الحراك الرئاسي مضطرب… والمقاربات تكتيكية خجولة

هيام طوق
هيام طوق

من يراقب المشهد السياسي بتمعن يخلص الى استنتاج التالي: افراط في الحركة مترافق مع اضطراب وصعوبة في إنجاز المهام، وضعف في المهارات التنفيذية بمعنى آخر وبلغة علم النفس، يعاني البلد من مرض نفسي يستوجب المعالجة السريعة لضبط ايقاع المعلومات والمعطيات المتناقضة وغير المتوازنة ما يفسر بحسب أحد المطلعين، عجز السلطة عن انجاز أي مهام، والهروب الى الأمام لأن ليست لديها أي مبررات للتعطيل المستمر، وما يرافق ذلك من تداعيات وانهيارات.

على الصعيد الداخلي، تكثر السيناريوهات والتحليلات، وتتعدد الطروحات، وتقل المؤشرات والمعطيات الفعلية التي يمكن الاستناد اليها في تسجيل خرق ما في الملف الرئاسي. هناك معلومات عن أن “التيار الوطني الحر” سيتبنى مرشّحاً رئاسياً في جلسة الخميس اذا تمت الدعوة اليها الا أن الأمر رهن المشاورات التي سيجريها، لكن ذلك لن يبدِّل في المسار الرئاسي سوى بتراجع عدد الأوراق البيض. وهناك حديث عن أن المعارضة الداعمة للنائب ميشال معوض تستعد لطرح ترشيح جديد اذا تبين للكتل أن ثمة امكاناً لاختراق أوسع، وأن الخطة “ب” ستصبح سارية المفعول في نهاية الشهر الحالي. اما بالنسبة الى التغييريين، فإن الأمور لا تزال تراوح مكانها على الرغم من التداول في سلة من الأسماء، لكن لا توافق على أي منها حتى الآن. وعلى جبهة الموالاة، يبدو التصويت بالأوراق البيض هو الخيار الوحيد الى اليوم مع العلم أن البعض يتحدث عن “طبخة” رئاسية يحضرها رئيس مجلس النواب نبيه بري، تكون منطلقاً للخروج من حالة المراوحة العقيمة. الا أن مصادر مقربة من بري استبعدت في حديث لموقع “لبنان الكبير” مبادرة من هذا النوع خصوصاً أن الرئيس بري كان واضحاً بأن الحوار هو السبيل الوحيد لانتخاب رئيس للجمهورية، ولن يدعو مجدداً اليه الا حين توافق عليه الكتلتان المسيحيتان الكبريان أو احداهما على الأقل. وطالما التوافق بين “القوات” و”التيار” صعب، ولا يريدان الحوار، فستبقى الأمور على ما هي عليه، وربما سيكون الشغور طويلاً خلا سيما أن العرقلة تأتي من الداخل وليس من الخارج.

وعلى الصعيد الخارجي، فإن كثيرين يعوّلون على الاجتماع المنتظر الذي سيعقد حول لبنان في باريس مع ممثل عن الادارة الأميركية وآخر عن المملكة العربية السعودية، لكن لم يتأكد موعده بعد حتى أن مصادر فرنسية اعتبرته اجتماعاً شبيهاً بالاجتماعات الأخرى بمعنى أنه لن يساهم في انتخاب الرئيس. في المحصلة، فإن الاستحقاق الرئاسي لم يسجل أي تقدم أو خطوة نحو الأمام في وقت يرى البعض أن عمر الشغور طويل، بينما يؤكد آخرون أن البلد لا يحتمل التأجيل، والعمل جار لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل الربيع المقبل.

الحركة بلا بركة بحسب نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الذي أكد لـ “لبنان الكبير” أن “الموضوع الرئاسي لا يتقارب بصورة حقيقية وفكرية وبخلفية واقعية انما بخلفيات تكتيكية، بحيث أن كل طرف يحاول التذاكي لتحقيق مكسب اسمه جس نبض الآخر أو كيفية مسايرة هذا أو ذاك أو تجميع عدد أكبر من النواب. كل هذا التفكير لا يتلاءم مع مصالح لبنان العليا”، معتبراً أن “الطريق الوحيد لبلوغ الرئاسة بأن يتفق القادة على مهام يجب أن يكلف بها الرئيس، وقادر على أن يقوم بها، وهذه المهام تتلاءم مع قسمه الدستوري ومع صلاحياته من دون أية أوهام باستعادة أوهام غابرة كما حدث في العهد الماضي”.

أضاف: “المهام المطلوبة تتعلق بكيفية التعاطي مع مسألة سلاح حزب الله، وملف العلاقة مع سوريا وترسيم الحدود، ومسألة النازحين وما يترتب عليها من نتائج، وترميم العلاقة مع الدول العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية، وحماية الطائف والتمسك به، ودرس بعض الثغرات فيه، وهوية البلد العربية التي على أساسها أرسيت معادلة لبنان وطن نهائي، بالاضافة الى أمور سيادية أخرى تتعلق بأوضاع المنطقة ككل. هذه هي القضايا المركزية التي يجب أن يتم التفكير فيها كي تترك امكان انعكاسات ايجابية على الساحة. كل ما يحصل اليوم تكتيكي وليست له علاقة لا بصلاحيات رئيس الجمهورية ولا بإمكان التوصل الى قاعدة لانتخاب رئيس. وبالتالي، نستدرك أن كل ما نسمعه حركة بلا بركة. أما على مستوى الدول الخارجية، وان بدا أن هناك رغبة معينة عند بعضها في المساعدة، لكن عموماً هذه الدول لا تستطيع أن تتعاطى ولا تملك الرغبة في أن تتعاطى على قاعدة فرض رؤساء لأن الأمر له علاقة بتوافقات اقليمية ودولية كبرى من المبكر أن تتم الآن والتي ربما ستنعكس سلباً على لبنان اذا طال الوقت ولم يتم انتخاب رئيس للجمهورية. ما يحصل اليوم، مجرد مقاربات خجولة، وحث على الذهاب باتجاه انتخاب الرئيس”.

وقال: “بناء على ما تقدم ليس من الضروري أننا ذاهبون الى شغور طويل، ومن نهاية آذار يمكن أن نعرف ان كان الشغور طويلاً لأنه حينها سيتضح المشهد الاقليمي أي أن المفاوضات التركية – السورية تكون قد انتهت، وموقف المملكة العربية السعودية وكيفية تطوره، وتكون اقتربت مواعيد التعيينات في المراكز الشاغرة والمهمة في الدولة، وبالتالي، هناك عدة أمور ستشكل تحدياً حقيقياً لأركان النظام”. وأشار الى أن “الحل الرئاسي ليس بالضرورة أن يأتي في سلة متكاملة مع الحكومة انما ربما يكون هناك نقاش حول رئيس الحكومة المقبل، وهذا أمر طبيعي”.

شارك المقال