جمهورية “كل مين إيدو إلو!”

ياسين شبلي
ياسين شبلي

لم يكن ينقص الوضع في لبنان بعد أسبوع “قزاز العدلية” وجلسة الحكومة المكهربة وموقف بكركي منها، إلا قرارات القاضي طارق البيطار بداية هذا الأسبوع لتتأكد مقولة جمهورية “كل مين إيدو إلو”، فضلاً عن كونها جمهورية من “زجاج” كما كتبنا الأسبوع الماضي. هذه القرارات التي نتجت عن إجتهاد قضائي أعاد بموجبه القاضي نفسه إلى التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت، في خطوة جاءت بعد الاجتماع الذي عقده الأسبوع الماضي مع وفد قضائي فرنسي يتابع ملف تحقيقات المرفأ دفاعاً عن حقوق الضحايا الفرنسيين في الإنفجار ، وغداة مغادرة الوفود القضائية الأوروبية التي جاءت للتحقيق في شبهات تبييض الأموال وجرائم مالية أخرى، ما يدعو الى التساؤل عن توقيت هذه القرارات وإذا ما كان هناك من رابط بينها وبين زيارات الوفود القضائية الأوروبية المختلفة.

هذه التطورات تأتي لتؤكد أن البلد سائر نحو الفوضى في كل المؤسسات، حيث الدولة باتت كجسد بلا رأس، بينما السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب والتي تُعتبر مسؤولة عن “تركيب” رأس الدولة، هي اليوم معطَّلة من أطراف فيها بحجة تركيبة مجلسها العاجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية، ومُصَادَرَة تحت ذريعة المجلس سيد نفسه، ما أطلق صرخة إحتجاج وإعتصام من بعض النواب، تحول بعدها المجلس والبلد كله إلى ما يشبه أوتيل “صح النوم” الشهير في الليل، ومسرح دمى في النهار، في وقت يطغى الجمود على المشهد السياسي. فبإستثناء تحركات “حزب الله” التي بدأها بزيارة بكركي، ومن ثم كليمنصو وبالأمس ميرنا الشالوحي، ليس هناك ما يمكن أن يشي بأن الأمور “سالكة وآمنة”، مع الملاحظة بأن تحرك “حزب الله” إنما هو في إتجاه واحد، في حين أن الطرف الآخر من المعادلة يتمترس خلف مرشحه ميشال معوض من دون أي أفق جدي لترشيحه.

أما السلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة فحدث ولا حرج، فلا هي معلقة ولا هي مطلقة كما يقال، وتتعامل بالقطعة وكلٌ فيها يغني على ليلاه، ومع ذلك لا تسلم من سهام بكركي، مقر “البطريركية الدينية” التي تتبنى للأسف وجهة نظر ذلك القابع في مقره بميرنا الشالوحي، وكأن هذه الأخيرة باتت مقراً ل”البطريركية السياسية” للموارنة، الأمر الذي يدعونا الى التساؤل إلى متى ستبقى المرجعيات الدينية في هذا البلد، تنحاز الى السياسيين وتدافع عن خياراتهم على حساب الناس البسطاء، الذين باتوا يفتقدون الحد الأدنى من متطلبات العيش الآدمية؟

كل هذه التطورات إضافة إلى بعض حديث عن الأمن الذاتي في العديد من المناطق، وكذلك الحديث عن الفديرالية والتقسيم من بعض المتهورين عديمي المسؤولية الوطنية الذين لم يتعلموا شيئاً من التجارب الماضية، إضافة إلى الفلتان المالي والإضرابات في قطاع التعليم وحتى القضاء، والتعطيل المتعمد لتحقيقات المرفأ على مدى 13 شهراً من دون إيجاد أي حل لهذا الموضوع المتفجر، كل هذا يجعل ما قام به القاضي طارق البيطار أمراً غير مستغرب. لسنا هنا في وارد الدفاع أو الهجوم أو التبرير، لكنه الفراغ القاتل المخالف للطبيعة والذي لا بد سيأتي من يملأه بغض النظر عن الطريقة أو المضمون، فعندما تنعدم الحلول الشرعية السياسية والقانونية خصوصاً إذا كان الفعل متعمداً، يُفتح المجال تلقائياً للحلول “المشروعة” حتى وإن كانت غير “شرعية” بالمعنى السياسي والقانوني، فهنا قد تصح مقولة “العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم”، مع الإقرار بمشروعية الأسئلة الناجمة عن هذا التحرك وهي: هل بدأت مفاعيل التحقيق الأوروبي تنعكس على قضية المرفأ؟ وهل تجاوز البيطار بقراراته الخط الأحمر المسموح به داخلياً؟ وهل نحن في الطريق إلى إنفجار ما قبل التسوية الرئاسية؟ أسئلة متفجرة وواقع مسدود ومأزوم يبحث عن مخرج، والبلد على كف عفاريت السياسة والأمن والقضاء، اذ يُحكم فعلياً بطريقة “حارة كل مين إيدو إلو” من دون خجل أو وجل، حتى بات مجرد إسكتش تلفزيوني بغض النظر عن “هضامته” من عدمها، يستدعي رد فعل عنفياً بالقنابل والرصاص ضد الوسيلة الاعلامية التي تعرضه، من دون أي وازع أو رادع أو خوف، وهو ما يؤشر إلى مدى شعور الناس ب “هيبة” الدولة والسلطة، التي للأسف باتت تشبه سلطة “أبو كلبشة” طيب الذكر، بينما المتحكمون في البلد يشبهون تحالف الثنائي “غوار” المحتال و”أبو عنتر” القبضاي، أما الشعب فهو حسني البورظان البسيط الذي يتلقى الضربات من كل جانب، مع فارق بأن نزلاء أوتيل “صح النوم” وشخصياته هي شخصيات طريفة، ظريفة ومهضومة، أما الشخصيات في جمهوريتنا فالعياذ بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، ووقانا شر الأيام المقبلة.

شارك المقال