العمالة الزائدة… ظروف أم خلل بالانتماء؟

تالا الحريري

الوضع في لبنان بات مزعزعاً من النواحي كافة، فالأزمة التي عصفت به في العام 2019 أخذت بعداً معيشياً، ومالياً وحتى أمنياً، بحيث بات الأمن مهدداً بسبب إخفاقات السياسيين ومصالحهم من جهة، وإنتفاضة المواطنين على هذا الواقع المرير من جهة أخرى. بعد تظاهرات 17 تشرين، أصبح كل شيء متوقعاً وهذا ما نشهده في كل فترة عند إنقطاع الخبز أو البنزين وغير ذلك، فالمواطن مستعد لأن يقتل كي يعيش، فكيف له ألا يتورط بالعمالة؟

حسب مصادر أمنية أوقف 185 مشتبهاً لبنانياً بتعاملهم مع إسرائيل منذ بدء الأزمة الاقتصادية أي منذ نحو 3 سنوات، واعتُبر هذا رقماً قياسياً مقارنة بالسنوات الماضية. ومن بين الـ185 تم تجنيد 182 وأحيل 165 شخصاً منهم على القضاء، بينهم 25 صدرت بحقهم أحكام وصل بعضها إلى 25 سنة سجناً. ورأى الكثيرون أنّ إنهيار الوضع الاقتصادي منذ العام 2019 هو السبب الرئيس الذي دفع باللبنانيين إلى السير في هذا الطريق للبحث عن لقمة عيشهم. وليس ذلك وحسب، فإنّ إنفجار مرفأ بيروت وإنهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار والاحتكار والغلاء الفاحش إضافةً إلى ارتفاع نسبة البطالة رفع من نسبة اللبنانيين الذين باتوا تحت خط الفقر.

وأوضح مسؤول أمني أن “هذه هي المرة الأولى التي نشهد توقيفات بهذا الشكل بتهم العمالة” عازياً السبب الرئيس الى “الأزمة الاقتصادية، وتداعيات انهيار الليرة ثم انفجار مرفأ بيروت، ما دفع لبنانيين الى البحث عن مصدر رزق آخر للحصول على عملة صعبة”.

أضاف: “يبدو أن الاسرائيليين وجدوا في ذلك فرصة مناسبة، ففتحوا حسابات لشركات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تستقبل طلبات توظيف، ويستهدفون عبرها لبنانيين يبحثون عن عمل”.

وأشار مصدر أمني مطلع على التحقيقات، الى أن “بضعة موقوفين اعترفوا بأنهم لم يكونوا على دراية في بادئ الأمر أنهم يعملون لصالح إسرائيل على الرغم من شكهم، لكنهم واصلوا ذلك من منطلق خصومتهم السياسية مع حزب الله، العدو اللدود لاسرائيل”.

وفي هذا الاطار، أكّد الباحث والكاتب في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي لـ “لبنان الكبير” أنّ “المال هو محفز أساس، فجميع الدراسات الدولية حول هذا الموضوع تؤكد أنّ المال أهم عامل يحفز الأشخاص دائماً على الدخول في تجارب كهذه لأن يكونوا عملاء لدولة معادية. وهذا السلاح الأساس الذي يستخدمونه عادة في عملية التجنيد، فيبحثون عن أشخاص بعيدين عقائدياً عن دولتهم أو أشخاص لديهم حاجة مالية كبيرة وطبعاً هناك أسلوب الابتزاز والاجبار أيضاً. إنما يبقى المال دائماً العامل الأساس، ونظراً الى وضع لبنان الاقتصادي المتدهور بالطبع لا يمكننا التغاضي عن أنّ إسرائيل تعتبر هذا الوضع لصالحها مما يمكّنها من تجنيد أعداد أكبر من العملاء”.

وأشار الى أن “لبنان بلد منقسم سياسياً وهناك دائماً أطراف تعتبر أنّ إيران وحزب الله مسيطران على لبنان وتجد التعامل مع إسرائيل فرصة لانهاء هذا الأمر”.

وعن خطورة هذا الوضع على لبنان من الناحية الأمنية، أوضح قهوجي أنّ “العدو يمكن أن يستغل وجود عملاء لتوتير الوضع لكن معظم الوقت هدف التجنيد هو لتحصيل المعلومات حول نشاطات متعددة في لبنان وخصوصاً نشاطات حزب الله العسكرية وغيرها وهذا ما يهم اسرائيل. استغلال الأطراف لتوتير الوضع الداخلي موجود وله بُعد لكن حجمه محدود، أي أن اسرائيل ليست بحاجة الى تجنيد عملاء حتى تعرض السلم الأهلي للخطر”.

يذكر أنّ أكثر من 100 شخص اعتقلوا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل في الفترة الممتدة بين نيسان 2009 و2014، غالبيتهم من العسكريين أو من موظّفي قطاع الاتّصالات. وفي كانون الثاني الماضي، أفاد مسؤول قضائي بتوقيف 21 شخصاً في إطار عملية أمنية لتفكيك 17 شبكة تجسّس لصالح إسرائيل.

شارك المقال