2023: التحديات نفسها والله يستر!

صلاح تقي الدين

مع بداية العام 2023 بقيت أعين اللبنانيين شاخصة إلى التحديات التي واجهتهم وواجهوها خلال عهد الرئيس السابق ميشال عون وبعد نهايته، ويتساءلون ما إذا كان العام الجديد سيحمل معه بشائر الحل الذي طال انتظاره لانتشالهم من جحيم جهنم؟ لا شيء يوحي بذلك طالما أن الارادة السياسية غير متوافرة، وطالما أن المسؤولين ينتظرون إشارات الخارج ليقدموا على تنفيذ البند الأول والأهم على طريق الخلاص وهو انتخاب رئيس للجمهورية.

استقبل العام الجديد أثقالاً تراكمت على لبنان واللبنانيين منذ سنوات طويلة غير أنها استفحلت وأصابت صميم حياتهم اليومية منذ العام 2019 حين انفجر غضب اللبنانيين فجأة نتيجة قرار اتخذه وزير الاتصالات السابق محمد شقير بفرض ضريبة من بضعة سنتات أميركية على خدمة “الواتساب” الهاتفية، كانت نتيجته أن استجاب رئيس الحكومة في حينها الرئيس سعد الحريري الى مطلب الشعب فقدّم استقالته على الرغم من أنه كان أعلن في اليوم التالي لـ”غضب الشعب” أنه سيقترح على الحكومة ورقة إصلاحات اقتصادية من 20 بنداً يأمل إقرارها بالاجماع قبل عرضها على الكتل النيابية المختلفة.

لكن العهد القوي ورئيسه ميشال عون ومنفّذ سياساته الصهر الميمون جبران باسيل أرادا تحويل الحريري إلى “كبش محرقة” فأحرجاه حتى أخرجاه، ونصّبا بقرار من “حزب الله” وفريق الثامن من آذار حسان دياب على رأس حكومة لتنفيذ أجندة كانت نتيجتها بدء اللبنانيين بسلوك الطريق إلى جهنم كما وعد عون.

كان القرار الهمايوني الذي اتخذته حكومة دياب بإعلان توقف لبنان عن دفع سندات اليوروبوند بمثابة إعلان إفلاسه أمام العالم، وقد أدى هذا القرار بما أدى إليه من نتائج كارثية الى أن انهارت قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار وارتفاع فاحش في أسعار المواد الغذائية وتقلّص الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية، زاد من حدتها الانفجار الهائل الذي أصاب مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 وأوقع أكثر من 200 ضحية لا يزال أهاليهم يجوبون الشوارع ويتظاهرون أمام منزل مسؤول من هنا وآخر من هناك سعياً وراء الحقيقة التي عطّلها ويعطّلها الفريق الأقوى على الساحة السياسية المبدع في إخراج فتاوى دستورية وقانونية لاعاقة عمل القضاء.

وبعد هزة انفجار المرفأ، “انهزّ بدن” حسان دياب فقدّم استقالة حكومته في العاشر من آب 2020، وأراد نواب الأمة إحداث صدمة إيجابية من خلال اختيار رئيس حكومة من خارج المنظومة السياسية التقليدية، فكان تكليف السفير مصطفى أديب في 31 آب 2020 بارقة أمل في أن تتغير الذهنية المتحكمة باللعبة السياسية، لكن شروط جبران باسيل ومن خلفه عمه الرئيس عون، لم تتغيّر ما دفع أديب إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة مبرراً ذلك بعدم تلبية شروطه و”تسييس” التشكيل من جهات لم يسمّها لكنها كانت واضحة وضوح الشمس ويقف وراءها باسيل نفسه، وجاءت بعدما كان عون قد بشّر اللبنانيين قبل أيام قليلة من اعتذار الرئيس المكلف بأن عدم تشكيل الحكومة سيكون سلوك طريق جهنم.

