نواب التغيير… “فاتوا بالحيط”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“لا بتفلق بعرة ولا بتقطع شعرة” هذا المثل الشعبي يعبّر بوضوح عن أن خطوة بعض نواب التغيير للاعتصام في مجلس النواب لن تؤدي الى نهايات سعيدة، بإنتخاب رئيس للجمهورية، فالمسألة أكثر تعقيداً من القيام بنشاطات مدرسية لمشاغبين، بغطاء من “الأستاذ” أو بدونه. وما يثير العجب أن وفداً من “التيار الوطني الحر” قرر زيارة النواب المعتصمين، أي أن اللعبة تحت السيطرة والمسيطر بالطبع هو “حزب الله”، الذي يسعى إلى فرض مرشح يحمي ظهره ويكمل مسيرة “عهد جهنم”، فيحفظ له القرار الاستراتيجي في السيطرة على أمن البلاد والعباد وتغطية سلاحه وابقاء التدريب والتهريب، ومن أجل ذلك لا بأس من استمرار إذاقة اللبنانيين “الزوم المر” عبر التلاعب بسوق الدولار وإلهائهم بتحصيل لقمة العيش بدل الثورة على الأوضاع، وتخليص البلد من براثن الاحتلال الايراني المقنّع بصورة الثنائي وأحزاب الثامن من آذار العلمانية والعمالية والقومية.

جاء إعتصام نواب التغيير لا ليفتح ثغرة في جدار الأزمة على الرغم من تفاؤل البعض بهذه الخطوة، والترويج لدعم مستحق لها من شارع الثورة، بغض النظر عن النوايا الحسنة عند البعض منهم، ورغبة في تطبيق الدستور ومشاكسة رئيس مجلس النواب في العلن، لأن التمريرات من تحت الطاولة تحصل سراً وما لا يفهم في اللحظة ذاتها يجري فهمه لاحقاً ويسمى في السياسة اللبنانية بـ “تفهم وتفاهم”.

الملاحظ أن عدداً كبيراً من مجموعات الثورة لم يكن متحمساً لخطوة النواب التغييريين، خصوصاً أن الاحباط الشعبي كبير نتيجة سلوكياتهم والتعبير عن اختلاف رؤاهم وعدم توحيد مواقفهم من قضايا أساسية تعني البلد لا بل التباهي بها اضافة الى غياب البرنامج الموحد، والأساس كيفية التعامل مع كل ما يتعلق بدور “حزب الله” الذي يمثل قوة عسكرية تأتمر بأوامر الخارج، وتعمل وفق أجندات إقليمية معادية للمحيط العربي، لأن الخلاص من ازدواجية شرعية السلاح يكون بتنفيذ القرارات الدولية، وحماية الحدود من الفلتان بدءاً من تهريب السلاح وصولاً الى تهريب الكبتاغون والدولارات لإنعاش ايران وحلفائها، بحيث أن كثيراً من الشخصيات والأحزاب السياسية تحفظ لـ “حزب الله” ولاء النعمة، فتسكت عن تدخلات إيران، بينما تتشدق بالقرار الوطني المستقل، وفيما تهاجم سلطة المال وتحالف الفساد يتكشف أن كثيراً ممن تربوا على يديها يتاجرون بالدولار ضد الطبقة العاملة والمواطن الحر والشعب السعيد، لصالح حزب السلاح وحامي الفساد.

يدافع كثيرون عن أداء نواب التغيير الفاشل في أحيان كثيرة، ويتساءلون كيف يمكن لاثني عشر نائباً إحداث تغيير في بضعة أشهر في سلطة المافيا؟ ويعتبرون أن الاعتصام ليس مجرد تحرك من دون أفق، بل هو محاولة لوضع حد لجلسات مجلس النواب غير المنتجة والتي تزيد سرعة الانهيارات المعيشية المتلاحقة.

في المقابل، يشير البعض من مجموعات الثورة الى أن اعتصام النواب التغييريين الذي مضى عليه قرابة الأسبوع، لم ينجح في إيجاد آلية يكسر من خلالها الجمود السياسي وحالة المراوحة في تمثيليات جلسات المجلس النيابي، لأن قرار تعطيل انتخاب الرئيس مستمر من “حزب الله” الآمر الناهي، والذي يستطيع تأمين 85 نائباً لنصاب جلسة ينتخب خلالها الرئيس، لكنه لا يعترف بالعملية الديموقراطية ويريد أن يلحق الجميع بركابه فيتوافق على مرشحه الذي يحمي ظهره ويكون “شرابة خرج” للمرشد الايراني.

ويلفت هؤلاء الى أن “جهود البعض لتحريك الشارع دعماً لخطوة النواب المعتصمين كانت ضعيفة، ولم تحظَ بالدعم الشعبي لأن الناس في واد آخر وهي مكسورة الخاطر ومهدورة الكرامة ونواب التغيير بعيدون عن هموم الشارع”، متوقعين التراجع عن هذه الخطوة، كما تم التراجع سابقاً عن المبادرة الرئاسية التي طرحوها لانتخاب رئيس إنقاذي وإصلاحي وسيادي، وطارت مع الترشيحات والتصويت لشخصيات مختلفة خلال جلسات مجلس النواب التي عقدت لانتخاب رئيس حتى الآن، وكان واضحاً عدم اتفاق النواب الــ12 على مرشح واحد، وطرح الحوار حول مرشح توافقي علماً أن ذلك يعتبر تعطيلاً للديموقراطية ومخالفاً للدستور.

ومن الواضح أن خطوة الاعتصام لم تكن منسقة بل ارتجالية، وحتى لم يتم الاتصال بنواب المعارضة أو النواب السياديين، ومن هنا وصفها البعض بـ”المسرحية الهزلية” و”المشهد المسلي”، فيما ذهب آخرون الى إعتبارها خطوة تآمرية على الديموقراطية ركبت موجتها شخصية مثل عمر حرفوش أو تيار سياسي هو في الأساس يأتمر بالورقة البيضاء ويعطل الحياة السياسية طمعاً بمنصب أو صفقة أو وظيفة.

كذلك يرى هؤلاء أن الأداء المميز للنواب التغييريين كان يجب أن يظهر عندما قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري تفسير الدستور وفقاً لمفهومه الشخصي، ويقاطعوا الجلسات، بدل الدخول في بازار الترشيحات والمزايدات والتسلية.

من هنا، يعتقد البعض أن خطوة النواب التغييريين لن توصل الى شيء بل طريقها مسدود، ولن تستطيع قلب المشهد القائم حيث لا عدالة والسطو على أموال المودعين مستمر من المصارف، والمحاصصة موجودة لتأمين مصالح الطبقة الحاكمة وأحزابها، في حين أن اللبنانيين محرومون من الغذاء والدواء والعلم، في ظل غياب أي مشروع سياسي تغييري حقيقي يؤمن إنتفاضة شعبية ضد الاحتلال الايراني ويضع السلاح غير الشرعي بأمرة الجيش ويلغي ميليشيا “المقاومة” التي تقاتل العرب في أرض العرب.

شارك المقال