هل يكون الرئيس المقبل شخصية إقتصادية؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

هل بدأ الحراك الغربي نحو لبنان من خلال إرسال بعثة قضائية الى بيروت لاستجواب شخصيات مالية ومصرفية حول الانهيار الاقتصادي نتيجة فساد الطبقة السياسية والتأثيرات الواضحة في الأزمة المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون والقطاعات المنتجة؟ وهل يؤتي ذلك ثماراً على صعيد حلحلة الأمور لملء الفراغ الرئاسي على قاعدة بناء الاقتصاد؟

يعتبر بعض المحللين أن الملف الاقتصادي في لبنان هو الشغل الشاغل للدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك تقترب المملكة العربية السعودية من هذه الوجهة، فالجميع يرى فعلياً أن لا إمكان للتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان الا من خلال البوابة الاقتصادية.

ودليل ذلك بحسبهم، أن الأطراف السياسية التي تتناحر وتتناكف لا تستطيع الا أن تنظر الى أن البوابة الاقتصادية وليس البوابة السياسية قد تكون مفتاحاً صائباً لتحريك الجمود الرئاسي وحلحلة العقد، نظراً الى ما عاناه لبنان من واقع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وسيطرته على المشهد العام، وأحزاب السلطة السياسية باتت تدرك أن التفاهم ممكن بينها من خلال البوابة الاقتصادية التي ترسم معالمها في الغرب ومن خلال العمل على تأمين الدعم الخليجي لها.

ووفقاً لذلك، قد تتظهر صورة جديدة في مشهدية جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث من المتوقع أن يتكسر جليد الورقة البيضاء وتسمية مرشح من “التيار الوطني الحر” كمؤشر على أن خرق الجمود بات ممكناً وأن تصعيد المواقف لن يكون مجدياً، وعليه فان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيتمكن من القيام بمبادرة من أجل تقريب وجهات النظر.

وبرأي مصادر سياسية فإن واقع “حزب الله” اليوم بات يختلف كلياً عما كان عليه منذ اللحظة الأولى لجلسات مجلس النواب، وبالتالي سيكون هناك تغيير في تعامله مع الملف الرئاسي، وقد يكون خطاب حسن نصر الله الأخير دليلاً على ذلك، فهو حاول القول انه لم يطلب رئيساً يحمي المقاومة وانما يطالب برئيس لا يطعن المقاومة في الظهر، وبغض النظر عن هذا التعبير، وعمن هو المقصود بطعن المقاومة في الظهر، أو من هو الذي يطعن الآخرين من الخارج، فإن الحزب بات يعلم جيداً أنه لن يستطيع إيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة وتحديداً سليمان فرنجية، لكونه يمثل مشروعاً يتبع النظام السوري ويعزز مواقف رئيسه بشار الأسد، وهو مرشح فريق 8 آذار وبعيد كل البعد عن العلاقة الايجابية مع الغرب ودول الخليج.

ماذا عن جبران باسيل؟ تشير المصادر إلى أنه “بغض النظر عن مقولة سالم زهران التي أشار فيها الى أن نصر الله أعطى وعداً خطياً لباسيل بأنه سيكون رئيساً للجمهورية في الدورة المقبلة، وكأن مسألة الرئاسة باتت في عهدة نصر الله فقط، فإن الأخير يدرك اليوم أن قدوم رئيس جديد يعني حل المشكلة الاقتصادية، وبات يعلن للآخرين أن ليس لديه فيتو على من يتكلم مع الولايات المتحدة أو له علاقة جيدة بالمملكة العربية السعودية، وانما هو يرفض أن يكون هذا الرئيس (زلمة الأميركان). اذاً، نصر الله يعلم جيداً أن لا رئيس من دون تسويات اقتصادية، وبالتالي لا حل في لبنان حتى للشريحة الاجتماعية المناصرة لحزبه بإنتخاب رئيس تصعيدي، أو العمل بالفكرة التي روّج لها سابقاً، أي تعالوا إلي للاتفاق على مرشحي والتفاهم على الاسم الذي أراه مناسباً، بل بات مدركاً أن أي رئيس سيطرح هو اسمه أو أي تسوية، لن تأتي الا بالفراغ وبإنهيارات إقتصادية جديدة. وحزب الله بات يعلم جيداً أن الامكانات المالية التي كانت تقدمها له إيران لمساعدته ودعم بيئته الحاضنة وجمهوره تتقلص وستتقلص لاحقاً أكثر نتيجة نظام العقوبات المتزايد عليها، ونتيجة الوضع الداخلي الايراني، ولذلك كان لا بد له من الالتفاف على الواقع والهروب إلى الأمام بالذهاب الى بكركي نتيجة مأزقه الناتج عن الأزمة الايرانية، ليحرج المسيحيين ويضع موضوع الرئاسة بيد بكركي من جديد كما فعل في العام 2016، والتي حصرت الرئاسة في حينه بالممثلين الأقوياء للموارنة. ثم ان حلفاء الحزب والقوى الداخلية الذين يدورون في فلكه أو الذين تدور الزوايا لصالحهم، بإمكانهم تأمين غلبة أصوات في المجلس النيابي لمرشح حزب الله بأكثرية إنتخابية لكن ذلك سيؤدي الى خلل بنيوي في الداخل، ولن يستطيع فرنجية تأمين علاقات جيدة كفيلة باعادة لبنان الى الحاضنة العربية والدولية على الرغم من قول نصر الله انه لا يمانع رئيساً يتكلم مع أميركا والسعودية وهذا غير متوافر لمرشحه”.

