باسيل يحصد زوان ما زرعه!

صلاح تقي الدين

لم تكن الجولة الأخيرة التي قام بها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لتخرج عن المسار الذي حاول اعتماده منذ خروج عمه الرئيس السابق ميشال عون من قصر بعبدا، في محاولة مستميتة منه للبقاء في قلب المشهد السياسي والحفاظ على ما تبقى له من حضور وازن، لكن من الواضح أنه فشل في كل محاولاته بعدما تجرأ على “معاندة” من سمح له بالوصول إلى ما وصل إليه من نفوذ خلال ولاية عمه الرئاسية وحتى ما قبلها… السيد حسن نصر الله.

من الواضح أنه في آخر لقاء لباسيل مع السيد نصر الله (ولعله الأخير) لم تسر الأمور على ما يشتهي كلا الطرفين. فالأمين العام لـ “حزب الله” حاول جاهداً إقناع حليفه الماروني بأهمية وصول رئيس تيار “المردة” الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة لما يمثله من استمرار لـ”الخط” وحماية لظهر المقاومة، إلا أنه فشل في محاولاته نتيجة عناد باسيل وعدم قبوله بوصول فرنجية إلى بعبدا، وإمعانه في الرفض كان من خلال بيانات ومواقف أصدرها عقب اللقاء مفادها أن “اتفاق مار مخايل” أًصبح بحاجة ماسة الى المراجعة ناهيك عن اتهام الحزب صراحة بعدم دعم عون ومشاريعه للاصلاح.

إذاً، قطع باسيل الخيوط مع حارة حريك، وهذا بالتأكيد ليس من مصلحته إطلاقاً خصوصاً وأن “باب الحارة” هو الباب الوحيد الذي بقي مفتوحاً أمامه بعدما رفع كل أنواع المتاريس في وجه باقي الفرقاء السياسيين اللبنانيين فلم يترك له صاحباً. ولم تكن الملاحظة التي تسرّبت عن مسؤول الارتباط في “حزب الله” الحاج وفيق صفا عن أن على باسيل المباردة إلى الاتصال طلباً لموعد من السيد بريئة، ومفادها أن عليه الاعتذار مباشرة أمام السيد إذا أراد أن يظل حليفاً للحزب.

لكن جبران حاول أن يمرر رسالة إلى الحزب وأمينه العام من خلال اللقاءات التي أصر على عقدها “علناً” سواء مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، أو “خلسة” وسيأتي وقت كشفها، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومع رئيس “المردة”.

ووفقاً لمعلومات كشفتها مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير”، فإن لقاء باسيل مع جنبلاط والذي انعقد في منزل صهر الأخير، جوي الضاهر جاء بعد وساطة قادها النائب عن الشوف فريد البستاني ورئيس مجلس إدارة “المؤسسة اللبنانية للارسال” الشيخ بيار الضاهر، وهذه الوساطة إن نجحت في عقد اللقاء إلا أن نتائجه لم تكن مرضية خصوصاً لباسيل، فقد بقي جنبلاط على مواقفه المعلنة، مشدداً على ترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة حتى إِشعار آخر، ولم ينجح باسيل في حرق أوراق فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون من خلال تمرير اسم ثالث للرئاسة.

وتضيف المصادر أن جنبلاط الذي يرفع شعار “الحوار” ويلتزم به، لم يكن ليعارض فكرة لقائه باسيل الذي طلب الحوار معه، فكان ما كان بعد أن وضع “حليفه” الأبدي رئيس مجلس النواب نبيه بري في أجواء الوساطة الساعية إلى جمعه بباسيل.

وما صار معلناً عن لقاء باسيل بجنبلاط يختلف عن لقاء باسيل بالرئيس ميقاتي الذي وفقاً للمصادر فإن رجل الأعمال المعروف علاء الخواجة هو من جمعهما على طاولة عشاء في منزله، والسبب مناقشة كيفية تسيير الشؤون الحكومية في ظل استمرار الشغور الرئاسي، وتخفيف القيود التي يضعها باسيل حول المراسيم التي تصدرها الحكومة وعدم ضرورة تمريرها على وزراء الحكومة بأكملهم لتوقيعها.

وتوضح المصادر أن ميقاتي الذي كان قد أعلن موقفاً واضحاً خلال لقائه نقابة محرري الصحافة في الأسبوع الماضي رفض خلاله فكرة المراسيم الجوالة لعدم ورود أي بند بشأنها في الدستور، أعاد التشديد على موقفه خلال لقائه باسيل، ومنتقداً أداء وزير الدفاع موريس سليم الذي بتوجيه منه رفض توقيع مرسوم دفع المساعدة الاجتماعية للعسكريين، ما أثار لغطاً كبيراً وقد يحدث هزة في المؤسسة العسكرية التي جهد العماد عون لغاية اليوم للابقاء على تماسكها ووحدتها، فإذا بهذا القرار “الاعتباطي” الذي أخذه وزير الدفاع، يفسّر بأنه اتخذ لأسباب سياسية وانتقامية في وجه قائد الجيش الذي لا يريد باسيل تعزيز وضعه ورفع أسهمه في سباق الرئاسة.

كما أن رفض سليم توقيع اقتراح قائد الجيش بتأجيل تسريح رئيس الأركان اللواء أمين العرم والمفتش العام اللواء ميلاد اسحق أيضاً بناء لطلب باسيل، كان مدار بحث بين ميقاتي ورئيس التيار، لكن القطار فات إذ أن العرم أحيل على التقاعد في 24 الحالي واسحق في 25 منه ولم يعد ينفع سوى العتاب.

لم تتسرب معلومات كثيرة عن خلاصة اجتماع ميقاتي وباسيل، إلا أن من الواضح أن رئيس الحكومة الذي يتمسك بصلاحياته وفقاً لما ورد في الدستور، ليس في وارد التنازل أمام باسيل اليوم، وهو لم يتنازل له عندما كان في فائض قوته بوجود عمه في القصر الجمهوري، فكيف بالحري اليوم وقد بدأ الرجل يشعر أن باسيل أصبح محاصراً من جميع الجهات؟

لكن باسيل على ما يبدو لم ييأس فحاول هذه المرة مد الجسور مع رئيس تيار “المردة”، ربما في محاولة للحصول منه على وعود أو ضمانات تحفظ له ماء الوجه في حال جرت التسوية المنتظرة وقادت فرنجية إلى بعبدا، لكن العارفين بطبيعة الأخير يجزمون بأنه ليس في وارد تقديم أي ضمانات أو تنازلات لباسيل خصوصاً بعد المعركة الشرسة التي يقودها الأخير ضده في معركة الوصول إلى بعبدا.

في المحصلة يمكن القول إن باسيل المعروف عنه تفانيه في العمل، يحاول مد الجسور شمالاً ويميناً لكن بعد فوات الأوان، فهو حرق كل الأوراق مع جنبلاط منذ حادثة قبرشمون، وصولاً إلى قداس دير القمر ومن ثم في الانتخابات النيابية الأخيرة، ولم يبقِ مع ميقاتي على أي “حائط عمار” خصوصاً خلال مرحلة تكليف الأخير تشكيل الحكومة، ناهيك عن أن علاقته بفرنجية لم تسِر على ما يرام منذ وصول عون إلى بعبدا، لكن ما زرعه حان وقت حصاده، وهو لم يزرع قمحاً بل زوان، وهذا وقت الحصاد.

شارك المقال