التسوية لم تستوِ… والحزب يريد أن يأكل الجميع من طبخته

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من جديد أخفق النواب اللبنانيون في انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة الحادية عشرة، وكان ذلك متوقعاً ودليلاً على أن طبخة التسوية لم تستوِ بعد، وهناك فشل واضح في مساعي التوصل إلى اتفاق داخلي ملائم، ما يدل على أن الجميع مأزوم وفي دوامة. وأثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة أن لا أحد يستطيع أن يقدم أكثرية، والخطورة تكمن في الضغط النفسي الذي يمارسه البعض بحجة ملء الفراغ في الرئاسة والاستعداد للذهاب الى الانتخاب، وقد يؤدي ذلك الى حصول تسوية ما تحقق أهداف “حزب الله” ومصالحه.

وتقول مصادر سياسية لـ”لبنان الكبير”: “إن خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الثلاثاء الماضي كان واضحاً في أنه يريد رئيساً تحسباً للمعركة المقبلة، ولا يريد رئيساً عندما يصرخ في وجهه الأميركيون يهرب الى البحر المتوسط، فالأحداث التي تجري في إيران تنذر بمستقبل واعد يحضر له، لذلك فان نصر الله في طرحه يقول تعالوا لنتفق على رئيس نحصّن أنفسنا فيه، وهو موجود وقدمه الى اللبنانيين وبالتالي عليهم أمام الخطر الذي يستشعره أن يتوافقوا على اسم هذا المرشح”.

وتؤكد المصادر أن “نصر الله لم يعلن اسم هذا الرئيس لكن أكد على مواصفاته الموجودة لدى شخصية واحدة هي سليمان فرنجية، والملاحظ أن مسؤولي الحزب في خطاباتهم لا يعلنون عن اسم الرئيس الذي يريدون خوض المعركة به لأنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون تأمين أكثرية لانتخابه، ويتحججون بأن الاوضاع في لبنان تنذر بأزمة كارثية والخروج منها يكون بالذهاب الى ملء كرسي بعبدا بالرئيس الذي نراه مناسباً”.

من ناحية ثانية، بدا أن “حزب الله” يستعجل انتخاب الرئيس لا سيما بعد التصعيد الحدودي بين اسرائيل ولبنان، اذ تواصلت الاستنفارات منذ أيام بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي، فالاسرائيليون يريدون حفر أراضٍ معينة ويحاولون خرق الشريط الشائك على الحدود، الا أن الجنود اللبنانيين مستنفرون ويتصدون لتلك المحاولات. وتعليقاً، تشير المصادر إلى موقف نصر الله بوصف الحكومة الاسرائيلية بـ “الغبية وينتظر منها أي شيء”، لذلك يدعو الى التفرغ والارتياح من موضوع الفراغ الرئاسي والتوافق على مرشحه لأنه يريد التفرغ لموضوع الحدود “والاشكالية أن الحزب لا يناقش الآخرين في اسم الرئيس التوافقي، ولا يأخذ في الاعتبار أي رأي آخر بينما على الآخرين أن يأخذوا بهواجسه ورأيه ودوره وهذه قضية كبيرة ودليل على أن الأمور تتعقد أكثر فأكثر، وانتخاب رئيس صار مرتبطاً بالوضع الاقليمي لاسيما الوضع في ايران التي تشعر بالخطر وتحاول لملمة صفوف 8 آذار وحلفاء حزب الله للاتفاق على مرشح واحد، وهو ما ظهر واضحاً خلال زيارة وزير الخارجية الايراني الى لبنان”.

ينظر “حزب الله” بقلق الى التطورات الخارجية التي قد تؤدي الى تدابير واعتداءات تطاله، كذلك يحذر من أن تؤدي خلافاته مع “التيار الوطني الحر” الى رفع غطاء مسيحي عنه وعدم مجاراته في خيار اسم الرئيس، وقد عكس تقاسم أصوات النواب في الجلسة الأخيرة عمق الانقسام الموجود في المجلس، فلا أحد يستطيع فرض مرشح.

وترى المصادر أن “الخطورة هي في عملية الضغط التي قد يمارسها حزب الله على النواب من أجل الذهاب الى انتخابات بمثابة تسوية أمر واقع، كونه مصر على تسوية داخلية لحلحلة أمور تشكل له أزمة فعلية، وربما كانت جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي لحلحلة بعض القضايا التي بات جمهوره يتململ منها وخصوصاً لجهة الكهرباء، فهو لم يعد يستطيع التغاضي عن هذه المشكلة لأن جمهوره بدأ يتكلم في العلن عن تأثيرات هذه الأزمة لا سيما في فصل الشتاء، بدءاً بالاضاءة والتدفئة والتشريج وسحب المياه وغيرها، ويتخوف من إنفجارها في شارعه، لذلك جلس الى طاولة مجلس الوزراء لمناقشة ملف الكهرباء والسلفة المقررة، وهو يحاول أيضاً عدم كسر الجرة مع حليفه التيار الوطني الحر”.

