطة طريق ويجبر هؤلاء النواب على حمل هذا الموقف السياسي الموجود على الأرض”.

شارك المقال