هل يختبر العالم حرباً باردة جديدة؟

حسناء بو حرفوش

هل يختبر العالم حرباً باردة جديدة وينقسم مجدداً إلى كتلتين معاديتين كما حدث خلال الحرب الباردة؟ يجيب سيرجي رادشينكو، مؤرخ الحرب الباردة والأستاذ في كلية الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكينز بالقول إن “العداء بين كتلة الدول التي يغلب عليها الطابع الديموقراطي ومعظمها غربية، وبين معسكر بكين وموسكو، على الأقل، يشبه بصورة سطحية حقبة الحرب الباردة بين كتلتين متنافستين”.

وشرح المؤرخ في مقابلة لموقع “فوكس” الالكتروني: “عندما غزت روسيا أوكرانيا في شباط الماضي، قال فلاديمير بوتين إن العالم سيشهد مواجهة بين حضارات الغرب وموسكو. أثار هذا الانقسام إلى معسكرين ذكريات الحرب الباردة، وكما في تلك الأيام، ناقش القادة الروس مرة أخرى علانية استخدام الأسلحة النووية.

ومع ذلك، هناك فرق كبير بين اليوم وفترة النصف قرن الذي مضى، بحيث تبدو موسكو أضعف بكثير من إمبراطورية ستالين وبريجنيف السابقة. وقد فشلت قوات بوتين في تحقيق جميع أهدافها تقريباً في أوكرانيا، كما أصبح العديد من الدول التابعة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية الآن أعضاء في الناتو. كانت أوكرانيا ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفياتي، لكن علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقوى من أي وقت مضى.

ومع ذلك، تذكر العديد من الاتجاهات الحديثة بملامح الحرب الباردة. أصبحت موسكو وبكين حليفين قويين، أقرب مما كان عليه الحال خلال الحقبة الشيوعية. ويسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ الى تحقيق طموحاته المعلنة صراحة لمعارضة القوة العالمية للولايات المتحدة. في غضون ذلك، اتخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ الغزو، سلسلة من التحركات لقطع العلاقات التجارية تماماً مع روسيا ووقف تطوير قطاع التكنولوجيا في الصين.

لكن إلى أي مدى تشبه الديناميكية السياسية العالمية اليوم الحرب الباردة؟ وفقاً لرادشينكو، هناك بعض أوجه التشابه وأيضاً اختلافات شاسعة. ارتبطت السمة المميزة للحرب الباردة بمفاهيم الجانبين المختلفة للحداثة وكيفية الوصول إليها. كانت هناك مناهج مختلفة لمفهوم الملكية والاقتصاد والتخطيط المركزي في الاتحاد السوفياتي والصين أو الاقتصاد الموجه نحو السوق في الغرب. التمييز الأيديولوجي اليوم هو الاستبداد مقابل الديموقراطية. هذا فرق كبير جداً، ولكن على مستوى الحياة اليومية، هناك الكثير من أوجه التشابه بين روسيا والصين والغرب.

وهناك فرق آخر مثير للاهتمام أيضاً وهو أن الروابط بين موسكو والغرب لم تكن قوية خلال الحرب الباردة كما هي اليوم. على الرغم من أن الغرب حاول طرد روسيا من الاقتصاد العالمي، إلا أنه لا يزال مرتبطاً بها بصورة معقدة. لا تزال الموارد الطبيعية تتدفق من روسيا، التي تعتمد على البضائع المستوردة، ولا تزال تتاجر مع العالم. هذه الروابط التجارية أقوى مع الصين، الذي إذا قورنت اليوم بالصين خلال الحرب الباردة، فالفارق تماماً كالليل والنهار. ظاهرياً، هناك أوجه تشابه بين هاتين الفترتين، ولكن إذا تعمقت، فسترى اختلافات كبيرة.

ولكن ماذا عن الأيديولوجيات، هل يمكن أن تعمل القومية كإيديولوجية موحدة لكتلة من الدول الحليفة؟ على سبيل المثال، لدى الثيوقراطية الايرانية عنصر قومي بارز. لكن هل هذه القوميات الضيقة تفرض قيوداً على أي تحالف؟ تقترب إيران مثلاً من روسيا وتزودها بالأسلحة للحرب ضد أوكرانيا. تجري روسيا والصين وإيران تدريبات عسكرية مشتركة. هذا توافق وليس تحالفاً. ما هو أساس هذا التوافق؟ الشراكة في أجندة معادية لواشنطن. ولكن أبعد من ذلك، لا تتقاطع اهتماماتها كثيراً. وتختلف الصين اليوم كثيراً عن الصين في الحرب الباردة. إنها أقوى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. مع تعزيز شي جين بينغ سلطته في الصين، ساءت العلاقات بين بكين والغرب. حتى قادة الاتحاد الأوروبي مثل مارغريت فيستاجر يتحدثون علانية الآن عن علاقة عدائية.

هل تلعب الصين اليوم الدور الذي لعبه الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة؟

الصين هي زعيمة الاصطفاف الجديد، لكن لا ندري إن كان لديها الطموح لتتحول للاتحاد السوفياتي الجديد. ليست الرؤية واضحة حول يفكر فيه الصينيون، ولا أعتقد أن الصينيين يعرفون ما يريدون. لقد اقترحوا سلسلة من الحيل مثل مبادرة الحزام والطريق. يتحدثون عن (الفوز للجانبين) و(الحلم الصيني). هذه الأشياء غامضة، وليس من الواضح ما إذا كانت تنطوي على تفكيك الهياكل القائمة للنظام الدولي. من المنظور الصيني، يبدو العالم أكثر فوضوية، ويحاول الصينيون الافادة من هذه الفوضى. لكن ليس من الواضح ما إذا كان لديهم السعي الأحادي التفكير نفسه الى التحول العالمي مثلما فعل الاتحاد السوفياتي من خلال الأيديولوجية الماركسية اللينينية.

بعد غزو أوكرانيا، شهد الغرب وحدة جديدة، مع إدانة ساحقة لبوتين ودعم كييف. لكن التضخم ارتفع بعد ذلك إلى مستويات عالية لم تشهدها منذ عقود، وتسبب الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة في احتجاجات في العديد من الدول الأوروبية. فكيف تبدو الوحدة الغربية اليوم؟ يقول الكثير من الناس إن عالم اليوم مختلف عن الحرب الباردة على وجه التحديد في هذا الصدد”.

شارك المقال