اجتهاد البيطار… التداعيات كثيرة والتنفيذ خلافي قضائي

هيام طوق
هيام طوق

خرقت مفاجأة عودة المحقق العدلي طارق البيطار ‏الى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت رتابة المشهد السياسي، بعد أكثر من عام عن كفّ يده، بحيث قرر العودة بناءً لاجتهاد قانوني ودراسة قانونية معللة ومبررة بمواد قانونية‎.‎‏ وتبعاً ‏لذلك، قرر إخلاء سبيل بعض الموقوفين، كما أفيد أنه سيدّعي على ‏ثمانية أشخاص بينهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا‎.‎‏ وأشارت ‏المعلومات الى أن النيابة العامة التمييزيّة ستتعاطى مع القرار الصادر عن ‏البيطار “وكأنّه منعدم الوجود” ما يعني أنّها لن تنفّذ قرار إخلاء السبيل ولا قرار الادّعاء. ‏وعلى الأثر، أحال وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري نسخة من مقتطفات قرار المحقق العدلي‎ الى ‏مجلس القضاء الأعلى. ‏

وفي وقت عُلم أن ‏المحقق العدلي كان شارف على إنهاء القرار الاتهامي في هذه الجريمة، فقد عيّن جلسات استجواب لكل من النائب غازي زعيتر والنائب السابق نهاد المشنوق في 6 شباط المقبل، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب في 8 شباط. وقرر ابلاغهم لصقاً بمواعيد الجلسات.

وفيما أفادت معلومات صحافية أن “النيابة العامة التمييزية ستعمم على الأجهزة عدم تنفيذ التبليغات وقرارات اخلاءات السبيل الصادرة عن المحقق العدلي التي تعتبرها باطلة”، نفت مصارد النيابة العامة التمييزية الادعاء على عدد من القضاة.

وأرسل النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات، كتاباً الى البيطار، جاء فيه: “إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ… بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون. بموجبه نؤكد لكم أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم”.

وفي قراءة قانونية لما يجري، أوضح نقيب محامي الشمال السابق محمد المراد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “ما صدر عن المحقق العدلي، يجعل من القانونيين ينظرون اليه بأكثر من وجهة نظر. الدراسة تناولت نقاطاً قانونية عدة تتعلق بصلاحياته وبالأسباب التي وضعها للعودة الى النظر في الملف. الكل يعلم أنه مرت أكثر من سنة نتيجة دعاوى وطلبات الرد ونقل دعوى ومخاصمة الدولة، هذا من حيث المبدأ، جعلت المحقق العدلي يتوقف عن متابعة السير بالملف بحكم الأصول القانونية المتبعة في لبنان وتحديداً أصول المحاكمات الجزائية والمدنية. في الدراسة القانونية التي وضعها، نرى أنه يعتبر مسألة توقف المحقق العدلي نتيجة طلبات الرد ونقل الدعوى أو المخاصمة انطلقت من حيثيات معينة. هذه الحيثيات حسب الدراسة تخوّله العودة الى متابعة التحقيق في ملف المرفأ. واستند الى قرار صادر قديماً عن الرئيس الأول القاضي فيليب خير الله. اذاً المحقق العدلي، تناول مواضيع عدة: الموضوع الأول، يتعلق بالمحقق الرديف والرد على ذلك من حيث تأليف المجلس العدلي كمحكمة والمحقق العدلي. واعتبر أنه بالنسبة الى المحقق العدلي ليس هناك من قاضٍ اضافي ولا قاضٍ رديف انما هو فقط المحقق العدلي المعين وأن هذه المسألة تلتصق بشخص المحقق العدلي، ليقول انه لا امكان على الاطلاق ليصار الى تعيين محقق رديف. هذا الأمر يشير الى أنه لا يجوز عرقلة العدالة سواء في ما يتعلق بالوصول الى كشف الحقيقة كاملة أو بما يتعلق بالموقوفين. وتجربة السنة كانت سيئة انعكست سلباً على الملف سواء بالنسبة الى أهالي الشهداء أو أهالي الموقوفين”.

