الأمين لـ”لبنان الكبير”: “الرؤية البديلة لمناهج التعليم” ترسم التغيير المطلوب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

عملت مجموعة من الكادرات التعليمية والأكاديميين وفق منهجية علمية ودقة في تشخيص مشكلة التعليم ووضع الحلول العملية لتعديل المناهج، على إنجاز دراسة تضمنت رؤية بديلة لما سمي بـ”الإطار الوطنيّ اللُّبنانيّ لمنهاج التعليم العامّ ما قبل الجامعيّ”، الذي عُدِّل خمس مرات، واستغرق العمل عليه أكثر من خمس سنوات وأُنفقت عليه نحو سبعة ملايين دولار بقرض من البنك الدولي. وجرى الاسراع في إقرار النسخة الخامسة في نهاية العام المنصرم، بعدما تغيرت اللجان أكثر من مرة، وذلك خوفاً من خسارة القرض المرصود لوضع المنهاج في لبنان.

الرؤية البديلة وضعت تشخيصاً للمشكلة التربوية وأزمة النظام التعليمي في لبنان، والقضايا التي لا بد من معالجتها لاصلاح المشكلات القديمة أو المستجدة نتيجة الأزمات الحالية التي يمر بها لبنان اليوم وتترك إنعكاساتها السلبية على الواقع التعليمي، في ظل سياسات تطويع المؤسسات التربوية وفقاً لسياسات الأحزاب وغياب الدولة وانتاج تسويات تربوية ضربت أسس التعليم الوطني.

“لبنان الكبير” حاور الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان الأمين حول هذا الانجاز الذي حمل رؤية فيها مسؤولية بيّنت ضرورة التفكير والعمل في الشأن التربوي بطريقة مختلفة كي لا تنتج المزيد من الهوة في المجتمع. لكن ذلك بحسب الأمين يحتاج إلى حكم من نوع آخر، يسير بالشأن التربوي في اتجاه آخر، من أجل مصلحة أبناء لبنان في المستقبل.

وهنا نص الحوار:

*اعتبرتم أن وثيقة المركز التربوي للبحوث والإنماء حول “الإطار الوطني اللبناني لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعي” التي وضعت بالتعاون مع البنك الدولي، شكلية ولا تجيب عن أي قضية من القضايا أو تضع حلاً للمشكلات التعليمية لماذا؟

ــــ تُعتبَر هذه الوثيقة ذاتَ طابعٍ مكتبيّ أو شكليِّ لأنها لا تُجيب عن أيِّ قضيَّة من قضايا التعليم فيه، القديم منها (كتعليم التاريخ، والتفاوت الاجتماعيّ، إلخ) والمتراكَم منها (تدهور النوعيّة) والمستجدّ منها (الخسائر التربويّة التي مُنِيَ بها القطاعُ التربويُّ خلال السنوات الأخيرة، على مستوى تعلُّم الطلّابِ وعلى مستوى عملِ المعلِّمين، إلخ). هي أشبه برسم هندسي لمنزل يمكن أن يبنى في أي مكان في العالم، ولا يمكن تنفيذه عملياً في الوقت نفسه لأنه غير مستند الى معرفة الناس الذين يسكنونه. ما سمي “الإطار الوطنيّ” اليوم يؤكد على اتباع منهج التسويات في اتِّخاذ القرارات في القطاع التربويّ كما في سائر القطاعات، كالمال والكهرباء والماء والاتِّصالات، إلخ.

انطلاقاً من هنا عملنا كمجموعة من الأكاديميّين على بلورة رؤية بديلة تقوم على أربعة أركان: أوَّلها، وجود مبادئ كبرى حاكمة لبناء المناهج، وهي مبادئ عالميّة ذاتُ حقلٍ تطبيقيّ خصبٍ في المجتمع اللُّبنانيّ. ثانيها، التكامل بين تطوير المناهج وتطوير سائر مكوِّنات النظام التربويّ. ثالثها، اعتبار التعليم الأساسي وحدةً متكاملةً يجب تصوُّر ملامحِه ونواتِجِه. ورابعُها، مقترحات التطبيق على مستوى سيرورة بناء المناهج، ومستوى مضامينها وأساليب التنفيذ والطبيق من اللِّجانِ والمؤلِّفين والمديرين والمعلِّمين والطلبة.

