لقاءات بكركي… مساعٍ وطنية لانقاذ الجمهورية

هيام طوق
هيام طوق

شكلت الأعياد مناسبة للقاءات عدة بين البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وشخصيات من مختلف الطوائف والمذاهب جرت خلالها مناقشة الملف الرئاسي كموضوع أساس مع الزوار الذين توافدوا الى بكركي لتهنئة البطريرك بالأعياد، ومن بينهم رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، ووفد من “القوات اللبنانية” برئاسة النائب ستريدا جعجع، وشخصيات سنية، آخرها زيارة الرئيس فؤاد السنيورة كما كان لقاء مع الحزب “التقدمي الاشتراكي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط. ولفتت أمس زيارة وفد من “حزب الله” برئاسة رئيس المجلس السياسي السيد إبراهيم أمين السيد، لتهنئة الراعي بالأعياد، وأتت هذه الخطوة بعد لقاءات واتصالات حوارية استمرت لأكثر من ستة أشهر، اذ تشير المعلومات الى أنَّ الخطوة تأتي في الاتجاه الصحيح، متوقعةً أن تؤدي الى فتح باب الحوارات للخروج من الوضع الحالي.

وفيما اعتبر السيد أن “لا تباين مع الراعي إنما تبادل لوجهات النظر إنطلاقاً من الحرص على انتخاب الرئيس للقيام بواجباته تجاه لبنان”، لفتت المعلومات الى أن الهدف من هذه اللقاءات والمشاورات التي تحصل في بكركي منذ مدة، إيجاد قواسم مشتركة بين اللاعبين الأساسيين للخروج من مرحلة المراوحة في الاستحقاق الرئاسي، والبحث عن مسعى جدي تقوده بكركي في هذا الاطار خصوصاً أن كثيرين يطالبونها بالقيام بمثل هذه الخطوة في ظل التشرذم والاختلاف بين الأفرقاء، لكن التحرك هذه المرة لن يقتصر على لقاء الزعماء الموارنة انما يشمل الجميع، حتى أن هناك حديثاً عن ورقة سياسية، يتم التباحث فيها بين كل المكونات السياسية على أمل خرق جدار التعطيل. في وقت لا يكل البطريرك الراعي من المطالبة في عظاته بانتخاب “رئيس للدولة، نزيه، شجاع، مهاب ولا يهاب، جامع المكونات الوطنية، يعيد الأمور إلى نصابها، يضع جميع الأطراف تحت كنف الدولة، ويأخذ المبادرات على الصعيدين العربي والدولي ليعيد لبنان إلى مكانته التاريخية. لكن إنتخاب الرئيس لا يتم ببدعة الإتفاق المسبق عليه بل بالإقتراع المقترن بالتشاور والحوار”.

وأكدت مصادر بكركي في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “البطريرك لا يرتاح، ويعمل ليلاً نهاراً تسهيلاً لانتخاب رئيس للجمهورية، وأبواب بكركي مفتوحة أمام الجميع، وليس من عاداتها أن تقفلها في وجه أي جهة أو شخص”، موضحة أن “البطريركية المارونية لطالما لعبت دوراً على المستوى الوطني، ولا بد في ظل هذه الظروف الصعبة والتعقيد والتعطيل، أن تتكثف اللقاءات ويتم التشاور مع مختلف القوى السياسية، والبطريرك يحث الجميع على الاقتراع، ويشجعهم على اللعبة الديموقراطية، وانتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن ، مع العلم أن هناك من يقترح أمامه بعض الأسماء، لكنه يتحاشى دائماً الدخول في لعبة الأسماء”.

وأشارت المصادر الى أن “البطريرك يحاول ايجاد قاسم مشترك بين القوى السياسية، وتوظيفه في الاستحقاق الرئاسي”، مشددة على أن الراعي “لن يفصح إن كانت هناك خارطة طريق أو ورقة سياسية ما حتى لأقرب المقربين منه لأن هناك أموراً لا يجوز البوح بها وربما يؤدي ذلك الى افشالها. والبطريرك يقوم بما أمكن لتحقيق خرق في الاستحقاق الرئاسي، ولا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم في هذا الاطار، وعلينا الانتظار على أمل أن تنتج هذه المساعي ثماراً جيدة”.

وشدد مصدر مطلع على مسار التوجه البطريركي على أن “البطريركية المارونية تتحدث عن ثوابت انقاذ الجمهورية اللبنانية، واستعادة الدولة سيادتها، وتطبيق الدستور، وانفاذ مسار الاصلاحات، وعودة لبنان الى الشرعية العربية والشرعية الدولية. هذه الثوابت هي التي تؤسس لمسعى وطني وليس لمسعى سياسي على الطريقة التي يقوم بها أفرقاء المنظومة، وقد عبّر عنها البطريرك الراعي في عظته الأحد الماضي اذ كان واضحاً في رفضه بدعة الاتفاق على رئيس قبل انتخابه، وأعاد التصويب على عرقلة العدالة في تحقيق انفجار المرفأ”، مؤكداً أن “المسعى الأساس هو انقاذ الجمهورية، والمعبر عبر انتخاب رئيس للجمهورية حتماً، لكن ضمن معايير السيادي، الاصلاحي، الانقاذي، والذي يحمل برنامجاً متكاملاً لا على قاعدة التسوية السياسية الخبيثة بين أفرقاء المنظومة، وتحديداً الفريق الذي ينقض على مؤسسات الدولة ويستبيح السيادة. ولا تلغي الزيارة البروتوكولية البحتة الهوة الاستراتيجية الشاسعة بين رؤية البطريركية المارونية للبنان وما يقوم به حزب الله”.

وقال المصدر: “لطالما كانت البطريركية المارونية منفتحة على الحوار لحماية هوية لبنان وصيغته الحضارية في الحرية والتعددية والعيش معاً والعروبة، وهو الجسر بين الشرق والغرب وحياده عن الصراعات وتقديمه كنموذج للتعايش بين التعدديات، وتقديمه كرسالة سلام وحرية وأخوة”. واعتبر أن “الورقة السياسية هي ورقة وطنية أولاً واضحة المعالم تقوم على الحاجة الى تطبيق اتفاق الطائف بكامل مندرجاته بدءاً بنزع سلاح الميليشيات. ثانياً، انتقال لبنان الى دولة المواطنة. ثالثاً، تنفيذ اللامركزية الادارية الموسعة. رابعاً، انشاء مجلس الشيوخ، وخامساً، حياد لبنان عن الصراعات والمحاور. وبطبيعة الحال، هذا ينشئ حالة تعافٍ اقتصادي اجتماعي يفسح في المجال لتنفيذ الاصلاحات البنيوية والاصلاحات القطاعية. اما الكلام عن حوارات وأوراق ونقاشات، فهذا جزء من البروباغندا التي تقوم بها الغرف السود لمحاولة تصوير البطريركية المارونية أنها ذاهبة في اتجاه المساومة أو المقايضة أو التسوية التًرقيعية، وهذا ليس صحيحاً. الثوابت واضحة، والبطريركية المارونية تعمل بصمت وهدوء من أجل انقاذ لبنان الجمهورية وليس من أجل انتخاب رئيس للجمهورية فقط. بهذا المعنى بكركي تنظر الى موقع رئاسة الجمهورية ليس بمعناه المسيحي، انما بمعناه الوطني ليعيد لبنان الى ثوابته التاريخية واختباره كنموذج حضاري وكقضية عالمية يحتاجها العالم في التعددية والعيش معاً”.

شارك المقال