لبنان 2023: نمو متواضع وبطالة مستمرة

هدى علاء الدين

لم تكد الدول تبلغ طور التعافي من تداعيات جائحة كورونا حتى نشبت الحرب في أوكرانيا، فأوقعت آثاراً عميقة في الاقتصاد العالمي ودفعت أسعار الطاقة والسلع الأساسية صعوداً وهددت الأمن الغذائي في أنحاء عدة من العالم. وعلى الرغم من عمق الأثر من دولة إلى أخرى نتيجة اختلاف تكوين البلد الاقتصادي، ومدى ارتباطه التجاري والمالي بالاتحاد الروسي وأوكرانيا، إلا أنه ملموس في الدول العربية، وهو إيجابي في بعضها وسلبي في بعضها الآخر. ففي حين استفادت دول في المنطقة من تزايد أسعار الطاقة، عانت دول أخرى من الأعباء الاضافية لهذه التكاليف، فضلاً عن تناقص الإمدادات الغذائية وانحسار قطاع السياحة وتدفق المساعدات الدولية.

بهذه الأسطر أوجزت منظمة “الإسكوا” مضمون تقريرها المحدّث والذي حمل عنوان “مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية”، وتوقعت فيه أن تُحقق الدول العربية المتوسطة الدخل نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6 في المئة خلال الفترة 2023 – 2024، لا سيما بعد إزالة قيود كوفيد-19 واستئناف المنطقة العربية النشاط الاقتصادي على النحو المعتاد قبل الجائحة، في الوقت الذي تتفاوض فيه ثلاثة بلدان متوسطة الدخل، هي تونس ولبنان ومصر، مع صندوق النقد الدولي بهدف استكمال وضع البرنامج الخاص بكل دولة.

التقرير الذي أشار إلى أن معظم الدول العربية المتوسطة الدخل تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية بما في ذلك المواد الغذائية، رأى أن لبنان لا يزال يواجه ظروفاً اقتصادية ومالية صعبة ومأزقاً سياسياً وارتفاعاً حاداً في الأسعار، وسيشهد نمواً متواضعاً وسط مخاوف بشأن الأمن الغذائي، في حين سيستمر في تسجيل أعلى معدل بطالة في المنطقة العربية نتيجة أزمته المالية والاقتصادية المديدة، على الرغم من التوقعات بانخفاضها في جميع أنحاء المنطقة العربية، نتيجة التحسن في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

أما لناحية معدلات التضخم، فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة ونقص المواد الغذائية الأساسية إلى زيادة التضخم في المنطقة العربية إلى 13.7 في المئة في العام 2022، قبل أن ينخفض إلى 7.8 في المئة في العام 2023، ثم إلى 4.5 في المئة في العام 2024. ومن المتوقع أن يصل التضخم إلى 10.9 في المئة في العام 2023، مدفوعاً بالدرجة الأولى بارتفاع معدلات التضخم في لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة، وانخفاض كبير في قيمة العملة، بحيث تشير التوقعات إلى معدل تضخم هائل بلغ حوالي 86.9 في المئة في العام 2022 قبل أن ينخفض إلى حوالي 13.7 في المائة في العام 2023.

من جهة أخرى، تٌشير التوقعات إلى حيز مالي أضيق للدول العربية المتوسطة الدخل، ولا سيما البلدان المستوردة للنفط التي ستعاني من ارتفاع أسعار الطاقة. ومن المتوقع أن يصل العجز المالي فيها إلى 8 في المئة من مجموع ناتجها المحلي الاجمالي، وستضطر البلدان التي تتاجر مع الاتحاد الروسي أو أوكرانيا إلى البحث عن أسواق جديدة بكلفة أعلى، ما قد يثقل على الأوضاع المالية لتلك الدول. وهذا يُعدّ مصدر قلق خصوصاً بالنسبة إلى الدول المستوردة للقمح والتي أبقت على دعمها الخبز، مثل تونس ولبنان ومصر والمغرب، بحيث ستتحمل بذلك أعباء إضافية. كذلك توقع التقرير أن تنخفض نسبة الدين في الدول العربية المتوسطة الدخل إلى الناتج المحلي الإجمالي من 79.1 في المئة في العام 2022 إلى 76.3 في المئة في العام 2024، نتيجة الانخفاض الكبير في قيمة الديون اللبنانية في أعقاب الانخفاض الهائل في قيمة العملة الوطنية، إذ من المتوقع أن تنخفض الديون الحكومية اللبنانية بالنسبة إلى الناتج المحلي من 89.9 في المئة في العام 2022 إلى 64.6 في المئة عام 2023 وإلى 61 في المئة في العام 2024.

وختمت “الإسكوا” تقريرها بالتأكيد على وجود قدر كبير من عدم اليقين يسود في العالم، الأمر الذي يُصعّب من مهمة استخلاص توقعات مجدية للعامين 2023 و2024 وما بعدهما، لافتة إلى أنه على الرغم من أنها لا تزال إيجابية إلى حد كبير للمنطقة العربية، إلا أن النمو فيها لن يتوزع بالتساوي. فالحرب في أوكرانيا تدفع نحو ارتفاع عالمي في أسعار الطاقة والمواد الغذائية والمواد الخام، ففي حين ستستفيد دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول العربية المصدرة للنفط من ارتفاع أسعار الطاقة، ستواجه معظم الدول العربية المتوسطة الدخل مصاعب جمّة في تمويل فواتير أعلى للاستيراد، بينما تعاني اقتصاداتها من تحديات هيكلية عميقة ومؤسسات ضعيفة، على أن تبقى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية هشة في الدول المتأثرة بالصراع وأقل الدول نمواً في المنطقة، بحيث سيتوقف انتعاشها على المصالحة السياسية في بعض الدول، وإنهاء الأعمال العدائية في دول أخرى، واستئناف المعونة والدعم الدوليين في معظم الدول.

وأشارت المنظمة إلى وجود فرصة لدى الدول العربية المصدّرة للنفط لمراكمة الاحتياطيات والاستثمار في مشاريع تُولد النمو والتنمية المستدامة وتساعد على تنويع اقتصاداتها، إذ يتعين على البلدان المستوردة للنفط، بما في ذلك الدول المتأثرة بالصراع، أن ترشد إنفاقها وأن تنخرط في إصلاحات هيكلية لبناء مناعة متينة لاقتصاداتها.

شارك المقال