“الأمن الذاتي” مرفوض في طرابلس… وحماية المدينة مسؤولية الدولة

لبنان الكبير

عندما تغيب الدولة وتُقصّر في مهامها، يتاح للمواطنين القيام بما يشاؤون، لأن البلاد تنتقل تلقائياً من شريعة القانون إلى شريعة الغاب. العروس طرابلس، يُنظر اليها دائماً على أنها الضلع القاصر، لا يمكنها اتخاذ أي قرار من دون أن يمر على جميع الجهات، فقرارها ليس بيدها. نراها غائبة عن خريطة الانماء المتوازن وعن خريطة الدولة اللبنانية ككلّ، ولطالما اعتبر المواطن الطرابلسي مواطناً درجة ثانية، والأمر غير مبرر. وفي ظل الأحداث الخطيرة والمتسارعة التي تشهدها طرابلس من محاولات قتل وسلب وسرقات “طالعة نازلة”، قرر “حراس المدينة” القيام بمبادرة مُنسقة ومنظمة للحد من هذه الظاهرة المنتشرة بنسبة كبيرة جداً في المدينة في ظل غياب خطة أمنية جدّية لمعالجتها.

و”حراس المدينة” هم مجموعة من شباب طرابلس الغيّورين على مدينتهم، ومنظمين منذ ما قبل انتفاضة ١٧ تشرين، بحيث وقفوا كالسد المنيع أمام كل الشاحنات التي كانت قادمة لافراغ نفاياتها في هذه المدينة، وأبعدوا المندسين قدر المستطاع من ساحة النور أيام الانتفاضة، ويحاولون دائماً مساعدة أهالي المدينة، حتى أنهم اقترحوا مبادرة أسموها “الأمن التكاملي” وهي مرادفة للأمن الذاتي، ولكن حرصاً منهم على عدم الغاء دور القوى الأمنية، حرصوا على أن تكون المبادرة بالتنسيق معها وتحت سقف الدولة، والمهم مصلحة طرابلس وأهلها. ولكن على الرغم من ذلك، أوقفت المبادرة التي كانت ستُطبق في الأيام الماضية، بعدما جاء القرار وحُسم فوراً.

في الاطار نفسه، زار وفد من تكتّل “الاعتدال الوطني” ضم النواب وليد البعريني، أحمد الخير وعبدالعزيز الصمد، وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عارضاً للوضع الأمني في الشمال في ضوء الأحداث التي تسجل يومياً والخشية من إزدياد الفلتان الأمني. وطالب الوفد بأن تبادر الأجهزة الأمنية الى تنفيذ خطة أمنية حاسمة ومشددة لضبط السلاح المتفلت وتوقيف أي مخلّ بالأمن وتطبيق القوانين بحزم منعاً لانعكاس الانهيار الاقتصادي على الوضع الأمني، مشدداً على دعم المؤسسات الأمنية والعسكرية، ورافضاً في الوقت عينه أي ظاهرة من ظواهر الأمن الذاتي.

وأشار مصدر مطلع على أحداث طرابلس عبر موقع “لبنان الكبير” الى أن “الأمن الذاتي بدأ في الضاحية الجنوبية، وانتقل إلى الأشرفية، ولكنه توقف في طرابلس لماذا؟ فالفكرة هي للحد من نسبة السرقة غير المحتملة في المدينة فقط، وكانت المهمة بالتنسيق مع القوى الأمنية، والخطة موجودة، ومن دون حمل أي سلاح أبيض، ولكن فجأة طلب فرع المعلومات في الشمال من (حراس المدينة) التوقف بصورة فورية عن هذه الخطوة. واللافت للنظر أنه منذ مدة ليست بعيدة كانت هناك مجموعة أطلقت على نفسها إسم (حراس الأشرفية) بدأت بالأمن الذاتي في تلك المنطقة، و(جنود الرب) جزء منها، وهذه المبادرة انطلق بها تجار المنطقة بالتعاون مع جمعية تعود الى النائب نديم الجميل وأنطوان الصحناوي، وأشخاص آخرين معروفين في الأشرفية ولم يجرؤ أحد على إيقافهم. وطرابلس التي تعتبر نسبة السرقة فيها الأعلى في لبنان بأمس الحاجة الى مثل هذه المبادرات، من دون أمر غير شرعي كما في الضاحية، ولا أمن ذاتي مُسلح كما في الأشرفية، بل مبادرة مُنسقة مع القوى الأمنية”.

وأكد مصدر طرابلسي خاص أن “تجربة (حراس المدينة) ناجحة جداً منذ بدايتها، أي عندما كانت هناك نيات لتحويل طرابلس إلى مزبلة للشمال اللبناني، من نفايات عضوية، وفكرية… سيّر (حراس المدينة) دوريات على جميع المداخل ومنعوا أي شحن غريب من الدخول وخصوصاً ما يحمل نفايات، حتى أنهم أوقفوا شاحنات تأتي من أقضية أخرى لرمي نفاياتها في المنطقة”.