لقد رأينا ضرورة تقديم بديل جدي في هذه الورقة لرسم التغيير المطلوب في المناهج والذي هو جزء من التغيير الذي جرت المطالبة به في إنتفاضة 17 تشرين.

*ما هي إشكاليات التعليم في لبنان التي ترونها ضرورية للبحث؟

ــــ النظام التعليمي في لبنان تدهور مثله مثل النظام الاقتصادي والنظام السياسي بصورة مريعة في السنوات الأخيرة، فكيف نضع منهجاً وكأن شيئاً لم يكن؟ القضايا كثيرة وتركز الورقة على أبرزها: أولاً التفاوت الاجتماعي، فالدستور اللُّبنانيّ يُعطي الطوائفَ في لبنان الحقَّ بإنشاء مدارسها الخاصّة، وهذا يقع في باب العدالة، لكنَّه لا ينصّ على الحقِّ بحصول جميع أبنائه على فرص الحصول على التعليم الأساسي طبقاً لمبدأ الإنصاف. هذا التفاوت تفاقَمَ بصورةٍ هائلة مع التطوُّرات التي يشهدها لبنان، والواقع الحالي يُشير إلى تراجعٍ شديدٍ في التنشئة على العدالة والإنصاف في المدارس اللُّبنانيّة.

ثانياً: الاندماج الاجتماعي، لبنان بلد متنوع ومتعدد، وسياسة الاندماج الاجتماعيّ تجمع بين التنوُّع والاختلاط والاعتراف المتبادَل وتكافؤ الفرص، وتقوم على الثقة بالدولة، وإتاحة فرص التغيير للجميع بالأساليب التي يكفلها القانون. وكلّها من شروط التماسك الاجتماعيّ، وتشكل بديلاً عن التفكُّك، ومن شروط الانتماء إلى وطن، ما فوق الجماعات.

ثالثاً: نوعية التعليم: تُظهِر الاختباراتُ العالميّة أنَّ مستوى الطلبة في لبنان يتراجع باضطراد، وأنّ هناك تفاوتاً كبيراً بين المدارس والمناطق والقطاعين الرسميّ والخاصّ. ويُلاحَظ أنَّ وزارة التربية لم تنشر يوماً أيَّ تقرير يُشخِّص هذا التراجع وماهيّةَ التدابير التي يجب اتخاذُها لمعالجة هذا التدهور، ولم يصدر أيُّ تقرير حكوميّ يُحدِّد الخسائرَ التعلميَّةَ الناجمة عن الأزمات التي تعصف بلبنان وتجاهل حصول هذه الأزمات وعواملها ومضاعفاتها على النشء اللبنانيّ عند تصميم مناهج جديدة، وهو ما يدلّ على انعدام الرؤية وإدامة الوضع القائم.

رابعاً: تسلّل المناهج غير الرسمية، للأحزاب السياسية، إلى المدارس: المدرسة هي المؤسَّسة الوحيدة بين مؤسَّسات التنشئة الاجتماعيّة التي يقع صلبُ عملِها ضمن حقل الشأن العامّ والمصلحة العامّة، وطبقاً للأهداف المعلنة للمنهج الرسميّ الصادر عن السلطات العامّة في لبنان. فإن أيُّ تسلُّل للمنهج غير الرسميّ أو غير النظاميّ الذي تبثُّه الأحزاب أو الجماعات السياسيّة داخل المدرسة يُعتبَر معاكساً للشأن العامّ ومخالفاً للقانون.

