بيروت عاصمة للاعلام العربي… تحدٍ شاق وسط الأزمات

تالا الحريري

تنفيذاً للقرار رقم 517 الصادر عن مجلس وزراء الاعلام العرب، أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان، في دورتها الـ52 (2022/9/22 في القاهرة)، بيروت عاصمة للاعلام العربي. وكانت الأمانة العامة – قطاع الاعلام والاتصال/ إدارة الأمانة الفنية لمجلس وزراء الاعلام العرب، نظمت اجتماعاً للجنة المشتركة المعنية بالاعداد والتحضير للاحتفال ببيروت عاصمة للاعلام العربي، الموافق 2022/12/7، في مقرها في القاهرة، بحضور السفير أحمد رشيد خطابي الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الاعلام والاتصال، وعضوية اللجنة المشتركة التي تضم كلاً من وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري والأمين العام للملتقى الاعلامي العربي ماضي الخميس.

وأوضح البيان أنه “تمت مناقشة المقترحات كافة المقدمة من أعضاء اللجنة، وخصوصاً برنامج الأنشطة والفعاليات الاعلامية والثقافية والفنية الذي تقدمت به الجمهورية اللبنانية للاحتفال ببيروت عاصمة للاعلام العربي على مدار 2023، تجسيداً للتضامن الكامل والثابت والمتواصل مع هذا البلد العربي على مختلف الأصعدة تماشياً مع قرارات الجامعة العربية”.

وأشار السفير خطابي إلى أن “قطاع الاعلام والاتصال سيحرص بتوجيهات من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، على التعاون الوثيق مع وزارة الاعلام في لبنان، لضمان أفضل الترتيبات التنظيمية لهذه الاحتفالية، وأن هذا الحدث سيشكّل فرصة سانحة لكل الدول الأعضاء والمنظمات والاتحادات الممارسة لمهمات إعلامية تحت مظلة مجلس وزراء الاعلام العرب للانخراط في إنجاح هذه الفاعليات”.

وفي هذا الاطار، أكد الوزير مكاري حرص لبنان على تظهير عروبته عبر لقب بيروت عاصمة الاعلام العربي، معتبراً أنّ “بيروت العريقة تستحقّ عن جدارة هذا اللقب وأنّها لا تزال تنبض حياة على الرغم من قساوة ما مرّت به في الأعوام الأخيرة. وهذا اللقب يشكّل تحدياً في ظروف لبنان السياسية والاقتصادية الصعبة ولكنّنا قبلناه، وسنحرص على إنجاح كلّ الفاعليات التي ستمتدّ سنة كاملة”. وكشف عن مبادرة ستطلق خلال الأسبوع المقبل، مع عدد من الوزارات المعنية بهذا الحدث، على أن يتمّ في وقت لاحق إطلاق شعار العام، اضافة إلى حملة ترويجية على وسائل الاعلام.

محفوظ: القرار غير كاف

وتعليقاً على هذا الحدث، أشار رئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ في حديث لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “لبنان شكّل تاريخياً على امتداد القرن الماضي ومطلع القرن الحالي عاصمة فعلية للاعلام في العالم العربي وفي المحيط وكان جسراً للتواصل بين الداخل العربي والخارج الدولي، لكن للأسف تراجع موقع لبنان الاعلامي في العالم العربي لأسباب عديدة منها أن الحرب الأهلية حوّلت الاعلام بشكل أو بآخر إلى إعلام طائفي ومحلي”.

أضاف: “الناحية الثانية أنّ غالبية الدول العربية وتحديداً الدول الخليجية أظهرت في الصحافة المكتوبة صحفاً ذات تأثير ووزن سواء في الكويت مثل جريدة (القبس) أو جريدة (الحياة) في المملكة العربية السعودية أو جريدة (الشرق الأوسط). في الاعلام المرئي كان الاعلام اللبناني هو الأول ومثال على ذلك تلفزيون لبنان (تلفزيون الدولة) وكان هذا الاعلام مصدراً فعلياً لتزويد المؤسسات المرئية العربية بالاعلاميين. ولكن الدول الخليجية لاحظت أهمية الاعلام المرئي فشكّلت مئات المؤسسات الاعلامية التي تتناول كل أوجه النشاط الانساني وكوّنت أيضاً إعلاماً مرئياً أصبح مصدر معلومات للخارج مثل (الجزيرة) و(العربية) ما أدى إلى تراجع الاعلام المرئي اللبناني، وخصوصاً أن الدول الخليجية استخدمت الاعلان مصدراً من مصادر قوتها السياسية”.

ولفت محفوظ الى أن “تراجُع وضع لبنان الاقتصادي أدى إلى غياب الاعلان اللبناني عن المؤسسات المرئية، ونحن نعلم أنّ الاعلام المرئي يعيش وفقاً للقانون من مصدرين الاعلان والصناعة الدرامية، لكن الآن لا إعلان ولا صناعة درامية فعلية، فتراجع موقع الاعلام المرئي. والفرصة الآن أمام الاعلام الالكتروني فأهميته في لبنان أنّه إعلام حر قياساً على أنّه في المحيط والاقليم يستجيب لمصلحة الدول السياسية، لكن مشكلته أيضاً أنّه يلجأ في الكثير من الأحيان إلى التشهير والخبر الكاذب مما يضعف موقعه في محيطه علماً أنّه المؤهل لأن يكون الاعلام الأول نتيجة تبني لبنان الحرية الاعلامية وحرية التعبير”.

