بين الحوار والتدويل… أين الحل؟

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن الوضع القائم غير سليم، لا بل يشهد البلد أسوأ أزماته على المستويات كافة، وأن الفراغ والشغور والتعطيل تشكل عنوان المرحلة السياسية ما ينعكس سلباً على القطاعات كافة حتى بدا الأفق مظلماً، والحلول بعيدة المنال والتحقيق، في ظل انقسام سياسي واصطفافات طائفية تنذر بانزلاقات خطيرة.

واقع يرى كثيرون أنه لا يمكن الخروج منه الا بتسويات اقليمية ودولية تأتي بكلمة السر وبمفتاح باب الفرج بعد أن وصلنا الى حائط مسدود، فيما يعتبر آخرون أن الحل بيد اللبنانيين دون سواهم إن أرادوا ذلك، وصفت النيات في الانقاذ مع الاصرار على لبننة الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر المدخل الأساس لوضع البلد على السكة الصحيحة.

وبالتالي، هناك طرحان في البلد اليوم، ورؤيتان متناقضتان ومتعارضتان للانقاذ: طرح البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي يطالب منذ مدة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، ويدعو الأمم المتحدة إلى المساعدة في إنقاذ الدولة اللبنانية، لأن المسؤولين يتنافسون على تطيير الحلول الداخلية، والى توفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته، وتضع حداً لتعددية السلاح. فيما الطرح الثاني يأتي من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا مرتين الى الحوار بين الكتل النيابية على أمل تحقيق خرق في جدار التعطيل الرئاسي، اذ يعتبر أن لا بديل عن الحوار للتوافق على اسم لرئيس الجمهورية، لكن “أرانب” بري الحوارية لم تنجح في بلوغ النهاية المرجوة منها، وربما مبادرة الحوار التي كانت مقررة اليوم في المجلس النيابي قد سقطت بسبب مقاطعة “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” الذي لا يزال موقفه غامضاً، الا أن بعض النواب يرفض فكرة نسف الحوار لأن لا أحد يعلم كيف ستجري الأمور في البرلمان، وربما يتم استحضار آلية أو صيغة معينة للتحاور بين النواب، والا ستكون الجلسة العاشرة فولكلورية، لن تخرج عن سياق السيناريوات السابقة، والتي ربما ستكون الأخيرة في العام الحالي.

على أي حال، وفي ظل التباين في الآراء، بين مؤيدين للحوار الداخلي ومعارضين له، وبين مؤيدين لتدويل القضية اللبنانية ومعارضين لها، لا بد من السؤال البديهي: أين يكمن الحل طالما هناك مقاطعة للحوار الداخلي واعتراض على المؤتمر الدولي من أجل لبنان؟

لفت أحد نقباء المحامين السابقين الى أن “التجارب السابقة لم تجد طريقها الى الحل الا عبر الخارج، والأمثلة كثيرة في التاريخ الحديث خصوصاً أننا نضرب كل الأصول القانونية والدستورية في الاستحقاق الرئاسي، وتستمر السلطة في نهجها التعطيلي منذ سنوات، اذ لا يجوز ربط انتخاب رئيس الجمهورية بالحوار”. في حين اعتبر النائب عماد الحوت أن “المؤتمر الدولي سلاح ذو حدين، وهو نوع من إخراج القرار بالكامل من لبنان الذي سيستخدم كصندوق بريد، وفكرة التحييد هي الأصح، لكن في المقابل الاستحقاق الرئاسي لم يكن يوماً استحقاقاً داخلياً بحتاً، وبالتالي، الانتخاب الحالي لن يكون شاذاً عن القاعدة، ودورنا كقوى سياسية تمهيد الأرضية كي يجد الخارج واقعاً يدفعه الى التدخل لتكريسه”، مشيراً الى أن “الظرف اليوم مختلف بحيث أن الناس باتت في وجه أحزابها، والكل يحتاج الى المخرج كما أننا لا نتحاور لايجاد حل للقضية اللبنانية برمتها انما التحاور لانتخاب الرئيس، وليس هناك من قضايا يمكن التراجع عنها أو عدم الالتزام بها كما حصل في السابق”.

وأكد النائب قاسم هاشم أنه “لا بد من أن يصل الجميع الى قناعة بوجوب الحوار. هذا البلد محكوم بالتوافق الذي يعني أننا ملزمون بحوار منفتح في كل الأزمات، يتناول كل الملفات لأن تركيبة البلد تتطلب الحوار الدائم وليس الحوار الموسمي. نحن بغنى عن إقحام بلدنا في المتاهات، وفي لعبة الأمم التي قد تجرنا الى ما لا يحمد عقباه في ظل ما يجري في العالم خصوصاً أننا لا نزال في دائرة استهداف عدو طامع”. وقال: “حري بنا التفتيش عما يحمي بلدنا، وما يحمينا اليوم هو حوارنا الداخلي وتماسكنا لدرء الأخطار عن وطننا. وليس صحيحاً أن الحوار لم يؤد يوماً الى نتيجة ولم يتم الالتزام به لأنه كان يخفف كثيراً من حدة الأزمات والتوترات والعصبيات الطائفية والحزبية والمناطقية”.

وأوضح الوزير السابق رشيد درباس أن “المؤتمر الدولي والحوار الداخلي، رؤيتان تتصديان لمعضلة واحدة، وكل طرف يرى العلاج على طريقته. والحقيقة أن اعتماد علاج واحد من الطرحين لا يكفي، واذا حصلت المعجزة والتقى العلاجان، فيكون حينها الوضع مقبولاً”، لافتاً الى أن “المؤتمر الدولي من أجل لبنان اذا عقد لا يمكن أن يفرض قراراً جديداً في ظل توازن القوى الداخلية والاقليمية والدولية، وهناك كثير من الأمثلة من القرارات الدولية التي لم تنفذ. والحوار الداخلي اذا لم يجد قبولاً من الخارج، فيمكن عرقلته بحيث أن معظم الأطراف لديها ارتباطاتها الخارجية”.

أضاف: “اذاً، يتطلب الأمر لحظة من اللحظات تكون مؤاتية، تنضج فيها مسألة حل القضية اللبنانية، على المدى المتوسط (10 سنوات أو 15 سنة) لأن أزماتنا دورية، كما حصل في اتفاق الطائف، لكن السؤال هنا: هل وصلنا الى هذه اللحظة؟ لا يبدو ذلك الى اليوم. وهذا ما يمكن أن نلمسه من الخطاب السياسي الداخلي الذي لا يزال بعيداً عن الواقعية، لذلك، نحن في مرحلة المراوحة المصحوبة بنزف شديد”.

شارك المقال