المبادرات الخارجية… تفاؤل مفرط يبدده الصراع الاقليمي

هيام طوق
هيام طوق

منذ ما قبل الشغور الرئاسي، كان الحديث عن مبادرات خارجية لانجاز الاستحقاق خصوصاً أن الجميع في الداخل والخارج، بات على قناعة بأنه لا يمكن انتاج رئيس للجمهورية اللبنانية الا بتقاطعات محلية – اقليمية، لكن هذه المبادرات كانت موضوعة على نار خفيفة افساحاً في المجال أمام اللبنانيين علهم يتمكنون من انتخاب الرئيس خلال جلسات البرلمان الانتخابية التي تحولت الى مسرحية هزلية، ووصل معها الاستحقاق الرئاسي الى حائط مسدود.

المساعي كثيرة في هذا الاطار بحيث يتم التداول باجتماع أميركي – فرنسي – سعودي – قطري في العاصمة الفرنسية، قبل نهاية السنة، للبحث في حصيلة النقاشات والاتصالات التي قادتها باريس والدوحة في الأشهر الماضية مع القوى السياسية اللبنانية. وما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديث صحافي من أنه سيتخذ “مبادرات في الأسابيع المقبلة بشأن لبنان”، نافيا “إمكان عقد مؤتمر دولي للبنان”، يأتي في هذا السياق.

وفي ظل الانهيار الحاصل، والأفق الرئاسي المسدود، هل يكتب لهذه المبادرة النجاح، وتكون نتيجتها انتخاب رئيس ترضى عنه أكثرية الأطراف في الداخل أو أنها ستكون مقيدة بالكثير من العقد الداخلية والاقليمية؟

رأى الوزير السابق فارس بويز أن “جزءاً كبيراً من الجمود أو من الأزمة اللبنانية، مرتبط بالواقع الخارجي الذي هو بالدرجة الأولى الصراع الكبير القائم بين أميركا والمملكة العربية السعودية من جهة وطهران من جهة أخرى، وما لم يصلوا الى نوع من الحلحلة في هذا السياق، ستبقى الأمور تنعكس على الداخل اللبناني الذي سيبقى معقداً. من هنا، أي مبادرة حيال لبنان يحب أن تسبقها مبادرة لحلحلة الصراع الاقليمي الدائر في المنطقة لينعكس ذلك على الداخل”.

وقال: “وفق المعطيات، هناك جهود تبذل لانجاح المبادرة، لكن لا أظن أنه ستكون لها حظوظ كبرى ما لم تشمل طهران التي لديها حليف قوي في لبنان، وجزء من الحالة اللبنانية. المبادرة تذكر بمقولة ان العريس وأهله متفقون، لكن لم يتحدثوا بعد مع أهل العروس. الأطراف المشاركة من فريق معين، وليس هناك من خلاف في ما بينهم، وهم بحاجة الى التحاور مع الفريق الآخر”. واعتبر أن “المملكة العربية السعودية تدرك أن المشكلة مع الفريق الآخر الذي لم يتم التوصل معه على تفاهم معين أو حلحلة”.

وأكد بويز أن “لبنان بانقساماته الداخلية وبفئاته وبأفرقائه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الخارجي. فلكل من الفرقاء مرجعية معينة في الخارج، ومن دون أن تتفق المرجعيات الخارجية مع بعضها البعض، فذلك ينعكس على الوضع الداخلي. وهذا ليس بجديد، اذ تاريخياً كلما كان الوضع في منطقة الشرق الأوسط متأزم كانت تنعكس الأزمات على الواقع اللبناني وإن بدرجة أقل. من هنا، يستحيل طبقاً لهذا الواقع أن ينتظر من الفرقاء اللبنانيين حلولاً طالما هم مرتبطون بالأزمة الاقليمية. اذاً، الصراع الاقليمي هو أساس الأزمة اللبنانية، والمشكلة السياسية ذات جذور خارجية. وإن لم يحصل ولو حل جزئي لها، لا أرى حلولاً ممكنة على المستوى الداخلي. الرئيس فؤاد شهاب، مع عظمته ما كان ليصل الى سدة الرئاسة وتحقيق الانجازات لو لم يحصل التفاهم حينذاك بين أميركا وجمال عبد الناصر بأن يأتي رئيس مستقل، حيادي وسيادي”.

ورأى الكاتب السياسي مكرم رباح أن “المبادرة لن تؤدي الى أي نتيجة لأن ليس هناك أي اهتمام من الدول. لبنان ليس موجوداً على سلم الأولويات الدولية. وطالما أن الأميركيين يسلمون المبادرة للفرنسيين يعني أنها غير جدية، والجميع يدرك ذلك”، لافتاً الى أن “المهم ليس المشاركة في المبادرة بل ان ليس هناك رغبة عند أي دولة في المساعدة، والطريقة الوحيدة لمساندة لبنان تكون من خلال إجراء الاستحقاق الرئاسي، وانتخاب رئيس للجمهورية يحظى بنوع من التوافق. الطرف الآخر لن يقبل الا بالمواجهة، وهذا أدى الى أن يكون لبنان (وجعة راس) للدول. التعويل على نتائج مبهرة من المبادرة فيه نوع من التفاؤل المفرط. ليس هناك من مجال للحلحلة طالما ليس هناك من تسوية اقليمية، ولا يمكن التغيير بالطريقة التي تطرح.”

أضاف: “لا يمكن الحديث عن تقارب سعودي – ايراني، لأنه تقارب أمني وليس سياسياً. فهم رسموا نوعاً من خطوط للمواجهة في المنطقة، وبالتالي، ليس هناك أي أمر أو تطور يدعو الى التفاؤل بالحلحلة القريبة. كل هذه المبادرات تهدف الى القول ان المحاولات مستمرة في وقت أن الحلحلة الفعلية تحصل حين يحدث التغيير في لبنان، ويتلاقى مع تغيير اقليمي. مع العلم أن الاقليم غير مهتم بلبنان كما في السابق حتى أن الاهتمام القطري غير كاف لاخراجه من أزمته”.

وأشار أحد الخبراء في العلاقات الدولية الى أن “المبادرة يمكن أن تكون عبارة عن اجتماع بين ممثلي الدول الأربع ينعقد في مصر أو الأردن”، معتبراً أن “نجاح المبادرة مرتبط بأمرين: قدرة ماكرون على إقناع الطرف السعودي واستمالته نحو طروحاته كما وبالتهدئة بين ايران والسعودية”.

وأوضح أن “الاتصالات لا تزال قائمة لناحية تحديد مستوى المشاركة، والمواضيع التي ستطرح، لكن وفق المعطيات، فإن هناك عنوانين أساسيين: انتخاب رئيس الجمهورية والتوافق على اسم رئيس الحكومة في سلة واحدة”، معتبراً أنه “طالما مصر وقطر أبدتا ليونة تجاه الاجتماع، فهذا يعني أن السعودية ستلين في موقفها، لكن لا شيء محسوم حتى الآن، وكل الأمور قيد التشاور والبحث”.

شارك المقال