حيث السياسة تندمج بالجريمة

محمد علي فرحات

فرح الميلاد ورأس السنة اعلان حياة لبنانيين نادر في ساحات الموت الصامت، حيث لا وعود باستعادة وطن فقد بريقه وأسلمه حاكموه الى التيه في ساحات الأمم.

وترى مهاجراً لم يشفَ من المرض اللبناني، يتابع تفاصيل الآلام من بعيد، ويستعيد لنفسه اسماً عربياً من عصر ما قبل الاسلام، هو الحرث بن مضاض الجرهمي الذي دفعته حروب الأهل الى الهجرة مع قبيلته من موطنه الأثير مكة الى طرف بعيد في شبه جزيرة العرب. يستعيد المهاجر المقتلع من وطنه هذين البيتين من شعر الجرهمي:

كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا

أنيس، ولم يسمر بمكة سامر

بلى، نحن كنا أهلها فأبادنا

صروف الليالي والجدود العواثر

ولكن، ليس الجد (الحظ) العاثر هو ما أباد اللبناني بقدر ما هي لعنة المستحيل، حين تصرّ غالبية اللبنانيين على الجمع بين النار والماء، أي بين الطائفية والمواطنة، وهم بذلك يضربون موعداً كل عقدين من السنين تقريباً مع حرب أهلية أو شبه أهلية تترافق مع دمار وهجرة وحنين يقتل أصحابه في جهات العالم الأربع.

ولبنان في أحواله كلها عاصمة العالم، ولكن، بالمعنى السلبي. فالعالم حاضر فيه باستخباراته المباشرة والملتوية، وهذا وحده يفسر المحافظة على الحد الأدنى من حياة اللبنانيين، أي إطعامهم حتى لا يموتوا والهاؤهم بأحقاد الطائفية ليجدوا معنى لهم وإن كان بائساً. هو يوم قيامة أرضي. بلا حياة ولا موت، أو أنه لعنة لها مواعيدها ينتظرها شعب بائس ينتحر ولا يكتمل انتحاره.

وما يشهده اللبنانيون هو السياسة المندمجة بالجريمة، حالة خاصة بوطن جميل وملعون لكنه غير متروك لأقداره انما يخضع لمراقبة القريب والبعيد. عيون العرب والعالم على الـ 10452 كيلومتر مربع، خصوصاً على حدوده الاسرائيلية المتوثبة وحدوده السورية المخلعة كأنها خارجة من زلزال.

وفي لبنان اليوم ثلاث قوى تتعايش وتتصارع في آن واحد: الفساد الذي هيمن على الدولة وعلى قسم كبير من القطاع الخاص، و”حزب الله” الذي اقتطع من الوطن مساحة أرض وشعب يحاول إعادة صوغها باسم المقاومة لتتحول كياناً يشبهها أكثر مما يشبه لبنان، والحيوية المستمرة للبنانيين صامتين لا تمثلهم الخطب الميليشيوية التي تتبادل اللعنات وكل منها ينسب الى نفسه الحق والنقاء والى غيره الباطل والاعتكار.

اللبنانيون الصامتون المقيمون هم الأمل فيما الفساد و”حزب الله” يتصارعان ويتكاملان من أجل تمديد حرب فريدة من نوعها، والعرب والأجانب يراقبون ويحفظون الحد الأدنى من بقاء لبنان في انتظار ترتيب جديد للمشرق يبقى لبنان حاضراً فيه ولكن هذه المرة بلا وجه وطني، حاضراً عبر كفاءات شعبه الفردية والنزوع المستجد ليكونوا مجرد أفراد لا مواطنين.

لبنانيون كثيرون يجهدون لتعليم أبنائهم وعند التخرج يهاجر هؤلاء بحثاً عن عمل، وقد يعملون وفق المخططات والمخططين خبراء نابهين في شركات تساهم فيها اسرائيل وبرواتب مجزية. ولن تنتهي أزمة لبنان القائمة على فساد ومقاومة إلّا باتضاح مصير المشرق العربي، مؤسسات ودولاً وجماعات تهنأ بأحقادها وتسعد.

فرح الميلاد ورأس السنة لا يمنع صياح الطائفيين وفساد الحكام والنافذين وغموض المقاومة وانتظار الصامتين. انه محطة استرخاء في زمن التوتر.

شارك المقال