إمام “مفتياً للتوافق” في طرابلس… فهل تُفشله السياسة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

كما كان متوقعاً، فاز الشيخ محمّد إمام بمنصب مفتي طرابلس والشمال في استحقاق كان منتظراً من دون أن يسجل ولو للحظة واحدة أيّ تجاوز أمني أو أخلاقي يُعرقل هذه العملية الديموقراطية والتي أقلّ ما يُقال عنها إنّها مناسبة جامعة كما رآها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي قال في تصريح إنّ دار الافتاء “ستبقى هي الدار الجامعة، ونحن نلتقي من أجل جمع الكلمة، والتنافس هو من أجل الخير حتماً”، وهو الخير الذي دفعه إلى أن يتوسّط في صورة الشيخ إمام والشيخ بلال بارودي الذي كان مرشحاً تنافسياً لامام الذي نال 83 صوتاً أيّ بنسبة 66.40 في المئة من الأصوات، فيما حصل بارودي على 30 صوتاً، بينما كان مرشحون آخرون حصلوا على عدد أصوات أقلّ بكثير مقارنة بهما، إذْ نال الشيخ مظهر الحموي 7 أصوات والشيخ وسام سمروط صوتين فقط، من دون إغفال انسحاب عدد من المرشحين الـ 7 قبل الانتخابات وهم: القاضي الشيخ سمير كمال الدين، الشيخ أحمد المير والشيخ أحمد كمون.

وليس خافياً على أحد المسؤولية الملقاة على عاتق المفتي إمام بدءاً من اللحظة التي سيتولّى فيها شؤون الطائفة السنية في طرابلس ويرعاها، فهذا الموقع الذي يتمتّع بأهمّية كبيرة في المدينة التي تُعدّ محافظة دينياً وسنياً بوضوح، سيكون على موعد مع مجموعة من الانتقادات عند أيّ حدث طرابلسي قادم، خصوصاً وأنّه وفق معطيات “لبنان الكبير” كان قد “واجه انتقادات منذ العام 2020 أيّ منذ تولّيه المنصب بالوكالة بعد المفتي السابق مالك الشعار، وسيُواجه مجموعة من التحدّيات الصعبة التي لا تبتعد عن الشق السياسي الذي يتحكّم بهذا المنصب، لاسيما وأنّ إمام الذي يُشير المقرّبون منه إلى أنّه نظيف الكف ومعتدل، كانت قد انتشرت معلومات عنه منذ أشهر سبقت الاستحقاق، تُشير إلى أنّه مدعوم سياسيّاً من الرئيس ميقاتي ويحظى بإجماع سياسيّ يسمح بوصوله إلى هذا المنصب”.

وقد يفتح هذا التكليف الشرعي سياسياً ودينياً، السجال المعتاد حول تمسّك السياسيين بهذه الشرعية التي لا تخفى على أحد أهمّيتها ميدانياً خصوصاً في طرابلس، الأمر الذي أوْلى هذه الانتخابات هذا العام أهمّية خاصّة، لا سيما في ظلّ التخبّط السياسي المستمرّ بعد عزوف رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري عن العمل السياسي في هذه الفترة، ما أفسح المجال أمام بعض سياسيي الطائفة السنّية للتركيز على دعم هذا المنصب عبر مساندة الدار من جهة، أو منصب المفتي والدفاع عنه من جهة ثانية، وذلك إيماناً منهم بالدعم الشعبي لهذا المنصب حيناً، وأنّ هذه الدار هي الجامعة حقاً في كلّ الأمور حيناً آخر، مهما تحدّث البعض عن تسييس يطال المنصب السنّي الأوّل شمالاً.

وبعد إعلان فوز إمام، أكدت أوساط طرابلسية لـ “لبنان الكبير” أنّه سيكون مفتياً معتدلاً وغير منحاز بصورة مباشرة لأيّ سياسيّ كان، لكنّ قد تظهر بعض من مواقفه المرتبطة بأحداث سياسية، اجتماعية… منحازة إلى موقف محايد (لا أبيض أو أسود بل رمادي)، وهذا ما سيكون غير مقبول بين الطرابلسيين الذين يحتاجون في هذه المرحلة إلى رجل دين منحاز إلى حقوقهم التي لن يكون ضدّها، “لكن كما يعلم الجميع، فإنّ الوصول إلى منصب ما يحتاج إلى دعم سياسي ومن يصل إليه بهذا الدعم فلن يحظى بحرية تجعله قادراً على مجابهة السياسيين، الا أن المفارقة هذه المرّة أنّ إمام سيكون مختلفاً عن الشعار الذي كانت مواقفه واضحة سياسياً أكثر، وسيبدو توافقياً بكلّ ما للكلمة من معنى، ولن يكون مستفزاً لأيّ سياسيّ، ما يُفسّر الدعم الكبير الذي تحدّث عنه السياسيون بعد الادلاء بأصواتهم، لكن بالتأكيد تحرّكاته أو تصريحاته ستكون مقيّدة بين عدم المناصرة وعدم المواجهة، أيّ موقع بالاسم بلا طعم ولا لون، مع العلم أنّ الاستحقاق هذا العام كان قد اتخذ أهمّية واضحة إعلامياً وشعبياً أكثر من أيّ محافظة أو مدينة أخرى، وهو ما يشرح الفرق بين الرغبة الشعبية والأمر الواقع السياسي”.

شارك المقال