قد يكون مرشح “حزب الله” الذي يحاول التذاكي عليه هو قائد الجيش جوزيف عون الذي يستطيع بحسب كلام نصر الله الحديث مع أميركا والسعودية ولا يطعن المقاومة في ظهرها، ولكن الغرب يرى أن لبنان ليس بحاجة الى ضمانة أمنية والفوضى الأمنية محصورة، وبالتالي القائد العسكري يستطيع أن يؤمن أمن البلاد من دون أن يسيطر على كل مقاليد الحكم. وعليه، تقول المصادر: “إن حزب الله يعلم أن العلاقة مع قائد الجيش ودية وليست بينهما اشكالات أو اشتباكات، على الرغم من الخلاف على مطاردة مهربي المخدرات ومصنعيها، لكن وفق معادلة ظاهرة بأن حزب الله يحميهم والجيش يحافظ على هيبته أمام الدول بملاحقتهم”.

وبالعودة الى موضوع قدوم البعثة الدولية الى بيروت، فهي بالطبع لن تأتي للتحقيق لأن هذا القرار يتطلب موافقة من المدعي العام التمييزي ما سيضع الطبقة السياسية في مواجهة مباشرة مع النظام، وهي لن تسمح بذلك تحت شعار أن ذلك تعد غربي على القوانين اللبنانية وغير مسموح لمدعي عام غربي أن يأتي الى لبنان من دون موافقة وهذا يعد تدخلاً في القضاء اللبناني. ومن هنا تبرز المشكلة، فقد يحاول الغرب التدقيق في حال الواقع من خلال أسئلة ومعرفة أجوبتها من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول هيكلية الاقتصاد وكيفية التوجه الى ايجاد مخارج من خلال البنك الدولي وكيفية تنفيذ شروطه في ظل الحالة الاقتصادية من أجل تثبيت سعر الدولار واعادة أموال المودعين، والتهريب وفتح حسابات لشخصيات مفروض عليها عقوبات من سوريا والعراق وإيران.

قد تكون زيارة البعثة الأوروبية محضراً لها من البنك الدولي ومقدمة للبحث في تنفيذ شروطه للخروج من الأزمة، ويمكن ربطها باجراءات اتخذت في لبنان منها رفع سعر “صيرفة”، والهندسة المالية لحاكم مصرف لبنان التي أظهرت القدرة على التحكم في السوق وهي مؤشر جيد بالنسبة الى الغرب الذي يعتبر أنها قد تشكل مخارج فعلية للأزمة، وهناك رفع الدعم التدريجي عن الكثير من السلع ورفع الجمارك، ثم تأتي مسألة الاستقالات وتنظيف الدوائر العقارية والميكانيك من الموظفين والفاسدين وملاحقتهم، ومن ثم التربية ومؤسسات الشؤون الاجتماعية وغيرها، وكان البنك الدولي قد طالب الدولة منذ العام 2015 بعدم التوظيف العشوائي والرشاوى والنقطة الأساسية متعلقة باعادة هيكلة المصارف.

وعليه، توضح المصادر أن “القناعة اليوم السير بتسوية اقتصادية هي أساس أي تسوية داخلية على الرغم من الخلافات بين الفرقاء، وقد بات الجميع يعرفون أن الحلول الاقتصادية هي بداية لاستعادة الدولة ومؤسساتها، ولكونهم غير قادرين على ضخ الأموال بعد القرار الخارجي بعدم ضخها لهذه الطبقة الفاسدة، التي أهدرت أموال الدعم سابقاً على المحسوبيات خلافاً لتوصيات المؤتمرات الدولية”.

البعثة الدولية ستضع النقاط على الحروف والملف الاقتصادي أولوية وأي رئيس مقبل سيكون ملزماً بتنفيذ برنامج الاصلاحات السياسية التي تحد من قدرات أحزاب السلطة، وسيكون على “حزب الله” التعامل بطريقة مختلفة لا سيما مع قضية إنفجار مرفأ بيروت وملف التهريب الى سوريا وتوريد الميليشيات ووفقاً لسلوكه سيحدد الغرب موقفه منه، وطبعاً سيكون التوجه نحو خيار رئيس إقتصادي وإن كان قائد الجيش فسيكون برنامجه اقتصادياً وأولويته إنعاش حياة اللبنانيين وإخراجهم من قعر جهنم.

شارك المقال