اتعظوا يا أولي الألباب!

صلاح تقي الدين

منذ ما قبل انتهاء “العهد القوي” المشؤوم ونواب الأمة أمام امتحان يحدد مصير ومستقبل البلاد والعباد، ويفترض أن يجتمعوا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، علّه يباشر بوضع الأسس الكفيلة بانتشال لبنان من قعر جهنم التي وصلنا إليها، غير أنهم فشلوا في 11 جلسة وسيظلون يفشلون في كل مرة يجتمعون فيها، ذلك أنهم غير قادرين على اتخاذ القرار الداخلي الذي يربطونه باتفاق خارجي بعضهم يسميه “تسوية” والبعض الآخر يسميه “الوحي”، وكلا الحالتين ليستا سوى إملاء وفرض.

لمن ينتظر “هبوط الوحي” عليه أن يدرك أن “العرب” في القرن الحادي والعشرين لم يعودوا كما كانوا عليه في الماضي القريب، متعلقين بلبنان ويرون فيه جامعتهم، ومستشفاهم، وفندقهم، وملاذهم، ومصيفهم، فهم تفوقوا عليه علمياً، وطبياً، وسياحياً، والجيل الجديد الذي تسلم مقاليد السلطة في دول الخليج يتطلع أولاً وأخيراً إلى مستقبل بلده وتطوره ونموه وازدهاره، واستثماراته التي تعود عليه وعلى أبناء بلده بالخير والرفاهية، ويتساءل علناً ومن دون مواربة: ما الذي سنجنيه من استمرار دعمنا لبلد لا تقوم فيه دولة، ولا سلطة، ولا قضاء ولا استقرار، وزعماؤه لا يراعون إلا مصالحهم الخاصة ولا يقيمون للمصلحة العامة أي اعتبار، ومؤسساته تنهار تحت أنظارهم ومن فعل أيديهم؟ فليتكلوا على أنفسهم ويعيدوا بناء ما هدّموه وبعدها لكل حادث حديث.

ليس هذا كلاماً عابراً ولا إنشائياً بل هو في صلب الواقع ويتظهر مراراً من خلال تصاريح المسؤولين الخليجيين الذين يشدّدون ويكررون في كل مرة يسألون عن لبنان والوضع السياسي فيه، بأنهم على استعداد لمساعدة لبنان شرط أن يساعد اللبنانيون أنفسهم أولاً، ويتماهى هذا الموقف مع الدول الغربية التي تهتم بلبنان لأسباب مختلفة فهي لغاية اليوم تعيد اللازمة نفسها: ساعدوا أنفسكم أيها اللبنانيون حتى نساعدكم.

ربما أحسن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله حين وصف الوضع المتشعب سياسياً والذي منع لغاية اليوم نواب الأمة من انتخاب رئيس عندما قال للذين ينتظرون الخارج بأن انتظارهم سيطول. هذا الخارج لديه همومه، ولديه دولته وأمنها القومي ومصالح شعبه وكل ذلك يأتي في المقام الأول من اهتماماته، ولبنان لا يقع حتى في أسفل درجات السلم، فلماذا الانتظار؟

لكن على السيد نصر الله أيضاً ألا ينتظر إشارة راعيه وقائده، فإيران ليست بأفضل حال من الدول التي ينتقدها ضمناً، لا بل انها في مأزق ليس سهلاً عليها الخروج منه إلا إذا استمرت في إدارة ظهرها لشعبها وتمارس سياسة العنف والاعدامات لقمع ما يبدو أنها انطلاقة وعي أعقبت مقتل الطالبة مهسا أميني، فانتفض الشعب الذي ضاق ذرعاً بتصدير “الثورة” إلى الخارج، وصار يطالب باليسير من الحرية والاستقرار لينعم بعيش كريم.

أيها النواب الكرام، لقد تلقيتم دعوة مشكورة من رئيس مجلسكم نبيه بري إلى الحوار للاتفاق على شخصية قادرة على أن تتبوأ رئاسة الجمهورية ولا تشكّل تحدياً لفريق دون الآخر، لكن المفارقة كانت بالتقاء العدوين اللدودين المسيحيين “التيار الوطني الحر” والقوات اللبنانية” على رفض هذه الدعوة ولأسباب لا تتشابه، ولكل منهما رؤيته ونظرته إلى الرئاسة التي يريدها مصممة على قياسه. فرئيس “التيار” النائب جبران باسيل لا يريد أحداً سواه لخلافة عمه في قصر بعبدا، ورئيس “القوات” سمير جعجع لا يريد أن يرى باسيل أو رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية رئيساً لأنه يحظى بدعم الثنائي الشيعي، لكنهم يلتقون على رفض القبول بقائد الجيش رئيساً على الرغم من أنهم في نهاية الأمر قد لا يمانعون هذا الحل الوسطي، جعجع أعلن ذلك، وفرنجية لا يرفضه وقد يكون باسيل محرجاً لكنه مرغم لا بطل.

ألم يحن الوقت لكي يتعظ كل هؤلاء ويمارسوا دوراً إيجابياً بقبول الحوار حول طاولة رئيس المجلس؟ وإن لم يقع خيارهم على قائد الجيش، فليكن على زيد أو عمر، لكن لم يعد جائزاً انتظار الخارج أو القبول كما جرت العادة بالحل الذي يفرضه هذا الخارج عليهم وعلى البلد برمته. هذا الفرض سيطول، لكن البلاد لم تعد تحتمل والشعب أًصبح يعاني الأمرين، والتفلت الأمني لم يعد بعيداً، فكل يوم تتناقل وسائل الاعلام أخبار حوادث نجحت القوى الأمنية لغاية اليوم في قولبتها ومنعها من الانفلات، لكن أفراد هذه القوى يعانون أيضاً وقد يأتي الوقت الذي لا يعودون فيه قادرين على ضبطها، وعندها الويل والثبور…

اتعظوا يا من أولاكم الشعب مهمة تمثيله والنظر في احتياجاته، وإن لم تفعلوا وفي وقت قريب، فإن الأصوات التي تنادي بحلّ مجلسكم الكريم قد تصل إلى آذان من سيفرض عليكم التقاعد والعودة إلى منازلكم لأنكم فشلتم في تأمين الحد الأدنى من واجباتكم تجاه هذا الشعب، وتقاعستم عن أداء مسؤولياتكم.

وإن كان عليكم الاتعاظ، فالدعوة أيضاً موجهة إليكم بعد انتخابكم لرئيس جديد لكي تقوموا بإرادتكم وعبر الحكومة العتيدة بنفض أيديكم من القانون الانتخابي المسخ الذي أوصلكم إلى الندوة النيابية، وإن لم تتفقوا على إعادة صياغة قانون حضاري فلتطبقوا دستور الطائف وتقرّوا إنشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وتبادروا إلى الدعوة لاجراء انتخابات خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ ليراعي هواجس طوائفكم.

اتعظوا يا أولي الألباب.

شارك المقال