وتلفت الى تطور الأمور، إذ بات النواب محرجين أمام من شكل لهم غطاء الوصول الى المجلس النيابي، “فهناك فئة تعطل فعلياً وتريد الاستمرار بالورقة البيضاء وهي نوع من الحجاب النفسي الذي يستخدمه حزب الله كي لا يحرق حليفه ولا تحصل تسوية عليه. وهناك الفريق الآخر الذي لم يحصل على أكثرية ويتمسك بمرشحه ويدعو الى لعب عملية انتخاب ديموقراطية من خلال مطالبة حزب الله باعلان مرشحه والتصويت وفقاً لذلك. وبات جلياً أن القوى السياسية في مأزق، وكل لبنان في مأزق أيضاً وكذلك مؤسساته المدنية والعسكرية، وما الاعتداء الذي حصل على وليم نون وإحتجازه بتهم واهية الا دليلاً على إستخدام القوى الأمنية برضا حزب الله لاعادة النظام الأمني الذي كان سائداً خلال مرحلة الوصاية السورية، لكن كما يبدو واجه الناس هذا المخطط وأسقطوه، وكشفوا عن الكمين المفخخ للأجهزة الأمنية والقضائية”.

وعن اعتصام بعض نواب التغيير داخل المجلس النيابي ودعوة نواب آخرين الى المشاركة حتى تحصل عملية الانتخاب، تعتبر المصادر التعامل مع هؤلاء النواب والتدابير التي اتخذت رداً عليهم وكأن المجلس شركة خاصة، تقفل وتفتح بإدارة الرئيس نبيه بري، “خطوة هي الأولى من نوعها في لبنان، قد تكون عفوية أو مخططاً لها، ولكنها بداية اذا كتب لهذا التحرك الاستمرار فسيسجل أن الاعتراض النيابي والسياسي أصبح تحت قبة البرلمان، ولكن هذه الحركة يجب أن تتبلور في موقف واضح من كل النواب التغييريين وغيرهم للاعتصام داخل المجلس، وبالتالي يجب أن يواكب التحرك بحركة شعبية ضاغطة في الشارع تجبر السياسيين على تليين المواقف”.

وفي هذا الاطار، تشير المصادر إلى الموقف الذي أعلنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في مقابلته مع “الجديد” بأن “هناك العديد من الأوراق التي يمكن لنا إستخدامها ولن نقبل بتسوية شبيهة بالتي حصلت في العام 2016 وأجبرتنا على السير بها”، وبغض النظر عن تلميحه الى العودة إلى الفديرالية، “هذا الطرح يصب في مصلحة جبران باسيل، وهو خطير لكن لا بد من القول ان الحديث عن وجود أوراق قد يكون مؤشراً الى تنسيق فعلي بين كتلة التغيير والسياديين والكتلة السنية التي تعتبر نفسها في الخندق نفسه للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي”.

وعما اذا ستغير المواجهة من داخل البرلمان شيئاً في الأوضاع، تؤكد المصادر أن “هناك خطوات لا بد من أن تتخذ وكيف ستقابل في الشارع وتتعامل معه، وموقف اللبنانيين من هذا الاعتصام، هل سيكون بداية لتحرك سياسي داخلي – خارجي يفرض موازين جديدة ويقلب الطاولة أم مجرد حركة استعراضية لمصلحة نواب لم يخططوا جيداً لها ويحظوا بتضامن معهم من النواب الآخرين أو من الشارع الشعبي بحيث تفشل في تحقيق هدفها، كونها لم تواكب بمجموعة من الدعم الشعبي والديبلوماسي والاعلامي والنيابي؟ ولعل أكثر ما يخيف السلطة الحاكمة خروج الناس الى الشارع، اذ لم تعد تخاف على ما يمكن أن تخسره في ظل الانهيار السريع للعملة اللبنانية وتحليق سعر الدولار”.

وتلفت المصادر الى حالة الارباك التي يعيشها الشارع الشعبي، “فلا أحد يعرف ماذا سيجني من هذه المعركة وكيف سيخوضها، والتخوف من الصدام المباشر مع الجيش والقوى الأمنية. وقد لا يلجأ الجيش هذه المرة الى حماية المتظاهرين والبروفة ربما تكون حصلت في جبيل، أي التعامل بقساوة مع المعترضين في الشارع، ولعل ذلك يأتي تعبيراً عن رغبة قائد الجيش ربما في تقديم أوراق اعتماده للرئاسة الى حزب الله وايران. ويتخوف الناس من الضغوط عليهم في المؤسسات التي يعملون فيها سواء بالابعاد أو السجن والملاحقات والتأثير على لقمة عيشهم وعيش أبنائهم، كما أنهم لم يعودوا يثقون بأن القيام بتحركات شبيهة بالتي حصلت في ثورة 17 تشرين نافعة، فالمنظومة أفرغت محتوى التظاهر من مضمونه بفعل إجراءاتها القمعية، والتلاعب بالمجموعات وخرقها وتشكيل مجموعات إفتراضية لتوجيه المشكلة الأساسية في الاعتراض نحو المصارف وحاكم مصرف لبنان، والغياب الفعلي للمساعدات التي تساعد الناشطين على التحرك. ويتخوف الناس أيضاً من الصدام المباشر مع حزب الله وهو أمر لا مفر منه لأن الحزب لم تعد لديه أي أوراق للمواجهة سوى التدخل المباشر، كما أن هناك خيبة أمل من نواب التغيير وانقساماتهم وضعفهم”. وتشدد المصادر على أن “الأزمة طويلة”.

شارك المقال