اليوم الدولي لمكافحته… الفساد بصيغته اللبنانية خلل بنيوي

تالا الحريري

من أكثر التحديات التي تواجهها المجتمعات اليوم الفساد، الذي لطالما كان موجوداً في مختلف دول العالم سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي. لكن اليوم مع السعي الى تحقيق الدول وحكامها أهدافها الشخصية ومصالحها السياسية بات الفساد مستشرياً بصورة أكبر حتى أصاب الشعوب، فمنها من تشرّب هذا الفساد وبات مشاركاً فيه ومنها من إنجرف فيه.

إنّ الفساد يدمر شعوباً بكاملها ويسبب خراب المجتمعات ويؤدي إلى شللها وإنهيارها، وأكبر مثال على ذلك اليوم لبنان الذي بات بلداً معدوماً ومفتقراً الى كل معايير التطور والنجاح والأمن والأمان والسلامة والاستقلال وغيره، وأصبح بجشع حكامه نينخره الفساد وينحدر الى الأسوأ.

في 31 تشرين الأول 2003، اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. التزم 188 طرفاً في الاتفاقية بأحكامها، مما يظهر اعترافاً عالمياً بأهمية الحكم الرشيد والمساءلة والالتزام السياسي. وعينت الجمعية يوم 9 كانون الأول يوماً دولياً لمكافحة الفساد، لإذكاء الوعي بالفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في كانون الأول 2005.

وحسب مؤشر الفساد حول العام 2021 إستناداً إلى منظمة الشفافية الدولية (منظمة دولية غير حكومية معنية بالفساد في برلين – ألمانيا. تشتهر عالمياً بتقريرها السنوي مؤشر الفساد، وهو قائم كمقارنة للدول من حيث انتشار الفساد حول العالم) بيّن الجدول أنّ الدول التي تتراوح نسبتها من 0 إلى 39 هي الدول الأكثر فساداً، أي أنّ 0 أكثرها فساداً وصعوداً يعني انخفاض نسبة الفساد، وإحتل لبنان نسبة 24 بينما تشير نسبة 40 إلى 70 إلى أنّ الفساد متوسط ومن 70 إلى 100 أنّ الفساد منخفض جدّاً في تلك الدول.

يقول الأكاديمي والباحث في السياسة والاقتصاد نبيل سرور لـ”لبنان الكبير”: “الفساد ظاهرة عالمية ذات بعد تاريخي، عاش فيه الكثير من الشعوب حول العالم من خلال تبادل المصالح والمنافع على حساب المصالح العامة وعلى حساب حسن الجوار بين الدول. لبنان من الدول التي تحتل مرتبة مهمة في هذا الموضوع بحيث أنّها كانت على رأس الدول المصنفة من حيث الفساد”.

ويوضح أن “هناك فساداً على مستوى الادارات العامة، على مستوى الرشوة للموظفين العامين، على مستوى تقاعس الموظفين عن القيام بواجباتهم، وعدم أداء الادارات الرسمية لوضعها الوظيفي بصورة سليمة، إلى جانب الرشاوى في تنفيذ المعاملات الادارية وعلى مستوى تنفيذ الرسوم المستحقة على البضائع والسلع الواردة إلى لبنان أو المصدرة منه وعلى مستوى الدعم لبعض المواد الغذائية على حساب مواد أخرى. كل هذا جعل لبنان من الدول الأكثر فساداً في العالم على مستوى الوظيفة العامة والادارات العامة. أيضاً على مستوى القطاع العام هناك الكثير من أوجه الفساد التي فرضت نفسها بتعاطي القطاع الخاص وعلى مستوى إعطاء الحقوق لموظفيه، وعلى مستوى السلطة السياسية هناك فساد من خلال المحسوبيات وتقاضي الغنائم السياسية وتلزيم المشاريع وغيرها من أنواع الرشاوى التي تتقاسمها الطبقة السياسية عبر التوظيفات في القطاعين العام والخاص في سبيل تحقيق مكاسب سياسية وهي تمتهنها منذ سنوات طويلة”.

ويشير سرور إلى أنّ “الفساد في لبنان وصف متعدد الأبعاد بمعنى أنّه خلل بنيوي في طبيعة الادارات العامة التي تعتمد إلى حد كبير على توظيف المحاسيب من دون إعتماد الكفاءة والجدارة في عملية التوظيف بحيث يتوزع المسؤولون السياسيون التعيينات الادارية وتوظيف أزلامهم والمرتبطين بمصالح بهم، مما يؤكد أنّ هذا الخلل هو خلل بنيوي عميق له أبعاد سياسية ومصالح ترتبط بالزعامات السياسية وأيضاً بالبعد الطائفي. حتى مجالس الادارات في بعض المؤسسات العامة يتم التعامل بها كذلك. الطوائف الأساسية تكون ممثلة حتى على مستوى أدنى الوظائف الاقتصادية والادارية، كلها تخضع للبعد الطائفي في عملية التوظيف، وهذا الفساد لعلّه أصعب أنواع الفساد وأقساها في لبنان، هكذا يتمثل الفساد السياسي بثقافة المحاصصات والمحسوبيات”.

وعن علاقة الخارج بكون لبنان فاسداً، يؤكد سرور أن “عدم مناعة البيت الداخلي اللبناني وتشظيه والبعد الطائفي الذي يحكمه يؤثر الى حد كبير على تماسك هذا البيت. للدول الخارجية دور كبير في الافادة من ثغراته وكون هذا غير منسجم. نحن في لبنان لم نتفق على سياستنا الخارجية والاقتصادية، وعلى الدفاعية لم يكن هناك إنسجام في مكونات الواقع اللبناني الطائفية والسياسية، وبالتالي إستفاد الخارج من نقاط الضعف هذه ومن تشرذمنا الداخلي ليملي علينا سياساته وإرادته وهكذا أصبحنا خاضعين للهيمنة الخارجية، فكل فئة من مكونات الواقع اللبناني تذهب في إتجاه”.

شارك المقال