حرفوش يُطل من جديد عبر “التنويم المغناطيسي”

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تهدأ التصريحات الاعلامية لصاحب مشروع “الجمهورية الثالثة” ​عمر حرفوش، الذي كان قد ترشح للانتخابات النيابية للعام 2022 وخسر المعركة بسرقة كراسي مهرجانه الانتخابي “الحاشد” بعشرات النشالين وبعض المتفرّجين، فبات يظهر على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أيّ وقتٍ مضى، تزامناً مع اعتصام بعض النواب في البرلمان وتوجه عدد من الطرابلسيين إلى بيروت لدعمهم.

بالفعل، لا تستكين مبادرات حرفوش الوطنية التي باتت لا تُعدّ ولا تُحصى، فمن ابتكر تأسيس “الجمهورية الثالثة” القائمة على القضاء على الفساد والفاسدين عبر القضاء الأوروبي “المدان أحياناً” من جهة، ورفع شعارات الديموقراطية وحرية التعبير “الطنّانة” من جهة ثانية، ليس من الصعب عليه المبادرة الى تأمين 20 سريراً للنواب المعتصمين إضافة إلى وسائل تدفئة مع مولّد كهربائي لاضاءة “عتمة” لم يعتد عليها أيّ من النواب الجدد أو القدامى.

إنّ هذا الطرابلسيّ الذي لا يدفع “قرشاً برا الطريق” مثله مثل معظم نواب مدينته الصامدة أمام أزمات الجوع والفقر المدقع، قدّم مبادرة عظيمة لم يتمكّن أيّ من النواب من تقديمها سابقاً، مثله مثل النواب الذي قرّروا افتراش المجلس “النعسان”، والذين لم يُحاول أيّ منهم حلّ الأزمة بالتوافق على اسم رئاسي واحد يُطرح في الجلسة المقبلة. ومن هنا قرّر حرفوش إعلان حال التمرّد على السلطة من جديد لاستكمال مسيرته السياسية التي لم تبدأ بعد، والتدخل في معضلة وطنية لحثّ النواب على انتخاب رئيس للجمهورية بعيداً من التدخلات الاقليمية والخارجية.

يُمكن القول إنّ حرفوش الذي هبط إلى لبنان وطرابلس من جديد في هذه الظروف، لم تقتصر مبادراته على الأسرة والشراشف التي تبعث الدفء في قلوب النواب المشاركين في الاعتصام، بل بات منظّماً للرحلات التي تُؤمّن نقل شبان مدينته (التي تحتاج إلى من يُمسك بيد أبنائها لانتشالهم من أشدّ الأزمات فتكًا بهم) إلى العاصمة بيروت للمشاركة في الاعتصام. وعلى الرّغم من وضع المدينة الحساس أمنياً في الفترة الأخيرة والحديث المستمرّ عن احتمال حدوث انفجار شعبيّ يدفع الناس إلى الشارع، إلا أنّ حرفوش اقترح تنفيذ ضغط شعبيّ بنَفَس طرابلسي غاضب لكن من بيروت، وهي “تنفيسة” طرابلسية مدفوعة الثمن مسبقاً، وهذا ما يتنافى أساساً مع مبادئ الثورة المحقّة والغاضبة.

ومع أنّ حرفوش بمصباحه المحقّق للأمنيات والمعجزات طلب من بعض الشبان احترام الممتلكات العامّة والخاصّة في بيروت، إلّا أنّه ربما يكون قد غفل عن أنّ الطرابلسيين وحتّى العكاريين الذين كانوا شاركوا في اعتصامات مختلفة في العاصمة، اتهموا كثيراً بتدمير الممتلكات، وكانوا دائماً “بوز المدفع” بعيداً عن أيّ مناطق أو محافظات أخرى كانت تُشارك في تدمير المراكز التي يتمّ فيها الاعتصام أو الاقتحام، وهذا ما أغضب حينها الكثير من الطرابلسيين الذين أقسموا على ألّا يُشاركوا في هذه الاعتصامات التي كان من الأفضل تنفيذها على أراضي مدينتهم المرهقة أساساً وتحتاج فعلياً إلى أكثر من 20 سريراً ولو من “قش” لستر عدد من العائلات السورية واللبنانية أيضاً التي باتت تنام في الشارع إمّا بسبب فقرها أو لعدم وجود مأوى مع غلاء الأسعار، خصوصاً وأنّ الكثير من هذه العائلات بات يعيش في منطقة المعرض وغالبيتها من النساء اللواتي يجلسن حتّى ما بعد منتصف الليل لشحذ الألف والألفين من المارة.

قد يكون “التنويم المغناطيسي” الذي يعتمده حرفوش عبر وسائل الاعلام التي تُمجّد مبادرات لا وجود لها على أرض الواقع، من أبرز الوسائل التي يُركّز عليها عبر شعارات محاكمة الفاسدين والديموقراطية، لكن نجزم بأنّ الطرابلسيين الذين لم ينتخبوه في أيّار الفائت، لم يندم أيّ منهم على هذا الخيار، فالندم الحقيقي أساساً بات يكمن في مشاركة أصواتهم عبر عملية ديموقراطية أعادت طرح بعض الشخصيات التي كان من الأفضل إخفاؤها عن الخريطة السياسية في المدينة التي تُواجه الأمرّين، وهذا ما يؤكّده عدد من المواطنين الذين يرون أنّ الحياة فيها باتت موتاً غير معلن، وما يزيد الطين بلّة غياب معظم النواب عن السمع، أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فأصبحت زيارته إلى طرابلس ومكوثه فيها ولو ليوم واحد إنجازاً يستحقّ التصفيق عليه.

شارك المقال