أضاف: “اعتبر البيطار أنه يحق له العودة بعد أن وصلت الأمور الى حد الاستحالة في دفع الملف نحو انطلاقة جديدة وهو في الوقت نفسه متمسك بمتابعة النظر في هذه القضية. ثانياً، استمد من مبادئ قانونية، ومبدأ العدالة الذي يرتكز بصورة أساسية على السرعة في المحاكمة، ومبدأ عدم جواز عرقلتها وعدم جواز عرقلة العدالة. هذه مبادئ قانونية وليست نصوصاً. ذهب الى المبادئ ليستطيع أن يتغلب على النصوص ويصل الى خلاصة في دعاوى الرد والتنحي على اعتبار أنها مسائل توجيهية وليست الزامية بالنسبة اليه في ظل وضع قواعد ومبادئ قانونية يجب أن تحترم. احترامها هو تحقيق للعدالة وانصاف المعنيين بالقضية. ثالثاً، هو استند الى بعض المواد من أصول المحاكمات الجزائية بحيث أن هناك صلاحيات في هذه النصوص أعطيت للمحقق العدلي كما أعطيت للنيابة العامة التمييزية، ومنها موضوع الادعاء، اذ ليس الادعاء محصوراً بالمدعي العام أو بالنيابة العامة التمييزية انما القانون أعطاه هذا الحق بالادعاء، وهذا أمر صحيح، لكن ذهب البيطار أبعد من ذلك ليقول: طالما أن المدعي العام التمييزي يستطيع أن يدعي من دون الحصول على الاذن بالملاحقة بالنسبة الى الموظفين أياً كانت رتبتهم وطبيعة وظيفتهم، فهو ليس بالضرورة بحاجة الى اذن لملاحقتهم. وهو ذهب في هذا المسار، ليقول ان هناك من طلب الاذن لملاحقتهم ولم يعطَ الاذن. رابعاً، اعتبر أن هناك نواقص لا بد امن أن يستكملها في الملف، وبحسب المتداول أن هناك 8 أشخاص طلبهم بصفة المدعى عليهم انطلاقاً من اعتباره أنه يحق له أن يدعي على هؤلاء بمعزل عن موقف النيابة العامة”.

ورأى المراد أن ” هذا المسار الجديد ليس بالمسار السهل خصوصاً أن هناك آراء أخرى تقول ان هذا الاجتهاد لا أساس قانوني له. والتنفيذ ستترتب عليه نتائج، وربما اذا لم يمثل المدعى عليهم فيمكن أن يسطر بحقهم مذكرات توقيف كما يمكنه تحويلهم بالاستناد الى الأدلة والمعطيات الى المجلس العدلي. والمدعى عليهم الجدد في حال رفعوا دعوى عليه بالمخاصمة أو بالارتياب أو بالرد، يمكنه القول انه عطفاً على الاجتهاد الذي قدمه سيكمل بالملف خلافاً لما كان يجري في السابق. ربما انها المرة الأولى في لبنان، وعلى هذا المستوى، تطرح مسائل قانونية فيها الكثير من وجهات النظر. المسائل مستجدة وحديثة لأن طبيعة الملف وتفرعاته وحجمه فرضت متاعب جديدة لتكون محط بحث ونقاش وجدل وجدال”.

وأشار الى أنه “من خلال موقف المدعي العام التمييزي، يتبين بوضوح أن هناك اختلافاً جذرياً بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي حول القرار الذي أصدره البيطار. النيابة العامة التمييزية تعتبر أنه منعدم الوجود ولا أساس قانوني له، وبالتالي، لديها صلاحية عدم التنفيذ. هنا ستنشأ أكثر من اشكالية، وتنفيذ القرار سيكون موضع اختلاف قضائي. الاجتهاد ستكون له تداعيات على أكثر من صعيد: في ما يتعلق بالمفاعيل القانونية لموضوع الهيئة العامة لمحكمة التمييز وبالنسبة الى طلبات الرد، وتداعيات بالنسبة الى تبليغ المدعى عليهم، وسينتج عنه الكثير من الاشكاليات في الاجراءات حتى القضائية”.

شارك المقال