الفراغ الرئاسي بين تفاؤل العرّافين وواقعية التسويات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا يزال الفراغ يسيطر على المشهد اللبناني، بعدما أصبح مرتبطاً بالتسويات الخارجية لإنضاج حل سياسي، وهذه التسويات تتعلق في الدرجة الأولى بالفريق المرتبط بالمحور الإيراني – السوري وبالفريق الآخر الطامح الى حالة تكافؤ تخوله إيصال رئيس جديد، كي لا يكرر تجربة التسوية مع العهد السابق التي وضعت لبنان في سلة “حزب الله” وحوّلته إلى صندوق بريد لإيران، مما لجم حماسة الدول العربية لمساعدة لبنان بعد الاساءات التي تعرضت لها من فريق الحزب المهيمن على قرارات الدولة ومواقفها منذ العام 2016، ولاحقاً لم يستطع لبنان لملمة جراحه والوقوف على قدميه لأن العرب ابتعدوا عنه بعد تحوله الى ساحة صراع ضدهم بحكم تبعيته للأجندة الايرانية وحماية “حزب الله” لسلطة النهب والفساد.

بحسب مصادر سياسية، فان “المشكلة في الداخل اللبناني تعود الى تركيبة البرلمان الحالية، بحيث لم يستطع أي فريق في دورة الانتخابات الأخيرة أن يحصل على أكثرية نيابية تخوله ايصال رئيس وفقاً لتوازن القوى الداخلية، لذلك فشل النواب في الجلسات العشر للمجلس في انتخاب رئيس، واتضح أن الفرقاء اللبنانيين غير قادرين على انتاج تسوية داخلية كاملة لحل المشكلة. ثم ان المشكلة ليست في انتخاب رئيس جمهورية وحسب، بل في وجود طرف يريد إستخدام لبنان وجره وربطه بالأجندة الإيرانية ووضعه في خدمة الصراع الخارجي حول برنامج النووي ومع الولايات المتحدة الأميركية، عبر زعزعة أمن كيانات دول عربية. أما الفريق الاَخر فهو يريد إعادة لبنان إلى محوره العربي لأنه يشكل شريان حياة بالنسبة اليه وكونه خياراً طبيعياً”.

وترى المصادر أن “ترشيح ميشال معوض جاء من المعارضة ومحاولة تقديمه مرشحاً غير مستفز، وكان حزب الله وعد سليمان فرنجية صديق بشار الأسد، وخاف من إعلان ترشيحه، وكان بالإمكان الذهاب الى الانتخاب في المجلس بين هذين المرشحين المتنافسين وحصول اللعبة البرلمانية الديموقراطية الحقيقية وفقاً للدستور لكن تبين أن الحزب لا يريد ذلك، ويهدف إلى الاتيان بجميع الأطراف اليه (لحماية مقاومته) كما يدعي علماً أنه ليس هناك ما يسمى مقاومة، وإنما حزب الله ومصالحه. ومن جهته سعى الطرف الأميركي إلى رئيس في لبنان يتحدث الى حزب الله، وينفذ مصالحه المرتبطة بأجندته في لبنان، لأن الطرف الجمهوري الذي يقود السلطة اليوم، له ارتباطات عضوية مباشرة بالنظام الايراني، ويريد التوصل إلى اتفاق جديد حول النووي الايراني، ولكن على ما يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن تحديداً محرج في هذا الموضوع اليوم نتيجة دعم ايران لروسيا عبر المسيرات الايرانية التي تضرب العمق الأوكراني وتهدد الأمن القومي الأوروبي، وهو ما جعل بايدن يتراجع. ثم ان ما يهم إيران حالياً هو السكوت عن قمعها الانتفاضة الشعبية في الداخل، وبالتالي تم تحريك حزب الله بحيث انتقل من (النية الحسنة) بإنجاح وتمرير ترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان، إلى التهديد باطلاق الرصاص على دورية اليونيفيل في العاقبية، وهذا مؤشر على أنه ينفذ أجندة ايران في لبنان. الموضوع كورقة للمساومة في سوق المفاوضات ومن الواضح أن أي تسهيلات تحصل بالنسبة الى ملء الفراغ الرئاسي والحكومي وغيرهما تمر في طهران عبر حارة حريك”.

