العيش في الهاوية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كل المؤشرات تتجه نحو توقع إرتفاع سعر الدولار على الرغم من التلاعب الدائر بين قرارات “صيرفة” وصرافي السوق السوداء بإنسجام تام يؤمن مصالح الطبقة الحاكمة ويلهي المواطن بالتخبط بين السعرين، فلا ينشغل إلا بهذا الأمر لتأمين الطعام لعائلته، وتحمل كوارث العهد العوني المستمر في سياسة إذلال الناس وتحميلهم تبعات سرقاته ونهب المال العام وتهريب الثروات والمتاجرة بأمنهم وأمانهم الاجتماعي والاقتصادي.

مرعبة هذه السياسات الكارثية في الارتهان داخلياً لمسارات دول خارجية وحفاظاً على مصالحها الخاصة بحماية السلاح غير الشرعي الذي يملكه “حزب الله” ويهدد به السلم الأهلي ويخضع عبره البلاد والعباد الى ارادة المرشد، الذي يستبيح ساحات دول عربية فيما يقتل شعبه ويذله على مرأى من العالم من دون خجل أو وجل، ومن هنا يبدو عدم السعي الجدي من أولي السلطة الى وضع لبنان على سكة حل يحسن من الأوضاع الاقتصادية لأكثر من 80% من الشعب اللبناني الذي يعيش تحت خط الفقر.

ليست الأزمة بسبب الشغور الرئاسي والفراغ في السلطة الذي يجد في التحاصص الطائفي حلولاً لكل المشكلات في التعيينات تحت الطاولة واستفادة قوى السلطة منها، اعتماداً على سياسات مألوفة في ضرب الدستور والقوانين وحسب، بل في إرتفاع سعر الدولار وتدخلات مصرف لبنان بزيادة سعر “صيرفة” وهو أمر لن ينقذ البلد، بل يزيد من التدهور ويضع مصير الناس في المجهول، ويتسبب بضرب كراماتهم لأن العوز والمرض يكسرها، وما من طريق سوى الانتظار والتقلب على نار الدولار، بينما يبدو من الصعب إستعادة الدولة من أحضان “حزب الله” الذي أمسك بكل القرارات في الأمن والاقتصاد والسياسة والمال، حتى البلد بعيد التسوية التي أتت بميشال عون الى الرئاسة في حالة تبعية كاملة للمشروع الايراني فيما يذكرنا الحزب يومياً بأنه يريد رئيساً يسير على خطى العهد الجهنمي الذي ركبه، وهو أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً بعد اليوم إذا أراد المتضررون منه والذين يفوق عددهم الــ80% أن يتحركوا لوقف الكارثة ورفض مهزلة منطق “حزب الله” وكذبة ما يسمى “المقاومة”.

وفي الأفق ليس ظاهراً أن القوى التغييرية أو مجموعات ما سمي بـ “ثورة تشرين” قادرة على تحريك الشارع والاتفاق على خطة تستقطب الناس وتخرجهم من حال المراوحة.

لا يمكن أن يشكل ركض المواطن وراء سعر صرف الدولار حلاً، سواء ارتفع أم انخفض، فالمشكلة في لبنان تتطلب حلاً سياسياً يترك تأثيراته لاحقاً وتدريجياً على الوضع الاقتصادي والمالي، والحل الآني قد يكون بالنسبة اليه اعتماد الدولار وعدم إبقاء أي مبالغ بالليرة اللبنانية، لأن كل شيء مدولر، بينما ما يحصل هو سرقة موصوفة من حسابه وعلى حسابه.

يجد بعض اللبنانيين الحل لمشكلاتهم المالية في إيجاد وسيلة عمل مع الخارج للحصول على مردود بالدولار لأن أي مدخول في لبنان لا يكفي للعيش ولو بحد أدنى.

وفي المقلب الأمني لا يبدو أن أمن اللبناني مؤمن، بسبب عصابات التشليح والسرقة وقدرة القوى الأمنية على ضبطها غير متوافرة لحماية الناس وليس هناك قضاء يحاسب ويعيد الحقوق.

لا شك في أن كثيراً من الشباب اللبناني يسعى الى الهجرة ويفتش عن فرص عمل في الخارج لتأمين مستقبله، ولكن هناك من لا يستطيع ذلك ومن هنا لا بد من السعي الى البناء في بلده لا الاستسلام للواقع المر.

ينطوي العام 2022 وسط جمود سياسي وأزمة معيشية لم يشهد لبنان لها مثيلاً في تاريخه، والدولار في تصاعد وتقلبات والبلد ينحدر الى الهاوية، والأمل اليوم قد يكون في تغييرات تحدث في الخارج وترتد إيجاباً على الواقع اللبناني، لكن بالطبع السنة الجديدة لن تكون سنة الخروج من جهنم اذا ما حصلت تسوية أعادت إحياء الطبقة الحالية مع “رتوش” بسيطة لا تفلح في إخفاء العيوب، ولأن الأزمات التي ولدت في “العهد القوي” تحتاج الى سنوات طوال لمعالجتها وربما لن تكون شافية.

شارك المقال