“مرحلة الوحش” الحقيقية

محمد شمس الدين

يسمع اللبنانيون عن “مرحلة الوحش” منذ أن بدأت الأزمة قبل ثلاث سنوات، كلما ارتفع سعر الدولار وأسعار السلع المختلفة تحديداً المحروقات، تنتشر تعليقات وتصريحات عن أن البلد دخل “مرحلة الوحش”، وحتى أن المصطلح تم التداول به عند البدء برفع الدعم عن السلع الأساسية، ولكن ما معنى “مرحلة الوحش” وهل اقترب حقاً لبنان منها؟

“مرحلة الوحش” مصطلح يستعمل في الألعاب الالكترونية، منذ عصر الأتاري والفليبر، وحتى عصر الحاسوب والـ”بلاي ستايشن” وكل منصات الألعاب الالكترونية، بحيث تكون اللعبة إجمالاً على مراحل عدة، والمرحلة الأخيرة فيها تكون عادة الأصعب، وفي نهايتها يجب أن يقاتل اللاعب ضد “الوحش” أو الـ “boss”. ولكن على الرغم من كل ما حصل فإن البلد لم يدخل هذه المرحلة فعلياً، ربما يلعب اللبنانيون لعبة بصعوبة درجة “hard” أو “brutal” أي الدرجات التي تكون عادة الأكثر صعوبة في اللعبة، ولكن “مرحلة الوحش” الحقيقية لم تبدأ بعد، إلا أنه كانت هناك تلميحات عنها تنذر بما يمكن أن ينتظرهم في هذه المرحلة.

فعلى الرغم من أن الرواتب بالكاد تكفي ثمن الخبز، واللبنانيون يعيشون في الظلام مع غياب الكهرباء والارتفاع الصاروخي في فواتير المولدات، وقد يموت البعض على أبواب المستشفيات، وجيل المستقبل قد يكون بلا تعليم، وعلى الرغم من كل المصائب وفقدان الخدمات في البلد، إلا أن أبناءه المغتربين، لا يزالون يمدون ذويهم بجرعات حياة من الخارج، وهذا ما يبقي البلد حياً، بل هذا سبب أساس لعدم خروج الناس إلى الشوارع في ثورة حقيقية تقلب كل شيء رأساً على عقب، أما إذا غابت هذه الجرعات فعندها يصبح البلد فعلياً في “مرحلة الوحش”، وهذا ما يمكن أن يحصل مستقبلاً، فالعقوبات الأميركية الأخيرة على بعض الأشخاص، لأول مرة في تاريخها تذكر المصرف المركزي، وقد ذكرته 5 مرات، وكأن الادارة الأميركية تريد لي الذراع لا قطعها، أما إذا أرادت أن تفعل، فهي بكل بساطة تفرض عقوبات شاملة على لبنان، بدءاً من السياسيين وحتى كل المؤسسات على رأسها المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة، ويمكن أيضاً أن تفرض توقف عمل شركات تحويل الأموال من الخارج، لتترك البلد لعصابات نظام “حوالة” غير الشرعي، الذي يأخذ من يعملون به عمولة كبيرة قد تصل إلى 40%. هذه هي “مرحلة الوحش” الحقيقية، عندما تتوقف آخر جرعات الحياة في البلد، ويتعرض لحصار مالي شامل.

بعض البلاد استطاع الصمود على الرغم من العقوبات الأميركية، ولكن عبر علاقات متينة مع دول لا تنفذ هذه العقوبات، عدا عن أنها إما تكون ذات إنتاج داخلي جيد يمكن الافادة منه عبر حسم على أسعاره، أو تساهم في مصلحة ما للدول التي لا تنفذ العقوبات الأميركية، ولكن بالتأكيد فان لبنان لا يمكنه الصمود أمام عقوبات وحصار مالي شامل، كون انتاجه لا يستطيع أن يحل محل الأموال الخارجية، عدا عن أنه سيشهد نقصاً كبيراً في كل السلع، ويتحول إلى بلد كما في فيلم يتحدث عن ناجين بعد نهاية العالم.

هل المصير محتوم وأميركا هي القدر؟ بالتأكيد لا، بل ان لبنان ليس بحاجة حتى الى دول تعاديها ليستطيع تجنب هذا المصير، لو أنه يرمّم علاقاته مع محيطه، بداية مع جارته الأولى سوريا، وحتى كل الدول العربية، فالسياسة ومصالح البلد لا تتوقف عند الكيدية والمصالح الفئوية لدى بعض الأشخاص. كل البلاد تعمل وفق مصالح الوطن العليا، إلا ربما في لبنان، الذي يتخذ مواقف قد تضر بمصلحته، اذ لا يجب التشدد في المواقف إلا إذا كانت لمصلحة البلد، فمثلاً إذا كانت مصلحة لبنان تقضي بإدانة روسيا والوقوف مع أوكرانيا فلتكن كذلك، أما إذا كان من مصلحته تأييد روسيا فليفعل، وإذا كانت مصالحه تتأثر في حال أخذ موقفاً فيستطيع الامتناع عنه، كما تفعل دول عديدة اليوم، ويصدر موقفاً ديبلوماسياً ينادي بالحلول السلمية لكل النزاعات.

ولكن قبل المواقف في السياسة يجب أن يبدأ لبنان بإصلاحات شاملة، تستطيع أن توصل انتاجه إلى حد مقبول تحديداً في الزراعة، التي هي أساساً الأمن الغذائي، والأهم من ذلك كله، تنظيف البلد من المافيات التي تقتات على لحم الأزمات، عندها يمكن أن تكون هناك فرصة لينجو من عقوبات وحصار شامل.

وللأسف يجدر التفكير في هذا الأمر بسبب فشل السلطة السياسية في إيجاد حلول، بل تترك البلد لمصير مجهول، بسبب تعنت القوى والتشدد في مواقفها من الاستحقاقات الدستورية، التي تسبب شللاً كاملاً في كل أركان الدولة. إن أصرت القوى والأحزاب على البقاء على النهج نفسه، فقد يصبح الخيال حقيقة ويلعب اللبنانيون لعبة النجاة “The Last of Us” التي تعرض حلقات المسلسل المقتبس عنها اليوم.

شارك المقال