2023 تستكمل الاضرابات

حسين زياد منصور

على الرغم من الاجراءات الأخيرة للحكومة في سبيل زيادة المداخيل والتقديمات لموظفي القطاع العام بعد اضراب استمر لأشهر عدة خلال العام الماضي 2022، الا أن الارتفاع المتواصل في سعر صرف الدولار وانخفاض قيمة العملة الوطنية، أديا الى تآكل القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين، اذ خسرت أجورهم ما يقارب 95٪ من قيمتها. فمنذ العام 2019، ولبنان يشهد أزمة وانهياراً اقتصادياً واجتماعياً، الى جانب التراجع في احتياطيّ المصرف المركزي ووجود نقص في النقد الأجنبي المخصّص للاستيراد.

ويعتبر العام 2022 عام الاضرابات والاعتصامات والتحركات المطلبية، في الوقت الذي عجزت فيه الكثير من المؤسسات والقطاعات والشركات عن الاستمرار بسبب تدهور الأوضاع وتعثرها.

ويعد “اعتكاف” القضاة الأكثر قساوة وضرراً، اذ أدى الى تعطيل العدالة وشل المحاكم والعمل الحقوقي، وأثر بصورة كارثية على الكثير من القضايا العالقة في المحاكم.

وتتخوف الحكومة من زيادات ضخمة على رواتب القطاع العام لما لها من تأثير سلبي على معدلات التضخم، ففي حال الزيادة أو الدولرة، ستطال ما يقارب 300 ألف موظف في القطاع العام.

اليوم تعود الاضرابات من جديد، فبعد اعتكاف القضاء، ها هو القطاع التعليمي يضرب، وموظفو الاتصالات الذي يطالبون برواتبهم المحتجزة لدى وزارة المال، وكذلك رابطة موظفي الادارة العامة، وإن كان الاضراب تحذيرياً ومؤقتاً، الا أنه يحمل مطالب عدة.

رابطة موظفي الادارة العامة

بعد أسابيع من الاضراب، تراجعت رابطة موظفي الادارة العامة عنه اثر تلقيها وعوداً عدة. وعلى الرغم من الاجراءات الأخيرة للحكومة بما خص الرواتب في القطاع العام ورفع بدل النقل، دعت الهيئة الادارية للرابطة إلى التوقف عن العمل ابتداء من صباح الأربعاء وحتى يوم الجمعة ضمناً، في سبيل تحقيق مطالبها والتمسك بحقوق الموظفين المعنوية والمادية.

وأشارت الرابطة على لسان رئيستها نوال نصر الى المطالب السابقة نفسها، وأن قيمة الراتب لا تكفي لدفع متطلبات الحياة الأساسية من كهرباء وهاتف وغيرها، وأنهم يطالبون بنصف حقهم، في دولرة نصف الراتب في المرحلة الأولى.

ولفتت الرابطة الى مطالب عدة أبرزها: دولرة الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية، وتعويضات الصرف على أن لا تقل عن النصف كمرحلة أولى والتغطية الصحية الكاملة والشاملة، وتصحيح قيمة التقديمات الاجتماعية والتعليمية بما يتناسب مع ارتفاع مؤشر الغلاء وأقساط المدارس الحالية، وتزويد الموظفين بقسائم بنزين تتناسب مع المسافات التي تفصل الموظفين عن مراكز عملهم.

قطاع التعليم

وكما باقي القطاعات، أعلن الأساتذة اضرابهم، في سبيل تحصيل حقوقهم، بعدما أعلنوا عدم قدرتهم على الوصول الى مراكز عملهم، وأن رواتبهم لا تكفي لتأمين متطلبات معيشتهم، الى جانب ما يرتبط بالنظام الصحي وبدلات النقل.

ولا يمكن نسيان توقف المؤسسات التعليمية الرسمية وخصوصاً المدارس لثلاث سنوات متتالية وإن عملت جزئياً في بعض الأحيان، لكن المؤكد أن الطلاب لم يتلقوا تعليمهم بصورة طبيعية.

ومن ضمن الاضرابات التي أعلن عنها ونفذت، اضراب موظفي وزارة الاتصالات، اذ أقفلت صناديق القبض على الأراضي اللبنانية كافة، مع تواجد الموظفين من دون القيام بأي عمل فني أو إداري. وأشاروا الى أن هدفهم من الاضراب لا لزيادة على الراتب أو الحصول على جزء منه بالدولار أو اللولار، بل للحصول على رواتبهم التي لم يتقاضوها بعد، مهددين بتصعيد جديد في حال لم يلمسوا أي تقدم في هذا الموضوع.

وسبقهم في اضرابهم قبل إيجاد حلول له، اضطراب العاملين في الشركات المشغلة للقطاع الخلوي في سبيل تعديل الرواتب والمداخيل وتكريس المساواة بين الموظفين.

وأفاد تقرير لـ “الاسكوا” صدر في أيلول أن الفقر تفاقم في لبنان إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط، وأصبح يطال 74٪ تقريباً من مجموع السكان، وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82٪.

وتجدر الاشارة الى أن عدد موظفي القطاع العام يبلغ حوالي 300 ألف موزّعين على مختلف مؤسسات الدولة، فبحسب “الدولية للمعلومات” يتوزع العاملون في القطاع العام على 120 ألفاً في القوى الأمنية والعسكرية، و130 ألفاً في المؤسسات العامة والبلديات، و40 ألفاً في التعليم الرسمي و30 ألفاً في الوزارات والادارات العامة. اما المتقاعدون وعددهم 120 ألفاً فأكثريتهم من المدرسين والعسكريين.

وفي الوقت الذي يطالب المضربون بأن يكون تحسين الرواتب والتقديمات الصحية والتعليمية متماشياً مع حجم تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار وارتفاع أسعار المحروقات، ترى الحكومة أنها غير قادرة على كل هذه المطالب، اذ تقول انها تعاني من تراجع حاد في وارداتها وعجز في تأمين قيمة النفقات، وأن الاضراب المفتوح الذي جرى في حزيران الماضي، شلّ المؤسسات الحكومية وتسبب بخسائر مالية كبيرة، بعد تعطل آلاف المعاملات التي يحتاجها الأفراد والشركات وتوقف حركة الاستيراد والتصدير، وهو ما أشار اليه سابقاً وزير العمل مستنداً الى تقرير “الدولية للمعلومات” بأن كلفة الخسائر المباشرة يومياً تبلغ 12 مليار ليرة فضلاً عن الخسائر غير المباشرة.

وتتخوف الدولة من تضخم مالي بسبب هذه الزيادات مع العلم أن الادارات العامة تعاني من شغور كبير في مختلف مؤسساتها، والأزمة الاقتصادية والمالية تسببت بتآكل أكثر من 90٪ من رواتب الموظفين، وارتفاع كلفة النقل بسبب غلاء المحروقات بعد رفع الدعم عنها، اذ كان سعر صفيحة البنزين يساوي 25 ألف ليرة في حين تخطت اليوم الـ 700 ألف.

وتعد هذه الأزمة التي أدت الى انهيار مالي واجتماعي واقتصادي، الأسوأ والأعنف في تاريخ لبنان.

شارك المقال