بروباغندا بوتين تصطدم بالثقافة الروسية

حسناء بو حرفوش

كتبت سفيتلانا ستيفنسون، أستاذة علم الاجتماع في جامعة “لندن متروبوليتان”، في مقال بموقع novayagazeta.eu الالكتروني الأوروبي:

“تعتمد وسائل الاعلام الروسية نغمة مختلفة، مبنية على العقيدة الجديدة للحكومة الروسية: على الروس الاستعداد للموت من أجل هذه العقيدة، وإلا تفقد حياتهم كل معنى. وفي الآونة الأخيرة، تزايدت في التلفزيون الروسي ووسائل الاعلام المؤيدة للدولة، الدعوات إلى أعمال بطولية وطنية. ويتحدث مروّجو الدولة بحماس عن تدمير المدن الأوكرانية أو عن استخدام الأسلحة النووية، كما تبرز شخصيات جديدة في المقدمة.

يوزع أعضاء مجموعة فاغنر مقاطع الفيديو عن مقتل زميلهم السابق نوزين، الذي استسلم للأسر الأوكراني، ويصوّرون أنفسهم وهم يرسلون الأسلحة إلى البرلمان الأوروبي، في عروض تسطر رفض الأخلاق والقانون، والفرحة بإذلال أولئك الذين يبدون ضعفاء من أجل أن يظهروا للمعارضين أنهم يمتلكون سلطة سيادية.

في عالم الشارع، يشكل هذا سلوكاً نموذجياً لأعضاء عصابات الشارع، فيسخر أحدهم من ضحيته بتبجح، لكن يبدو أن السلطة الروسية رفعت هذا التصرف إلى فئة السلوك المعتمد رسمياً، وهذا بهدف إقناع المشاهدين بأنهم ما زالوا أقوى من أي شخص آخر ويمكنهم إفساد أي شخص حتى ولو عانوا من الفقر المدقع.

ومع ذلك، بدأ كل شيء يتغير في ظل الهزائم على الجبهة وتحتاج السلطات إلى أفكار جديدة لاثارة تعاطف الرأي العام. كما حان الوقت للجدية والمسؤولية والوعي بالطبيعة الدرامية للحظة، ففي النهاية، الشباب الروس مدعوون للذهاب إلى المذبحة. هذا هو موضوع أحد الفيديوهات الموسيقية لأحد المغنين (باسم شامان دعونا نقف)، يقدم فيه الموت لجمهور من الملايين بقالب ساحر. في هذا الفيديو، يحث فنانون السكان على (الوقوف) من أجل الاقتراب من أولئك الذين (ينظرون إلينا من الأعلى). ويغنون بحزن عميق عن أبطال روسيا والذاكرة الأبدية.

وتركز الصور المرئية على التضحية: جنود مصممون على القتال وأسماء أطفال دونباس القتلى والجنود الذين سقطوا في الحرب الوطنية وامرأة تذرف دمعة وصبي يرتدي قبعة عسكرية يحيي الجنود المارة. ويشارك رئيس الدولة في عروض درامية تذكر الناس بضرورة التضحية. في أوائل تشرين الثاني، أظهر التلفزيون الوطني الرئيس يزور معرضاً حول الدفاع عن موسكو. يسير بوتين ببطء على طول الميدان الأحمر. بينما تذكر جوقة من الفنانين بأن (هذه حرب الشعب!). لم تعد رمزية هذا العمل تتعلق بالانتصار، بل بواجب مقدس على عاتق المواطنين.

وأثير موضوع الموت الذي يعطي معنى لحياة الإنسان مجدداً في اجتماع بوتين مع أمهات المتطوعين وأولئك الذين تم حشدهم مؤخراً. ومع ذلك يتناقض اللامعنى في الحياة المسالمة مع مغزى الموت بالنسبة الى الدولة. فكيف لبوتين أن يدعو الأمهات الى الاحتفال بوفاة أبنائهن وهو مفهوم غريب عن الثقافة الروسية؟ هذا يعني أن بوتين غير قادر على الارتباط بالمشاعر الشعبية على الرغم من محاولاته لتصوير نفسه على أنه الزعيم الذي يواصل تقليداً روسياً عمره (ألف عام). ويتزامن التعزيز المتسارع للحياة الروسية مع زيادة وعي السكان بعدم اكتراث السلطات بشعبهم.

وفي الوقت نفسه، يصبح الكرنفال المستمر لدعاية الدولة غير مناسب في مواجهة الهزائم، لا بل أيضاً، وبناءً على بيانات من تقويمات التلفزيون، غير مطلوب. ولم تعد الدعاية التي نجحت حتى وقت قريب قادرة على حجب حقيقة الخسارة والحزن والموت. ما يمكن أن نتوقع رؤيته في الأشهر المقبلة هو الانتصار البطيء للحقيقة على عالم الخيال الذي ابتكرته آلة الدعاية الحكومية”.

شارك المقال