علاقة باسيل بـ “حزب الله”: “أخاصمك آه… أسيبك لا”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ترى مصادر سياسية متابعة أن محاولات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إظهار نفسه مع الأطراف اللبنانية، بطلاً لتسويق نفسه رئيساً أو صانعاً للرؤساء كزعيم مسيحي له تأثير كبير على الأرض، هي عملياً لاخفاء حقيقة لا جدال فيها، أن تحركات الصهر ليست بعيدة عن تخطيط “حزب الله”، فلا يمكن برأيها لباسيل الخروج من عباءة الحزب الذي لا يعترف بأن له حلفاء بل أتباع ينفذون الأوامر.

من هنا تبدو صورة برودة العلاقات بين الحزب والتيار ظاهرية وغير مقنعة، فلا أحد منهما سيخرج من تفاهم مار مخايل، ولا يجرؤ باسيل على ذلك، فالمسموح له “البلعطة” فقط لخداع الرأي العام حتى تأتي الظروف المناسبة لفرض مرشح “حزب الله” والذي سيكون باسيل نفسه لأنه يؤمن للحزب ما أمّنه عمه الجنرال ميشال عون والرئيس إميل لحود حاميا “المقاومة والسلاح”.

كان لباسيل موجة انفتاحية على الفريق الآخر، فقام بزيارات لشخصيات سياسية لاستشفاف مواقفها، وإظهار نفسه وكأنه لا يوافق “حزب الله” في خياراته الرئاسية سواء بترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أو القبول بقائد الجيش جوزيف عون رئيساً، وحاول عبر البروباغاندا المشهور بها شد العصب المسيحي عبر الترويج لمقولة ان رئاسة بعبدا هي خيار للمسيحيين أولاً، ولا يمكن تمريرها بحوار أو غيره من دون الأخذ بوجهة نظر الفريق المسيحي الأكثر قوة، و”المباركة” بحسبه من البطريركية المارونية التي تسعى الى إنجاز الاستحقاق وسد الفراغ الرئاسي من دون أن تتراجع عن مواقفها بضرورة عقد مؤتمر دولي لحل أزمة لبنان وضمان حياده عن صراعات المنطقة وجعله أسير مصالح خارجية. 

صحيح أنه قد تكون هناك تباينات في موضوع الحكومة وعقد جلسات لها أو اجتماعات، لكن “كسر الجرة” خيار مستبعد بالطبع خصوصاً وأن في صورة باسيل خيار رئاسي أكيد بالنسبة الى “حزب الله” كونه “ألعوبة” تضمن له تنفيذ سياساته، فأقصى ما يريده باسيل من الرئاسة حفظ مصالحه وإزالة العقوبات عنه وتبرئته من تهم الفساد الغارق فيها حتى أذنيه، والحزب لا يهمه البلد ومصالحه وحياة مواطنيه بل جل ما يريده الحفاظ على سلاحه لتنفيذ سياسات حكم المرشد، وسبق أن عطل إنتخابات رئاسة الجمهورية سنتين كما عطل عمل حكومات وأوصل البلاد والعباد الى الهلاك وبنى دولته على ركام المؤسسات اللبنانية المنهارة.

مخطط “حزب الله” ومشروعه واضحان للجميع الا لدى قلة من القوى السياسية والشخصيات الانتهازية التي تريد “قحط الصحون”، ووقاحته في التعامل مع المكونات اللبنانية الأخرى من هجوم 7 أيار الى الاغتيالات واعاقة التحقيقات فيها وفي تفجير مرفأ بيروت وتهريب المجرمين وتصنيع الكبتاغون الى الاعتداء على القوات الدولية وعلى أراضي المسيحيين والكنيسة، كلها مؤشرات على أنه لا يسمح لأحد بالخروج من تحت مظلته من الحلفاء. وقبل باسيل هناك تجربة الرئيس نبيه بري وحركة “أمل” عبر تحالف الثنائي، فهو يوزع الأدوار وما يسمح له لبري بالتحرك داخلياً في مواقف ومبادرات ليس بعيداً عن تخطيطه، اما خارجياً فالقرار له وليس مسموحاً لبري التطلع الى بناء علاقات أو اعلان مواقف مناقضة لتوجهاته ولو بنسبة قليلة ومن باب حفظ ماء الوجه.