* اتهمتم السلطة التربوية بالعمل وفقاً لقاعدة توزيع الحصص السياسية، في تركيبة اللجان، وهو ما يؤدي في النهاية الى استنتاجات غير علمية، كيف يظهر ذلك؟

ــــ تشكل لجان المناهج وفق ما جرت وتجري العادة على قاعدة التمثيل السياسي للأحزاب والقوى النافذة، وهذا يمنع التفكير العقلاني، ويفضي الى تسويات وتوزيع الحصص في التكليفات وفي الخيارات المتعلقة بالمعارف والقيم التي يجب أن تُعلم للطلبة. وكله يعني السير قدماً في الوضع الحالي في تفككه ورداءة نوعيته. فطريقةَ وَضْعِ الإطار وبناءِ المناهج، جرت على قاعدةِ الحصص السياسيّة في تكوين اللِّجان، لتوزيع المغانِم والضبطِ السياسيِّ المُسبَق، وهو ما أدى إلى استبعاد العمل الفكريّ الأكاديميّ.

* كبديل طرحتم كباحثين تربويين رؤية مختلفة لاحداث التغيير المطلوب في المناهج، على ماذا بنيتم وجهة نظركم وما هي مقترحاتكم؟

ـــ النص كله يعبّر عن وجهة نظرنا، ويزخر بالأفكار البديلة والمقترحات، إن لجهة محتوى المناهج والكتب المدرسية (الفقرات 11-18) أو لجهة التنظيم الداخلي للمناهج (فقرة 10- تماسك المناهج) أو لجهة طريقة تكوين لجان المناهج (فقرة 8-المشاركة) أو لجهة العلاقة الوثيقة بين تعديل المناهج وإجراء التغييرات المناسبة في سائر مكونات النظام التربوي (فقرة 4-التكامل).

* هل تتوقعون أن يؤخذ بها، وهل هي قابلة للتحقق في بلد همومه كثيرة اليوم وهم التعليم في أسفل الاهتمامات؟

ــــ كلا لا نتوقع شيئاً من الحكومة القائمة، ونحن لا نخاطبها أصلاً، ولن نرفع لها هذه الورقة. ما قمنا به هو صياغة “رؤية” مختلفة عن كل ما ساد في إدارة الشأن التربوي في لبنان منذ عقود. شعرنا أن من واجبنا وحقنا أن نخاطب الرأي العام عموماً، وجميع المهتمين بالشأن التربوي وبمستقبل لبنان، ونقول لهم: نعم هناك قاعدة أخرى للتفكير والعمل في الشأن التربوي. هذه هي نواتها المقترحة. ويحتاج الأمر إلى حكم من نوع آخر، لكي يسير بالشأن التربوي في اتجاه آخر، من أجل مصلحة أبناء لبنان في المستقبل. وحال القطاع التربوي اليوم كحال سائر القطاعات، كلها ذات أولوية.

مجموعة العمل:

عدنان الأمين أستاذ في الجامعة اللبنانية، سلام بدر الدّين مديرة دار المعلِّمين في النبطيّة سابقاً، بانة بشّور أستاذة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، صَوْما بو جوده أستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت، نايلة خضر حمادة اختصاصيّة في تعليم التاريخ وعمر قيسي أستاذ في جامعة أدنبره – إسكوتلاند.

شارك في كتابة بعض الفقرات: مها شعيب أستاذة في جامعة كامبريدج، عادل قديح أستاذ في الجامعة اللبنانيّة وهيثم قطب أستاذ في الجامعة اللبنانيّة.

شارك في مناقشة هذه الورقة وقدَّم اقتراحاتٍ بصددها: أمل بو زين الدين أستاذة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، غادة جوني أستاذة في الجامعة اللبنانية، نضال جوني محاضرة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، فادية حطيط أستاذة في الجامعة اللبنانيّة، بشار حيدر أستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت، سوزان عبد الرضا أستاذة في الجامعة اللبنانية، سيمون عبد المسيح أستاذ في الجامعة اللبنانية، باسل عكر أستاذ في جامعة سيدة اللويزة، منى فواز أستاذة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، جنان كرامي شيا أستاذة في جامعة البلمند وريما كرامي عكاري أستاذة في الجامعة الأميركيّة في بيروت.

هنا نص الرؤية كاملاً:

للإطلاع على الرؤية إضغط هنا

شارك المقال