أضاف: “في أيام الانتفاضة، أثبتوا أنفسهم على الأرض، واستطاعوا ضبط الساحة وإخراج المشاغبين والمندسين، وبالتالي هم عبارة عن تجربة ناجحة من نسيج هذه المدينة، واليوم أرادوا أن يقوموا بتجربة (الأمن التكاملي) كما أسماها مطلقها محمود شوك، والمقصود بها أن يتساعدوا مع الدولة في حال حصل أي أمر مفاجئ أو غريب ليقوموا بإبلاغها، بمرافقة شرطة البلدية، وأفراد من القوى الأمنية، ولكن يبدو أنه ممنوع على طرابلس أن تكون آمنة، وربما لو أطلقوا على أنفسهم (جنود الرب) أو (سرايا المقاومة) أو (حزب الله) لكانت الأمور مُيّسرة، ولكن اسم (حراس المدينة) المقصود بها طرابلس غير ملائم، لأنهم يريدونها أن تبقى فالتة وغير منضبطة”.

وقال المصدر: “معروف عن محمود شوك أنه ليس من النوع الذي يتراجع بسهولة وبسرعة، يعني أن ما حصل ضغط كبير جداً، وقوى الأمن في طرابلس منعت هذه التجربة وذلك في الليلة نفسها التي كانت ستبدأ على أرض الواقع، بالترهيب أو بالترغيب لا فرق، فالنتيجة واحدة. من ناحية أخرى، هولاء الأشخاص كان عملهم هو المراقبة من دون سلاح للإمساك بالزعران، وبالتالي هذا أساساً يشكل خطراً عليهم، وعلى الرغم من ذلك كان هناك إصرار كبير على حماية المدينة، ولكن جاءت الأوامر بأن تبقى طرابلس وكر المشكلات والارهاب الحقيقي الذي يرهب الناس بسرقاته وسلاحه”.

واعتبر أن “من سخرية القدر أنه عندما جاء وزير الداخلية وقال انه سيطبق خطة أمنية في المنطقة، أرسل له أبناء طرابلس هدية في اليوم نفسه عن حصول خمس عمليات سرقة، فما هذه الخطة الأمنية العظيمة؟ أما رئيس الحكومة الطرابلسي، فلا يستطيع حتى فرض الأمن في منطقته، وإنارة الطرقات! ما هذا الحقد على طرابلس؟ والمشكلة أننا لم نلمس من نواب طرابلس وقوفهم إلى جانبنا ووضع حراسهم على الأرض لحمايتنا”.

وروى الاعلامي والناشط بلال مواس، إبن مدينة طرابلس ما حصل مع ولده: “كان إبني مصطفى موجوداً في المحل التجاري الذي نملكه، وبإنتظار علبة دواء يحتاج اليها جده ستصله من أحد الاشخاص القادمين من تركيا. حوالي الساعة ١٢:٢٠ ليلاً، كانت الكهرباء مقطوعة بصورة كُلية، وانطلق إبني إلى بيت جده من طلعة المنار، الطريق الذي يعتبر رئيساً لمنطقة أبي سمراء، وهو ممر لأطباء مستشفى الشفاء أيضاً، فجأة سمع صوت دراجة نارية وراءه لكنه لم يكترث، حتى بدأ شبان بمناداته ليتوقف. فأوهمهم إبني بأنه توقف، وعندما توقفوا بدورهم انطلق بسرعة، وعندها بدأوا بإطلاق النار، فأصابت رصاصة دراجته النارية، وأخرى رجله، وعلى الرغم من ألمه أكمل طريقه مسرعاً إلى المستشفى وبعدها إتصل بنا”.

واعتبر أن “ما حصل محاولة قتل، ونحن لسنا كما يقال نعيش في غابة، لأن في الغابة القوي والمفترس يأكل الضعيف ليعيش ويُكمل حياته ويغذي أولاده، بينما في لبنان نقتل بعضنا البعض من أجل الحشيشة، والمخدرات، وغيرها، والفقير فعلياً لا يمكن أن يتصرف بهذا السلوك، وعندما يجوع إلى حد لا يوصف ويحاول السرقة، ويفشل يقوم بالتجربة مع أشخاص مختلفين وفي مكان مختلف، لكنه لا يقتل، عدا عن ذلك الفقير الذي يريد أن يأكل يبيع أثاث منزله وكل ما يملك، ولكن ما يحصل في منطقتنا، أن عصابات تتفق مع بعضها البعض للقيام بأفعال خبيثة كهذه”.

أما بالنسبة الى الدولة، فقال مواس: “كنا نأمل لو أن هناك دولة أساساً، اذ لا يمكن أن نستفيد منها بشيء، حتى أنني لم أذهب إلى المخفر، ولم أتقدم بشكوى لأن وضع إبني كان أهم من الذهاب والانتظار هناك… ولكن بكل صراحة لست بإنتظار أي شيء من بقايا دولتنا، لأنها لو أرادت وقف هذه الأفعال لأمكنها رصد هذه العصابات المعروفة في أماكن تواجدها، وأقله يمكنها إضاءة بعض الطرق الأساسية في طرابلس للحد نوعاً ما من هذه العمليات”.

شارك المقال