وفي 22 تشرين الأول وبعد استشارات نيابية ملزمة أعلن ميشال عون تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة تكون مهمتها إنقاذ لبنان اقتصادياً وفقاً للمبادرة الفرنسية التي كان قد اقترحها الرئيس ايمانويل ماكرون، لكن ما يفعله عون وباسيل غير ما يضمرانه فقد استمرا في وضع العراقيل والشروط المستحيلة أمام الحريري تسعة أشهر بالتمام والكمال، كانت مهلة كافية لمزيد من الانحدار الاقتصادي والاجتماعي ناهيك عن ارتفاع حدة الاحتقان السياسي بين الفريقين الحليفين سابقاً ما دفع الرئيس الحريري إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة وفضح المستور من خبث باسيل وعون وحقدهما تجاهه، وسياستهما التي أوصلت البلد إلى شفير الانحلال الكامل وتدمير مؤسساته عن بكرة أبيها.

وفي 15 تموز 2021، أعلن الحريري اعتذاره عن التشكيل بعد أن اجتمع مع عون 20 مرة رافضاً مراراً وتكراراً التشكيلات الحكومية التي يعرضها عليه الحريري، بسبب اعتراضه على بعض الأسماء. فهو مصرّ على أن لديه الحق في أن يكون له رأيٌ في عملية تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور أناط بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ولم يأت في أي من مواده على ذكر “حصة” للرئيس أو “صهره” وهو ما كان عون قد رفض منحه للرئيس السابق ميشال سليمان خلال ولايته.

وفي 26 تموز 2021، كلّف عون الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة التي كان عليها مواجهة حدة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تلقي بظلالها على اللبنانيين مع ارتفاع سعر صرف الليرة أمام الدولار، ناهيك عن مهمة أخرى رئيسة كانت إجراء الانتخابات النيابية في العام 2022 وهي مطلب رئيس شدّد عليه المجتمع الدولي.

ونجح ميقاتي في تشكيل الحكومة ونجح أيضاً في إجراء الانتخابات النيابية غير أن حكومته فشلت في معالجة ذيول الأزمة الاقتصادية والاجتماعية واستمر الدولار في تحليقه نسبة إلى الليرة اللبنانية، وارتفعت معه تكاليف الحياة اليومية للمواطنين، وانهارت المؤسسات الحكومية بدءاً من القضاء الذي استمر الجزء المسيّس منه بالعمل وفقاً لتوجيهات العهد القوي، وحالات الفرار من المؤسسات العسكرية والأمنية نتيجة عدم قدرة أفرادها وضباطها على مواجهة أعباء ارتفاع كلفة المحروقات وصعوبة تأمين انتقالهم إلى مراكز أعمالهم.

واعتقد اللبنانيون أنه مع انتهاء كابوس العهد القوي سيبدأ زوال كابوس حياتهم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، غير أن ما يتمنونه يبدو لغاية اليوم صعب التحقيق، فالخلافات المارونية تحديداً، وعدم قدرة القيادات السياسية على التوافق على اسم رئيس الجمهورية العتيد تحول دون وضع لبنان على طريق الخلاص الموعود.

فجبران باسيل الذي فرضت عليه الادارة الأميركية عقوبات بتهم الفساد استناداً الى “قانون ماغنتسكي”، يرفض الاذعان لواقع أن إمكان وراثة عهد عمه ضرب من المستحيل، ويعارض وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون. رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع يرفض وصول باسيل وفرنجية، و”حزب الله” لا يريد رئيس تحد، وهو يعتبر أن مرشح “القوات” و”الكتائب” والحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب ميشال معوض هو مرشح تحد، ويدعو إلى التوافق علماً أنه يدعم سراً وعلناً ترشيح فرنجية إلى الموقع الماروني الأول.

لو اتفق الموارنة على اسم رئيس، لهان الأمر وأصبح بالامكان “فرضه” على شركائهم في الوطن، لكن اتفاقهم صعب وهو كما كان في العام 2022، وسيزول على الأرجح في العام 2023.

الوضع الاقتصادي ينذر بانفجار اجتماعي، وكما لم تنجح الجهود في لجم سعر الدولار في الأعوام الماضية، لا يبدو أن في الأفق ما يشير إلى إمكان لجمه في 2023 إلا إذا…

العام 2023 حلّ وفي أيامه الأولى تبدو تباشير الحل بعيدة المنال، وبعض المراقبين يأمل أن لا يرحّل الاستحقاق الأهم إلى أجل بعيد وأن يصار إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب وقت ممكن لأنه بخلاف ذلك، فالاحتمالات مفتوحة وكلها خطيرة وتنذر ليس بزوال الدولة فحسب، بل بزوال الكيان أيضاً. والله يستر!

شارك المقال