السعودية – ايران… التعايش الصعب!

أنطوني جعجع
السعودية وايران

هل هناك ما يجمع بين السعودية وايران أكثر مما يفرق الآن أو ما يمكن أن يفرق غداً؟

الواقع الجيوسياسي على الأرض لا يبدي الكثير من التفاؤل، والصراع على الزعامة الاسلامية في المنطقة والعالم لا يحمل الكثير من التنازلات أو المهادنات، والتباين المذهبي المزمن يتأرجح بين الصعود والهبوط، والتنافس الاقتصادي والاستراتيحي  بين البلدين لا يسمح بالتقاط الأنفاس في عالم لا يرحم، والتوزيع المذهبي في المنطقة العربية لا يشهد منذ سقوط الشاه أي تعايش سلمي حقيقي أو أي شراكة طبيعية.

انها المقارنة بين عالم أعاد عقارب الساعة الى الوراء مئات الأعوام، وعالم يخرج من التحفظ الصارم الى انفتاح مدروس على العالم قد يستمر مئات الأعوام…

انها أيضاً المقارنة بين ايران التي تتوغل في العالم الاسلامي عبر تنظيمات عقائدية مسلحة، وعالم يتوغل فيه عبر مسارين: مسار  الاقتصاد والحركات السياسية، ومسار العلاقات الدولية التي يكون فيها اما شريكاً واما متفهماً واما محايداً.

وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم والمتشابك، لا بد من السؤال: على ماذا يراهن المتفائلون غداة الكلام عن اتصالات سعودية – ايرانية بدأت على هامش قمة عمان، وتواصلت على تقطع هنا وهناك وسط ترحيب علني في طهران وتحفظ واضح في الرياض؟

هل يراهن هؤلاء على انسحاب عسكري ايراني من اليمن الذي تحول الى منصة صواريخ تستهدف السعودية والامارات، وأغرق الخليج في حرب استنزاف لا أفق لها ولا غالب ولا مغلوب؟

هل يراهنون على انسحاب ايراني من التركيبة الديموغرافية الحساسة في البحرين المجاورة أو الامتناع عن تحريك العصب الشيعي في المنطقة الشرقية السعودية؟

هل يراهنون على سحب أيديهم من العراق المجاور الذي تحول الى ما يشبه “كربلاء” جديدة أو ما يشبه حرب السنوات الثماني بين بغداد وطهران، أي الحرب السنية – الشيعية غير المباشرة أو الحرب العربية – الفارسية المباشرة؟

وهل يراهنون أيضاً على ملاحة آمنة في مياه الخليج لا تتعرض فيها سفن وناقلات خليجية لأي هجمات أو مصادرات، أو على أي انسحاب من سوريا التي تشهد حملة تشيع واسعة على حساب ملايين السنة الموزعين في دول الجوار في اقامةٍ تبدو متفجرة في أسوأ الأحوال وملتبسة في أفضل الأحوال؟

وأكثر من ذلك هل تتدخل ايران لتخفيف قبضة “حزب الله” على كل شيء تقريباً في لبنان وسحب خبرائه ومقاتليه من النقاط الساخنة في اليمن والعراق وسوريا والنقاط شبه الباردة في المغرب ومصر والباردة في الكويت والأردن؟

لكن السؤال الأهم، هل تتخلى ايران عن برنامجها النووي الذي يقترب من انتاج قنبلة نووية تقض مضاجع العرب والعالم من دون أي استثناءات، وتدفع دول الجوار نحو سباق نووي نعرف ماذا يَصنع ولا نعرف أين ينفجر؟

وقد يسأل سائل: وماذا عن السعودية ألا تملك ما يزعج ايران ونظامها واقتصادها وأمنها؟

والجواب لا يحتاج الى الكثير من التمحص والتحريات، اذ أن السعودية لم تتوان عن القيام بأي تحرك للحد من انتشار “الثورة الاسلامية” ولا سيما المسلحة منها، في العالمين العربي والاسلامي، وتهديد الأنظمة المعتدلة التي تشكل مع المملكة الوجه الآخر للاسلام السياسي القائم على الانفتاح من جهة والرافض من جهة أخرى لأي ذوبان أو استسلام لأي عالم لا يأخذ القوة الاسلامية العربية ومصالحها في الحسبان، وهو ما برز أخيراً في الفتور الذي أصاب العلاقات السعودية – الأميركية والحرارة التي أصابت العلاقات السعودية – الصينية.

وليس سراً أن السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين وتشكل القوة السنية الأغنى والأكثر نفوذاً على المستوى الديني، لن تقف مكتوفة أمام احتمال سقوط أنظمة مجاورة أمام الهجمة الايرانية مثل العراق واليمن والبحرين، ولا سقوط أقليات أو أكثريات سنية مثل سوريا ولبنان والعراق،  ولا سقوط قيادات سنية صديقة مثل الرئيس رفيق الحريري، أو اتفافات مثل اتفاق الطائف، ولا تعاظم منظمات أصولية سواء في الجوار أو في دول فاعلة مثل “داعش” أو “النصرة” أو “القاعدة” لا سيما بعد تمكن الأخيرة من تجنيد عناصر سعودية لتنفيذ عملية “الحادي عشر من أيلول”.

وليس سراً أيضاً أن القيادات الجديدة في الرياض والخليج انتقلت من مرحلة التشدد الديني الذي كاد يراكم موجة عكسية مضادة، الى مرحلة انفتاح متزن يوازي بين الحرية والتقاليد، خلافاً للنظام الايراني الذي يتمسك بثورة غير قابلة لأي استلحاق أو تعديل أو تطوير، ويقود البلاد الى عزلة خانقة والشعب الى ثورة دامية.

وبعيداً من المقارنات، نعود الى السؤال الأول، على ماذا يمكن أن يتفق الايرانيون والسعوديون في جولات الحوار الحالية أو اللاحقة؟

يقول مراقبون يتابعون ما يجري بين الطرفين، ان ايران تريد من هذه المفاوضات كسب الوقت في ظرف محلي واقليمي خانق، وان السعودية تريد منها إبعاد الشرور عن أراضيها أولاً والخليج ثانياً والعالم العربي ثالثاً من خلال تفاهمات لا تقزم طهران ولا تعملق الخليج.

والسؤال: هل هذا ممكن؟

الجواب سيكون على الأرجح في لبنان العالق في فراغ حكم شبه شامل، فهل تصر ايران على مرشح آخر يكون نسخة عن ميشال عون وطعنة في علاقات لبنان مع العالم العربي؟ وهل تصر السعودية على رئيس سيادي يعيد البلاد الى حاضنتها العربية ويقدم الجيش على “حزب الله”؟ وهل يتفق الطرفان على رئيس توافقي لا يكون دمية هنا أو متمرداً هناك؟

الواقع حتى الآن أن الرئيس الممانع غير ممكن ولا السيادي أيضاً، اضافة الى أن التوافقي لن يستطيع طمر رأسه في الرمال ست سنوات، خصوصاً أن المنطقة مقبلة على تطورات تحتاج الى رجال قرارات لا رجال نعامات.

في الاختصار، انه حوار الشكل لا المضمون، والحوار الذي لا يسمح لايران بالتنازل عن أي شيء لا ينسجم مع الاستراتيجية الممانعة أو مع التفاهمات القائمة مع روسيا، ولا يمنح الرياض قرار الحسم في مواضيع استراتيجية حساسة من دون تفاهم وتنسيق مع المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة التي تبقى قبل كل شيء القوة التي يمكن التضارب مع  سياساتها لكن لا يمكن الاستغناء عن سلاحها.

شارك المقال