يعلم “حزب الله” أن حظوظ سليمان فرنجية ليست كبيرة ولكن لا يزال متمسكاً به ويحاول فرضه على المربع القطري – السعودي – الفرنسي – الأميركي بقوة الفوضى الداخلية والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية، فحالة السكوت المخيفة التي يعتمدها بانتظار المباركة الدولية لخياراته وانتزاع الموافقة على مرشحه، تعود بحسب هذه المصادر الى كونه “يعرف أن الداخل غير قادر على فرض رئيس من دون موافقته. والمجتمع الدولي يرى أنه لا بد من توافق يرضي الولايات المتحدة في ايجاد رئيس يتحدث مع حزب الله ومسايرة السياسة الماكرونية التي تعتبره مكوناً لبنانياً ولا يمكن ايجاد تسوية من دون اشراكه وهي غازلته بصورة واضحة، أما السعودية فهي لا تريد الدخول في أي تسوية داخلية لبنانية، حتى لا يحسب عليها أنها مسؤولة عن القبول بشخصية مقربة من حزب الله وباركتها، وهو موقف أبلغ الى قطر التي فوضت إدارة ملف الرئاسة اللبنانية، وهنا المشكلة بدأت تتعقد مع سيطرة حالة الجمود على ملف الشغور القائم والفوضى في ادارة المعركة الرئاسية”.

وتلفت المصادر الى عقبة ترويج فرنجية في المحور الأوروبي كونه مرشح “حزب الله” وهو لم يعط أي دلائل، وسكوته المبهم بحيث لا توجد حركة سياسية منه للتقارب مع الأطراف اللبنانية، وربما تظهر اتصالات خجولة مع الأطراف من فرنجية، لكن مشكلة “حزب الله” في فرضه تعود الى كونه لا يملك كتلة نيابية مسيحية وليس له غطاء مسيحي، وهذا ما حاول جبران باسيل ابرازه معتبراً الأمر غير ميثاقي، وهنا برزت عقبة جديدة أمام “حزب الله” في تغطية فرنجية، وبالتالي أصبح من الصعب ترويجه داخلياً قبل الخارج. اما بالنسبة الى قائد الجيش العماد جوزيف عون فقد تكون لديه تغطية دولية ويستطيع التكلم مع “حزب الله” وقد شاهدنا أنه خلال القيام بمهامه في قيادة الجيش لم تكن هناك احتكاكات فعلية بينه وبين الحزب، وكان يمارس دوراً مستقلاً ويحاول حماية المؤسسة العسكرية ويبني خطوطاً مع الخارج على قاعدة أن هذه المؤسسة قوية، ولكن هناك كثيرون لا يريدون تعويم قائد الجيش لوجود مشكلة قانونية بالأساس في ترشحه يجب معالجتها وهي تقضي باستقالة قائد الجيش حتى يتقدم بترشحه للرئاسة”.

أما عن جبران باسيل الذي لا يوافق على فرنجية ولا عون ويطالب بأن يكون هناك مرشح توافقي بينه وبين الكنيسة المارونية، وهي مشكلة يعمل “حزب الله” على حلها، فتشير المصادر الى أن “باسيل الحليف المقرب لحزب الله يدوزن الحرب الباردة والمستترة بينهما التي تنفجر من حين الى آخر ولكن يجري تدويرها، فباسيل يريد القول للآخرين بأن الرئاسة للموارنة وحارة حريك بحاجتنا لكي تغطي الشغور الرئاسي. وهو بعدما فشل في قطر وفرنسا في الترويج لنفسه أراد لعب دور صانع الرؤساء وسوّق لنفسه من أجل الحصول على حوافز وتعويم دوره كزعيم ماروني في الحقبة المقبلة، وهذا ما قام به عمه من قبل عندما قال للموارنة هناك بطريرك روحي ممثل بالبطريركية المارونية، وهناك بطريرك سياسي ممثل بشخص الجنرال، ولكن البطريرك السياسي اليوم عاجز عن التوافق مع الأطراف اللبنانية كلها وهو في حرب مباشرة مع كل الناس، وعلى الرغم من اللقاءات التي يسعى اليها لم ينجح في التوصل الى نتائج على الرغم من اثارته للعصبية المسيحية للقول اما أنا الرئيس أو أكون صانعاً له”.

من الواضح أن الوضع الخارجي غير مؤهل للتوصل الى اتفاق لسد الفراغ في لبنان، قد تحصل محاولات لاعادة احياء جلسات الانتخاب ولكن كما يبدو فان الأحداث الخارجية والوضع السياسي يقول بأن الشغور الرئاسي سيطول ولا يزال الهم اللبناني في الثلاجة مع أن العرافين والمنجمين يقولون ان الفصل الأول من السنة سوف ينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية، ويعلقون بأن عون في السلطة ولكن التوافق الدولي غائب، ومع انعدام التوافق الدولي فإن أي رئيس لبناني سيكون ضعيفاً ولن تحل المشكلة، والرئيس الجديد سيكمل عهد جهنم ولن تستقيم الأمور اذا لم يجر التوافق على العديد من النقاط: قائد الجيش، حاكم مصرف لبنان، الحكومة، خطة انقاذية اقتصادية، تفعيل الاستثمارات وحل مشكلة المودعين مع المصارف، فالعملية ليست في انتخاب رئيس وحسب، وانما في خارطة طريق لاستنهاض لبنان واحتضانه من جديد دولياً وعربياً.

شارك المقال