“جنود الرب” تتماثل بـ “حزب الله” وتهاجم أمنه الذاتي

محمد شمس الدين

الـ “Neighborhood watch” هي لجنة من أبناء الأحياء تجول ليلاً فيها للحفاظ على أمنها، وتنتشر في العديد من البلدان، ولكن هذه اللجنة لا تحل محل الشرطة أو القوى الأمنية في أحيائها، بل تتواصل معها في حال شعرت أن هناك أمراً مشبوهاً يدور في الحي الذي تراقب فيه، وتترك أعمال حفظ الأمن لها. وعادة ما يشكل أهالي الأحياء هذه اللجنة، بعد حصول جريمة ما في الحي، ويكون تجوالها في الليل بهدف إخافة المجرمين أو اللصوص من ارتكاب جريمة، لوجود من يستطيع أن يكون شاهداً عليهم أو إبلاغ الشرطة عنهم، وطبعاً لا يكون هناك منطلق أيديولوجي أو سياسي أو ديني للجنة، بل هي من أبناء الأحياء لحمايتها عبر دوريات جوالة تراقب وتبلغ الشرطة.

أما في لبنان، فيبدو أن هناك من فهم مبدأ الـ “Neighborhood watch”، من منطلق ميليشيوي عقائدي طائفي، وأسس مجموعة باسم “جنود الرب” بحجة حماية منطقة الأشرفية. المجموعة أخذت سمة الأمن الذاتي، وهذا أمر خطير إن تم تعميمه، يعيد اللبنانيين بالذاكرة الى أيام الحرب الأهلية وحكم الميليشيات في المناطق.

المضحك في الأمر أن من يقفون خلف هذه المجموعة، لطالما حاضروا ضد الأمن الذاتي، تحديداً لجهة “حزب الله”، الذي يعتبرونه ميليشيا خارجة عن الدولة، تمتلك جيشها الخاص، وتنفذ أمنها الذاتي في مناطقها، وتضرب سيادة الدولة، والأمر ليس قديماً، فخلال اليومين الماضيين، توالت الاستنكارات ضد الحادثة التي حصلت في منطقة العاقبية، بين “الأهالي” وقوات الطوارئ الدولية، ورأى من يقفون خلف “جنود الرب”، أن السبب هو الأمن الذاتي الذي يفرضه “حزب الله” في مناطق نفوذه، مطالبين بوضع حد لسيطرته عليها، وبسط سيادة الدولة.

وهنا يطرح السؤال: ما الفرق بين الاعتداء على موكب قوات “اليونيفيل”، والاعتداء على مسيرة دراجات نارية؟ في الحالتين، ما حصل هو ضمن مفهوم الأمن الذاتي، كون أي حادث من هذا النوع، يستوجب الاتصال بالقوى الأمنية، وهي التي تعالج الاشكال، لا أن يقدم أي طرف أو مجموعة، على الاعتداء على أحد، هذا من أبسط واجبات الدولة، ومن يستنكر اليوم الاعتداء على “اليونيفيل”، كان يجاهر بخطاب الانعزالية وخصوصية منطقة الأشرفية، فماذا لو اعتبر “حزب الله” أو أهالي العاقبية، أن منطقتهم لديها خصوصيتها، ولا يجب على “الغريب” المس بهذه الخصوصية؟ بل ربما قد يجدون تبريراً أكثر من الحادث الذي حصل في الأشرفية، فـ “اليونيفيل” قوات مسلحة، بعكس الشبان الذين كانوا يبتهجون بفوز المغرب، وتم الاعتداء عليهم.

اللافت في مجموعة الِأشرفية هو الاسم، “جنود الرب”، ويبدو أن من أسسها، أراد التمثل بـ “حزب الله”، بحيث ترفع المجموعة شعار الديانة المسيحية، بينما الحزب يتخذ من العقيدة الشيعية شعاراً له، وكأن من يقف خلفها يريد القول إن المسيحيين يملكون جنوداً أيضاً في معرض تهويله ضد الحزب، وهنا يجب السؤال: بدل تمويل مجموعة خارجة عن الاطار الرسمي للدولة، وتفويضها بحماية المنطقة، أليس من الأفضل تمويل البلدية وتجنيد شبان في شرطتها من أجل الحماية؟ أليس هذا منطق الدولة والسيادة؟ ولكن يبدو أن العقلية الميليشيوية هي التي تقف خلف من يمول هؤلاء، وليس منطق الدولة، وقد أصبحت مؤخراً سمتهم الازدواجية، ينتقدون الأمن الذاتي لدى خصومهم السياسيين، بينما يتصرفون مثلهم. وإن كان لا بد من التذكير، فهناك تشابه كبير بين “جنود الرب”، وما يسمى مجموعة “الحرس القديم” لـ “التيار الوطني الحر”، التي وصل بها الأمر إلى مرافقة قاضية في عمليات اقتحام.

وتتخوف مرجعيات سياسية وسطية من أن يؤدي الخطاب التحريضي إلى إنشاء كل طرف سياسي في البلد، مجموعات خاصة به، تحت عنوان حماية المنطقة، وتتفشى ظاهرة الأمن الذاتي، والخوف الأكبر أن تصطدم مجموعتان ببعضهما البعض، ما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا، وتشتعل فتنة لا تحمد عقباها.

شارك المقال