ابراهيم حطيط… النمذجة المناخية في البحر الأحمر

حسناء بو حرفوش

يتولى البروفيسور إبراهيم حطيط قيادة فريق يعيد كتابة تاريخ البحر الأحمر والخبايا التي يمكنه إطلاعنا عليها حول المستقبل والقضايا الأشمل التي تواجه العالم، حسب ما نقل مقال في موقع صحيفة “إندبندنت” (independent) البريطانية.

ونقرأ في المقال الموقع بقلم ويليام هوزي: “افتتحت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أبوابها على ضفاف البحر الأحمر في العام 2009. ويشكل هذا الصرح المترامي الأطراف موطناً لعلماء من جميع أنحاء العالم، ونقطة جذب بفضل تكريس الابتكار والاستدامة.

ولا تقصر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التعليم على الأقسام، مما يشجع التلاحم الأكاديمي ويعزز نهج التعلم متعدد التخصصات. كما أنها تعمل بصورة وثيقة في إطار المشاريع الوطنية التي تشكل جزءاً من مبادرة السعودية الخضراء، التي تسعى الى دفع العمل بشأن أزمة المناخ. وهي تعمل بالشراكة مع مشروع نيوم (NEOM) على أكبر حديقة مرجانية في العالم، بالتزامن مع دعم المبادرت الصحية الذكية لشركات التقنية العالمية الناشئة. ويسعى أحد المشاريع في هذا السياق، حالياً في بوسطن، الى تطوير لقاح للمساعدة في مكافحة متحورات فيروس كورونا.

وحققت الجامعة اختراقات كبيرة في غضون أربعة عشر عاماً فقط. ويمكن القول إن الاختراقات في النمذجة المناخية، وهو المجال الذي يرأسه الأستاذ إبراهيم حطيط، هي الأكثر إثارة للإعجاب. وينحدر البروفيسور حطيط، وهو لبناني الأصل، من عائلة من العلماء. تركز اهتمامه بعد دراسة الرياضيات في غرونوبل الفرنسية، على التطبيقات الأكثر عملية ولا سيما على كيفية مساعدة الرياضيات في دراسة المحيط وفهمه بصورة أفضل.

وبعد حصوله على الدكتوراه، أمضى حطيط ثماني سنوات كباحث في معهد (سكريبس) لعلوم المحيطات في سان دييغو. وهو يعمل ضمن فريق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية منذ افتتاحها، وأجرى بحثه باستخدام معادلات نافييه – ستوكس (Navier-Stokes) المعقدة، والتي تحاكي تدفق السوائل، لتطوير الصيغ التي تعيد بناء الحركة في البحر الأحمر خلال الأعوام الأربعين الماضية.

البروفيسور إبراهيم حطيط
البروفيسور إبراهيم حطيط

ويكشف هذا البحث عن أفضل السبل لتحسين استخدام البحر الأحمر كمورد طبيعي. فالبحر يفقد مترين من المياه سنوياً نتيجة للتبخر، وتسمح البيانات التي جمعت في جامعة الملك عبد الله لمقدمي الخدمات في الدولة بموازنة اعتمادهم على الطاقة الهيدروليكية مع الحفاظ على النظام البيئي البحري.

كما تسمح البيانات لمنشآت الحوسبة الفائقة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بتفادي الكوارث المحتملة. وعلى سبيل المثال، كان انفجار ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر في العام 2019، قد تسبب بحدوث تسرب بالقرب من جدة على بعد ساعة فقط من الجامعة. حينها، سمحت التقنيات المتطورة بتحديد كيفية انتشار النفط (بناءً على التيارات) بصورة دقيقة، مما يسمح للسلطات السعودية بكبح الضرر من خلال اتخاذ تدابير دفاعية. يعلّق البروفيسور حطيط: (أنا فخور بنظام النمذجة والتنبؤ الفريد الذي أنشأناه والذي نستمر بتحسينه).

ويعد الاحتباس الحراري مصدر قلق كبير للجميع في جامعة الملك عبد الله، ولعلماء المحيطات على وجه الخصوص. لكن بحث البروفيسور حطيط يحمل في طياته نتائج تبعث على الأمل، وتشير إلى أنه على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في البحر الأحمر، تبقى العوامل المؤثرة على المعدل مثيرة للاهتمام.

ويشكل البحر الأحمر حالة مستقلة بحد ذاتها، ونظراً الى كونه البحر المداري في أقصى شمال العالم، يغتني نظامه الايكولوجي بالمغذيات، التي تحركها التيارات التي تتغير مع الرياح الموسمية من قاع المحيط الهندي. ويصبح الماء فيه أكثر برودة كلما اقترب من السطح، وأكثر دفئاً كلما زاد عمقاً. يشكل التباين بين السخونة والبرودة، وأنواع العوالق المختلفة التي تزدهر في درجات حرارة متباينة، الثروة الفريدة للبحار الاستوائية والتي تضمن استمرار ازدهار الشعاب المرجانية.

وشكل الثوران البركاني لجبل بيناتوبو في الفلبين في العام 1991 طبقة من الضباب العالمي تسببت بانخفاض درجات الحرارة العالمية بما يصل إلى 0.5 درجة مئوية في العام التالي. يقول البروفيسور حطيط: (نظراً الى أن بيانات الأرصاد الجوية الخاصة بخرائط المحيطات لدينا ترصد على نطاق عالمي، تمكنا من تحديد الرابط بين الثوران البركاني وما حدث في البحر الأحمر).

رسم بياني يمثل برودة البحر الأحمر عقب ثوران بركان جبل بينابوتو عام 1991. (البروفيسور إبراهيم حطيط / كاوست)

وتعمل التكنولوجيا في (كاوست) على إعادة صياغة حدث العام 1992 بالتفصيل. يوضح البروفيسور حطيط: (عندما أصبح الماء بارداً على السطح نتيجة لانخفاض درجة الحرارة العالمية، ازدادت كثافته ونزل إلى الأعماق). انتقل الماء البارد من المياه الضحلة إلى الأعماق. هذا أمر بالغ الأهمية، كما يلاحظ الخبير، لأن امتصاص المغذيات من العوالق النباتية، التي تشكل شريان الحياة للسلاسل الغذائية في المحيط، يتأثر مباشرة بدرجة حرارة الماء.

ويحدث التباين في درجات الحرارة – حيث أشار البروفيسور حطيط إلى أن (هذا النوع من الظاهرة مهم لأنه يقوم بتهوية المياه العميقة وإعادة ترطيبها). يشير البحث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلى تغييرية عقدية في درجة حرارة سطح البحر الأحمر، مرتبطة بتأثير دورة السبعين عاماً في شمال المحيط الأطلسي، والمعروفة باسم التذبذب الأطلسي متعدد العقود (AMO). يقترح البروفيسور حطيط وفريقه تبريداً جديداً للبحر الأحمر في العقد المقبل، قبل أن يصل إلى مستويات جديدة في الثلاثينيات.

ومن المرتقب أن ترتفع حرارة البحر الأحمر على المدى الطويل، لكن الفريق الذي يقوده الأستاذ حطيط يؤمن بأن التذبذبات من عقد إلى آخر تؤدي إلى وتيرة متغيرة. ويأمل الباحثون في أن تبطئ مبادرة السعودية الخضراء هذه الزيادة، مع ابتكارات مثل احتجاز الكربون والمشاريع التجديدية المختلفة على طول الساحل، مما يساعد على تحقيق التوازن بين الانسان والطبيعة”.

المصدر: Independent

شارك المقال