الرئاسة اللبنانية… هذا ما تريده أميركا!

أنطوني جعجع

من ينتظر كلمة سر من أميركا في موضوع الرئاسة اللبنانية فما عليه الا التمحص في البيان الذي أصدره البيت الأبيض في ما يتعلق بالموقف من الرئيس السوري بشار الأسد وفي توقيت صدوره.

البيان الذي تزامن مع وجود وزير الخارجية الاماراتية عبدالله بن زايد في دمشق، وغداة لقاءات سورية – تركية، حذر الوافدين الى سوريا أو المنفتحين عليها من أي تطبيع مع الأسد، ملقياً الضوء على سجله الدموي في موضوع حقوق الانسان والتسهيلات التي يقدمها الى الترسانة العسكرية التابعة لايران و”حزب الله” في بلاده.

وقد يقول قائل ان هذا الموقف لا يحمل أي جديد وهذا صحيح، لكن الجديد فيه يكمن في التوقيت اللافت الذي يطاول أكثر من عامل اقليمي ودولي ويعرج على لبنان والأزمة الرئاسية التي يعانيها منذ أشهر.

لا شك في أن البيان الأميركي وضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، “فيتو” على أي مرشح لبناني متحالف مع نظام الأسد وفي مقدمهم سليمان فرنجية، أو أي مرشح يحاول استمالته وفي مقدمهم جبران باسيل، أو أي مرشح آخر يختاره “حزب الله” جهاراً أو مواربة، وحاول فرملة أي هجمة عربية نحو دمشق قد تسعى لفك عزلتها واعادتها الى جامعة الدول العربية من دون حساب أو شروط.

وليس سراً في هذا المجال أن الأميركيين لن يهضموا تجربة مماثلة لتجربة ميشال عون، أو أي حيثية سياسية تواصل أو تسهم في تعزيز النفوذ “الممانع” في لبنان سواء كان من حصة ايران أو سوريا أو الاثنين معاً، اضافة الى أنها، شأنها شأن “حزب الله”، تراهن على عامل الضغط المتبادل، معتبرةً أن الضغط المتعدد الأسلحة على كل من طهران ودمشق لا بد من أن يؤدي أولاً الى تنازل أو مرونة تنتج رئيساً تستطيع الوثوق به في ملفات عدة، ويضع ثانياً حدوداً لمغامرات “حزب الله” في لبنان والمنطقة، ويسحب ثالثاً الحلقة السورية من الهلال الايراني.

ومن هذه الملفات تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية التي يمكن في أي لحظة أن تخرب اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وعرقلة مسار الغاز الاسرائيلي نحو أوروبا المأزومة، والحؤول دون منح ايران جبهة مفتوحة تستطيع من خلالها الضغط على اسرائيل التي ترفض تمرير الاتفاق النووي الايراني في مقابل تصدير الغاز الاسرائيلي بسلام، والضغط على الأمم المتحدة من خلال ترهيب قوات الطوارئ في جنوب لبنان، والضغط على التيار السيادي من خلال تأزيم الوضع الاقتصادي في مكان، وتكريس الفراغ الرئاسي في مكان آخر، وفرض “فائض القوة” على كل مقومات البلاد في كل مكان.

وليس من قبيل المصادفة أن تقدم واشنطن على تعيين السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا نائبة لمندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهي المعروفة بعدائها الشديد ل “حزب الله” وحلفائه والمتحمسة لفكرة تدويل الحل في لبنان وتعزيز الامكانات العسكرية الشرعية.

وأكثر من ذلك، ليس من باب المصادفة أيضاً تمديد ولاية شيا ثلاثة أشهر أخرى في بيروت، وتأخير تعيبن خليفة لها، في خطوة توحي بأن مهمتها الأخيرة ستكون تأمين رئيس جديد للجمهورية اللبنانية لا يكون من حصة التيار الممانع أو على الأقل لا يكون بعيداً من المصالح الأميركية في البلاد والمنطقة، وذلك بعدما أثبتت قدرتها على ادارة الملف اللبناني وحماية الدور الأميركي في لبنان معلنة في أكثر من مناسبة: “اننا هنا لكي نبقى”.

ويجمع عدد من المراقبين على أن “شيطنة” بشار الأسد، و”ترقية” دوروثي شيا، أرفقتا بتصعيد لافت من الحكومة اليمينية الجديدة في اسرائيل تمثل في قصف مطار دمشق الدولي وتعطيل الملاحة فيه موقتاً، مستهدفة في العلن مستودعات أسلحة تابعة ل “الحرس الثوري” و”حزب الله”، وخلف الكواليس مطار بيروت الدولي، اضافة الى اقتحام المسجد الأقصى ومحاصرة السلطة الفلسطينية.

ويرى هؤلاء أن العنصر الأخطر في هذا المشهد القاتم، هو التهديد بقصف مطار بيروت، مؤكدين أن اسرائيل لا تبدو واثقة أو مطمئنة الى مصداقية القرار ١٧٠١، ولا الى جدوى الوجود الدولي على حدودها الشمالية.

ويطرح هؤلاء سؤالاً جوهرياً: هل يمكن أن تقدم اسرائيل على قصف المطار على الرغم من مخاطر الحرب؟ وهل يحوّله “حزب الله” الى مهبط للأسلحة الوافدة من ايران على الرغم من خطر الحرب أيضاً؟

الجواب واضح ولا يحتمل أي تأويلات ويكمن في أمرين: الأول أن أميركا واسرائيل والمجتمع الدولي والعالم العربي يرفضون تحويل لبنان الى قاعدة ايرانية تشكل امتداداً للقاعدة المنشودة في دمشق، ويعتبرون أن على “حزب الله” اعادة حساباته في هذا المجال. والثاني أن ايران وصلت الى مكان لم تعد تستطيع التقدم فيه أو التراجع ولم يبق أمامها الا واحداً من خيارين: اما الأخذ اقتصادياً وكيانياً في الداخل الايراني والعطاء في خارجه، واما تبادل الضربات من الداخل والخارج معاً.

من هنا يجب التمحص في البيان الأميركي الذي تضمن جواباً لمن يبحث في الخارج عن اسم الرئيس العتيد، أي الرئيس الذي يجب أن يعمل للبننة “حزب الله” ورفض تمدده وليس ضربه، والرئيس الذي لا يناصر ايران على حساب أميركا والعرب أو يناصر أميركا والعرب على حساب ايران.

في اختصار، يقف لبنان أمام حقيقة ساطعة: ان أحداً لا يملك القدرة على التفرد، ما يعني أن الرئيس العتيد لن يمر هذه المرة لا بأمر حصري من حسن نصر الله ولا بتوقيع حتمي من بشار الأسد، لكنه أيضاً لن يمر بارادة أميركية – عربية حاسمة، بل بتوازن قوى يعطي “ما لله لله وما لقيصر لقيصر” ويضع حداً للعزف المنفرد الذي تمادى به التيار الممانع من دون أي شراكة مع أحد أو أي خوف من أحد.

شارك المقال