سلوكيات “حزب الله” مع معارضي سياساته تخيف اللبنانيين، فهو اعتمد القتل والاغتيالات سلاحاً ومن هنا لا يجرؤ حلفاؤه “المقربون” أو “الأبعدون” بالأحرى على الخروج عن طاعته، وباسيل واحد منهم مهما صرح وتبختر فهو “اندر كونترول”، وقراراته منبعها الضاحية لأنه مرتبط بالحزب وتحركاته تجري تحت مظلته، مهما حاول الحزب التملص تكتيكياً من وصف التبعية، وباسيل يدرك جيداً أنه مرتبط به بحكم إتفاق موقع، أحياناً قد يلجأ “حزب الله” الى “رخي الحبل” المشدود به جبران قليلاً، لكنه يعود ليشده من جديد وبالطبع لا يملك باسيل الجرأة على قطع الوصل، وإن تحدث عن إعجابه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو دعا الى تعديل ورقة التفاهم مع “حزب الله”، فهذا الكلام لا يأخذه الأخير على محمل الجد، فليس باستطاعة باسيل أن يغادر تحالفه، وليس مسموحاً لمن بنى علاقات واقتات من “حزب الله” أن يخرج من وصايته، لذلك فان كل تحركات باسيل وتصريحاته واجتماعاته يشرف عليها الحزب وهو يعود الى باب الطاعة مهما أرغى وأزبد.

“حزب الله” لا يهمه الوضع الداخلي في لبنان ولا يعني له العيش في جهنم شيئاً، وما يعنيه هو الحفاظ على استراتيجيته والعمل لتحقيقها ويهمه الابقاء على علاقته مع جبران وعمه لسبب واحد هو تأمين الغطاء المسيحي لسلاحه، حتى ينفذ سياسات ايران. وكل الحلفاء من غير المسموح لهم التدخل في قرارات خوض الحروب خارج لبنان وسلاح “حزب الله” والعلاقات مع دول الخارج ورسم استراتيجيات، بل مسموح لهم فقط اللعب الداخلي بتوزيع الحصص والمناكفات السياسية والاستمرار بالفساد والافساد واللهو بأمور لا تضر ولا تفيد وعملاً بالأغنية الشائعة “أخاصمك آه… أسيبك لا”.

وفقاً لذلك، تشدد مصادر سياسية على أن باسيل لو أراد الخروج فعلياً من هذا التحالف فيجب أن يعلن صراحة أن “حزب الله” مجرد وصي ايراني على لبنان، وسلاحه ليس سلاح مقاومة كما يدعي، وهو حزب غير لبناني بل يعمل في لبنان بأوامر خارجية مما يضع البلد ووجوده في دائرة الخطر، ولكن هذه المواقف بعيدة عنه وعن عمه الذي علق عندما استهدف “حزب الله” طائرة الطيار وسام حنا: ماذا كان يفعل هناك؟. وعندما احتل أصحاب القمصان السود بيروت اعتبر أن ما حصل ضربة كف غير كافية.

وتلفت الى أن “معظم الذين خاصموا باسيل وخرجوا من التيار الوطني الحر على مدى سنوات لم يجرؤوا على الحديث عن سلاح حزب الله وعن خطفه الطائفة الشيعية وعن الاغتيالات وغيرها”.

“حزب الله” يعتبر أن لا أحزاب ولا حلفاء له بل كل من يدور في فلكه تابع ووديعة يملكها، يبيعها ويشتريها كما يحلو له، و”التيار الوطني الحر” واحد من هؤلاء، اذ أنه لا يشكل حزباً له سياسة وطنية واضحة، فهو جمع في صفوفه عبدة شخصية الجنرال ميشال عون والانتهازيين والوصوليين الذين أرادوا الافادة من مواقع السلطة، وهؤلاء قد ينفكون عنه بمجرد تراجع شعبية التيار وضعف مواقعه في السلطة السياسية لأنهم يعملون وفقاً لتأمين أعمالهم وبالطبع يذهبون الى قوى أخرى لحفظ مصالحهم.

ولا تجد المصادر حلاً لهذا الواقع المزري في لبنان سوى في تنفيذ القرارات الدولية لا سيما تلك التي تضمن أمن الحدود مع سوريا من التهريب وتوسيع صلاحيات القوات الدولية ووضع لبنان في عهدة الأمم المتحدة بإعلانه دولة فاشلة.

شارك المقال