ورأى أنّ “قرار جامعة الدول العربية يخدم لبنان في مسألة الاعلام ولكن هذا القرار غير كافٍ، لأن الاعلام الأول لم يعد في لبنان بل أصبح خارجه. والاعلام يحتاج إلى رساميل وأن يكون موضوعياً وغير طائفي وهذا ما تراجع وقعه في لبنان. إذاً هذه المسألة مربوطة بما يقدمه الاعلام اللبناني من التزام بالحرية الاعلامية والابتعاد عن التشهير في صياغة الخبر الصحيح والدقيق المستند إلى معلومة صحيحة ومصدر موثوق، أي يفترض مراجعة دور الاعلام من اللبنانيين أنفسهم”، معتبراً أنه “كان يفترض بلبنان أن ينجز المدينة الاعلامية وأن يفتح الأبواب أمام المؤسسات المرئية والمسموعة والالكترونية العربية للافادة من كونه يتنبى فكرة حرية الاعلام. عند ذلك يمكن للبنان أن يكون له الدور المطلوب ويمكن عندها أن يكون عاصمة للاعلام العربي”.

وأعرب عن اعتقاده أن “الاعلام لا يقوم بوظيفته الأساسية، وهناك حاجة إلى مدينة إعلامية مفتوحة أمام كل المؤسسات تستفيد من الحريات الاعلامية الموجودة في لبنان والتي يفتقر إليها العالم العربي. حينها يمكن أن يكون الاعلام اللبناني صوتاً لكل الناس وإعلاماً موضوعياً وغير طائفي أو منحاز، يستهدف نشر الحقيقة فقط كما هي”.

القصيفي: حسناً فعلت الجامعة العربية

أما نقيب المحررين جوزيف القصيفي فقال لـ”لبنان الكبير”: “حسناً فعلت الجامعة العربية بإتخاذ قرار جعل بيروت عاصمة الاعلام العربي، والحقيقة أن بيروت كانت منذ أواخر القرن التاسع عشر عاصمة لا بل حاضرة الاعلام العربي. وليس من قبيل المفاخرة أن تكون الصحافة اللبنانية وأن يكون الصحافيون اللبنانيون هم رواد الصحافة في مصر. وبيروت على الرغم مما حل بها من مآسٍ ونكبات تظل عاصمة الاعلام العربي لأنّها توفر مساحة واسعة من الحرية والديموقراطية بهذا الاعلام المتنوع والذي يقوم بمهمته بحرفية ومهنية”.

وأكد أن “الأزمة الاقتصادية التي حلت بلبنان إنعكست سلباً على الاعلام ولاسيما على الصحافة الورقية التي شهدت تراجعاً في العالم بأسره، لكن بيروت تظل إحدى الحواضر المشرقية والعربية التي تنبض بالحركة والحياة وبدينامية سياسية وإجتماعية تفتح أمام وسائل الاعلام المجالات كافة للتفاعل والحوار وتداول الأخبار وإنسيابها بكل حرية”.

وأشار القصيفي الى أن “لبنان قبِل مشقة إستضافة الاعلام العربي إنطلاقاً من هذا اليوم الذي حددته جامعة الدول العربية، والمهمة ليست سهلة نظراً الى الصعاب والمعوقات المادية وحال التخبط الذي يعيش فيه، لكن قبوله هذا التحدي يعني أنّ لبنان متمسك بقيم الحرية والديموقراطية ويفخر بصحافته وإعلامه وبالصحافيين والاعلاميين وفيهم نخبة متقدمة في هذا المجال”.

ولكن هل يقوم الاعلام بوظيفته الصحيحة؟ أجاب القصيفي: “هذه إشكالية مطروحة اليوم بين النخب السياسية والفكرية والثقافية في لبنان. حتماً إن الاعلام يتأثر بالأجواء السائدة في لبنان وهو مرآة عاكسة لكل الخلافات والتصدعات القائمة. المطلوب من الاعلام اليوم أن يحافظ على قيم الحرية والديموقراطية إذا لم يكن بإستطاعته أن يكون محايداً، وأن تتسع صفحاته وأثيره وشاشاته ومواقعه الالكترونية لكل الآراء بصورة متوازنة، فالحل في أن يكون على قدر من الموضوعية ولو في الحدود الدنيا، لأنها هي التي تعطي صدقية للاعلام بكل تفرعاته”.

ورأى أن “على الاعلام أن يمارس حريته إلى أقصى الحدود ويجب أن لا يعوقه أحد عن تحقيق هذا الموضوع، ولكن أن يكون هناك حد معين من الشفافية والأخلاقية في التعاطي والابتعاد قدر الامكان عن خطاب الكراهية، لأن للاعلامي دوراً وطنياً ينبغي أن يضطلع به في هذه الأحوال الدقيقة والخطيرة التي يمر بها لبنان”، مناشداً جميع الصحافيين والاعلاميين “أن يمارسوا الحرية الاعلامية إلى حدودها القصوى”.

وشدد القصيفي على “أننا كنقابة محررين نرحب بإعتماد بيروت عاصمة للاعلام العربي، وعلينا أن نعمل جميعاً متكاتفين مع كل الهيئات المعنية من أجل إنجاح فعاليات هذا الحدث إلى أبعد الحدود لنثبت أننا ولو ضربتنا المحن ولفتنا الأزمات على قدر المسؤوليات والرسالة التي أنيطت بنا، مستعيدين صورة التألق الصحافي والاعلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا”، آملاً “أن تبدأ هذه الأزمة بالانحسار وأن تستعيد بيروت دورها الطليعي ومكانتها المتقدمة في العالم العربي”.

شارك المقال