مواجهة نادرة لبري… التوافق أو فرنجية أو الانفجار!

محمد شمس الدين

ربما كانت من المرات النادرة التي يرى فيها اللبنانيون رئيس مجلس النواب نبيه بري يتكلم بلغة المواجهة، والأمر ليس كيداً، بل لأن البلد لم يعد يحتمل. أعطى بري فرصة حقيقية للتوافق من أجل حل أزمة الاستحقاق الرئاسي، وبقي طوال مدة الفراغ منذ تشرين الأول ينتهج لغة الحوار والجمع، ويتجنب الخوض في المعارك الاعلامية مع أي فرقاء آخرين، وإن صدرت بيانات عنه أو عن مكتبه، فكانت فقط لتصحح المغالطات الواردة في التصاريح التي كانت تهاجمه، أو تلك التي تفتي في الدستور وفق أهوائها. وعلى الرغم من التصويب والهجوم استطاع بري السير بين الألغام، محاولاً إيجاد حل وانتخاب رئيس للجمهورية في ظل تشدد كل الأطراف في مواقفها، إلا أنه مع نهاية الشهر الأول من السنة، رفع “كارت” المواجهة، وأعطى فرصة أخيرة لكل الأطراف، تحديداً الفريقان المسيحيان، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، إما أن تتجهوا إلى التوافق، أو سنلعب اللعبة الديموقراطية كما تطلبون شعبوياً، والفوز أقرب لنا من لكم.

يلاحظ أن “حزب الله” تراجع في ملف الاستحقاق الرئاسي خلف الرئيس بري، لأن موقعه وعلاقاته تسمح له بهامش مناورة كبير، فلا يمكن للحزب مثلاً أن يتحاور مع أعضاء تكتل “الاعتدال الوطني” في هذا الملف ويقربهم من موقفه، وحتى بعض المستقلين الآخرين، بالامكان إقناعهم عبر بري أكثر من الحزب، وطبعاً رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الصديق القديم لبري الذي يمكن أن يقنعه بانتخاب فرنجية أكثر من الحزب، لهذا يتصدر المشهد، فهو الذي يتصل ويناقش ويحاور ويستقبل ويرسل الاشارات باتجاه جميع الأطراف.

يرى فريق “8 آذار” أن باستطاعته الوصول إلى 65 صوتاً وأكثر قليلاً، وتبقى الأمور معلقة على نصاب الـ 86، على الرغم من أن رغبة رئيس المجلس شخصياً أن يحظى رئيس الجمهورية بثلثي الأصوات وأكثر، كي يبدأ عهده من دون تصويب منذ اللحظة الأولى، ولكن إذا تعذر ذلك، فسيقبل حتى لو بالنصف زائد واحد. وقد حقق بري رغبة القوى التي تدعم ميشال معوض، عندما نقل عنه أن جلسات الانتخاب ستكون متتالية حتى انتخاب الرئيس، ولكن بما أن الحظوظ في صالح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فقد أعلن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع أنه قد يعيد النظر في مواقفه السابقة، بناء على الأداء التعطيلي للفريق الآخر، أي أنه إذا أحس أن فرنجية سيصبح رئيساً، فقد يتجه إلى تعطيل النصاب مثلما فعل “حزب الله” وحلفاؤه، وسيسير معه في هذا الأمر “التيار الوطني الحر” تحت عنوان الدور المسيحي، وعندها قد تعود الدوامة من جديد.

أما عن قائد الجيش العماد جوزيف عون، واعتباره مرشحاً توافقياً، فلا فيتو من الرئيس بري ولا حتى من “حزب الله” عليه، إلا أن من المرجح تعذر الحصول على العدد الكافي أي ثلثي مجلس النواب، لإقرار تعديل دستوري لانتخابه، تحديداً في ظل الحرب التي يشنها عليه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وحتى أن العديد من القوى من التغييريين والمستقلين، أعربوا مرات عدة عن نفورهم من فكرة ترشيح قائد الجيش، لا لشخصه، ولكن لأن ذلك أصبح شبه عرف، عندما يفشل السياسيون في الاتفاق، يتجهون الى ترشيح قائد الجيش كتسوية، وبرأيهم أن هذا الأمر أثبت فشله على مدى السنين، لأنه لا ينتج حلاً حقيقياً.

أما إقليمياً، فليس هناك رفض فعلياً لا لفرنجية ولا لأي شخص آخر، بل ان فرنجية يعتبر مقبولاً عند غالبية القوى الاقليمية والدولية، وهو يمتلك علاقات ممتازة معها، ولكن الأمر ليس بالعلاقات الشخصية الجيدة، بل ان الإقليم تغيرت مقاربته للملفات، ولا سيما الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي على الرغم من أنها لا تمانع وصول فرنجية، بل هي لا تعارض وصول أي شخصية بالمطلق، إلا أنها لا تؤيد وصول أحد ما مثلما كانت تعطي مباركتها سابقاً، وتشير أجواء المملكة الى أن تعاملها مع الملفات أصبح على القطعة، وهي لن تبارك ولن تحارب إلا بعد تجربة الأداء، والأمر ليس متعلقاً بالاستحقاق وحسب، بل بما بعده، وخصوصاً رئاسة الحكومة وشكلها، والتي يجب أن يكون رئيسها ووزراؤها يوحون بالثقة للمجتمع الدولي، لا أن تكون مثل بعض الحكومات السابقة في العهد البرتقالي الذي كان له دور كبير في اهتزاز علاقات لبنان بمحيطه.

بناء على كل هذه المعطيات قد ينتخب فرنجية رئيساً، على الرغم من أن الكتلتين المسيحيتين الكبريين تعارضان انتخابه، وتعتبران أنه ضرب للوجود المسيحي، إلا أن المشكلة برأي بقية القوى، هي الخلاف الماروني – الماروني، فلو أن “التيار الحر” و”القوات” اتفقا لما كانت الأمور وصلت إلى ما وصلت اليه، بغض النظر عن أن الثنائي المسيحي لم ينتخب لا الاجماع الشيعي ولا التوافق السني، وبغض النظر عن أن فكرة الرئيس الأكثر تمثيلاً لطائفته هي بدعة جديدة لم تكن قاعدة في كل تاريخ لبنان، إلا أن توافق الحزبين المتناحرين كان ليفرض عدم تخطيهما.

الوضع الاجتماعي والمعيشي لم يعد يحتمل، وقابل للانفجار في أي لحظة، ولهذا السبب حمل رئيس المجلس جمرة المواجهة، وإلا لكان حاول أكثر فأكثر بدفع الجميع نحو التوافق، ولكن المعادلة الآن هي التوافق، والفرصة لا تزال موجودة، المواجهة، أي انتخاب فرنجية بـ 65 صوتاً، أو الانفجار، وذلك في حال استمرت المراوحة، أو استطاع المعترضون على فرنجية أن يعرقلوا الانتخاب. وفي هذا الاطار، تشير مصادر “لبنان الكبير” الى أن ترشيح فرنجية سيكون لانتخابه ولن يكون طرحاً عبثياً فقط، أي أنه عندما يتم ترشيحه رسمياً سيكون حتماً رئيس الجمهورية، ولذلك لم يرشح رسمياً، كمحاولة أخيرة للدفع باتجاه التوافق، والساعة بدأت تدق، وعلى الأرجح لن تتخطى شهر شباط.

شارك المقال