المسيَّرات… حرب التكنولوجيا القاتلة

حسين زياد منصور

فرضت الطائرات من دون طيار نفسها كسلاح فاعل متعدد المهام، خلال السنوات الماضية، وتسابقت الدول والجماعات المسلحة على امتلاكها إن كان من خلال تصنيعها أو شرائها. وفي النزاعات والحروب التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، كان للمُسيَّرات دور مهم في قلب موازين المعارك وحسم بعضها، وتوجيه ضربات موجعة الى العدو بتكلفة منخفضة، مثل التكلفة البشرية والمادية والوقت.

وبعد تطور دور آلات القتل الصغيرة هذه، من الاستطلاع والتجسُّس والرصد والمراقبة الى لاعب أساس في الحروب والعمليات العسكرية، يتوقع أن تُصبح الحروب الجوية المسيّرة أهم ظاهرة عسكرية في الجو لعقود طويلة قادمة نتيجة الاستثمارات الكبيرة والضخمة التي تجاوزت مليارات الدولارات فيها.

فقد أظهرت فاعليتها في جميع المعارك التي دارت في سوريا واليمن وليبيا وبين أذربيجان وأرمينيا ومؤخراً في أوكرانيا التي تحولت إلى مختبر للمُسيَّرات لأكثر من دولة.

أولى المسيّرات

في العام 1917، استخدمت بريطانيا أول طائرة من دون طيار خلال الحرب العالمية الأولى، ثم بعد ذلك بعام استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، وفيما بعد الاتحاد السوفياتي في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت مهام هذه المُسيَّرات هي الاستطلاع والرصد.

وفي العام 1924، تم تطوير هذه المسيرات، وبدأت الولايات المتحدة باستخدامها في الأغراض التدريبية خلال الحرب العالمية الثانية ومن بعدها في الحرب الكورية، ثم في المجال الاستخباري بعد حرب فيتنام. كما استخدمتها في حرب الخليج الثانية عام 1991 للاستطلاع واكتشاف بطاريات الصواريخ العراقية.

خلال الهجوم على كوسوفو عام 1999 تم تزويدها بالصواريخ لأول مرة، ثم خلال الحرب على أفغانستان ظهرت المهام القتالية المباشرة والقدرة على إطلاق الصواريخ مع المُسيَّرة “پرِداتور” الأميركية، وأصبحت سلاحاً رئيساً في القتال الأميركي ضد تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان”.

الانتشار

في البداية كانت الطائرة المسيّرة حكراً على القوى العسكرية العظمى، وحاولت الولايات المتحدة احتكار هذه التقنية ومنع الدول الأخرى من الوصول إليها، لكنها فشلت، وأصبحت الدول والجماعات تتسابق في ما بينها لتصنيع “الدرون” وتصديرها، وأصبح استخدام المتمردين والدول الأصغر لها يغيّر عملياً طبيعة المعركة، بعد أن تمكنت الصين وإيران وتركيا من تصنيع مسيّرات متطورة وتصديرها الى حلفائها، وامتلاك مجموعات عسكرية لهذه التقنية مثل جماعة الحوثي في اليمن و”حزب الله” في لبنان و”حماس” في فلسطين وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.

المصنعون

أكثر من أربعين دولة تصنع هذا النوع من الطائرات وتعمل على تطويره، وتتصدر الولايات المتحدة هذه القائمة، وهيمنت على صناعتها مع اسرائيل التي اعتبرت من أكبر منتجي الطائرات المُسيَّرة ومصدريها.

وأعلن الجيش الأسرائيلي أن طائراته المسيّرة المسلحة الجديدة، تستخدم قنابل غير موجهة لا تُحدث ضوضاء أو ينبعث منها دخان أثناء سقوطها مما يجعل من الصعب على الأعداء توقعها أو تفاديها، ويمكنها أن تحمل ما يصل إلى طن من الذخيرة، وتوجيهها عن بعد لتلقي قنابل أو تقوم بعمليات استطلاع قبل العودة إلى قاعدتها.

وأشار ضابط عسكري إسرائيلي كبير لـ “رويترز” الى أسطول طائرات مسيّرة مسلحة بحجم طائرة ركاب يضم “هيرون تي.بي” وهي أثقل طائرة مسيّرة تملكها قوات الدفاع الاسرائيلية ويمكنها حمل ذخائر بوزن طن تقريباً وطائرات “هيرميس” الأصغر.

بعد ذلك تأتي الصين بوصفها أحد أكبر المصدرين للطائرات المُسيَّرة في العالم، اذ تمكنت من صنع 25 نوعاً منها، وكشفت عنها في عرض تجاري عام 2010. أما تركيا فوضعت برامج للطائرات المسيّرة ونجحت فيها، ووفرت صناعتها الوطنية للجيش التركي ستين طائرة من دون طيار استطلاعية قتالية لتصبح واحدة من أفضل ست دول في العالم تصنع هذه الطائرات.

وإيران التي أعلنت عام 2013 عن تطوير أكبر طائرة استطلاعية قتالية مسيّرة، بعد أن قامت بتصنيع وتشغيل طائرات عسكرية مسيّرة منذ الحرب الايرانية – العراقية في منتصف الثمانينيات، تمتلك أكثر من 33 نموذجاً.

اما في الدول العربية، فقد شرعت الامارات هذه الطائرات من خلال طائرات “يبهون يونايتد 40” وعدد من نظائرها عام 2008.

والجزائر أنتجت عام 2013 “أمل1- 400” وهي طائرة من دون طيار، فما تمكنت السعودية من صناعة الطائرة “لونا”، كنسخة مقلَّدة لطائرة ألمانية تحمل الاسم ذاته. وفي مصر عام 2016، أعلنت الهيئة العربية للتصنيع إنتاج طائرة من دون طيار يمكنها الاستطلاع وتحديد الأهداف وتصحيح نيران المدفعية.

الدور الفاعل في الحروب

تعد أوكرانيا اليوم حقل تجارب لمختلف الأسلحة والعتاد العسكري المتطور، وأبرزها المسيّرات، وطغت منها التركية والايرانية على المشهد بسبب الحرب العنيفة التي تحصل. وأظهرت المسيّرة التركية “بيرقدار” أهميتها في إصابة الأهداف وقلب الموازين، وسبق أن كان لها دور أساس في ظهورها الأول في المعارك عام 2018، خلال عملية “غصن الزيتون” التي شنَّتها تركيا في شمال سوريا، ثم استخدمتها في ليبيا حكومة الوفاق، وكان لها دور فاعل في استعادة السيادة الجوية لصالح الحكومة في مواجهة الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي كان مزوداً بطائرات مسيّرة صينية.

وفي أيلول من العام 2020، أثناء النزاع العسكري بين أذربيجان وأرمينيا بسبب إقليم ناغورني قره باغ، زودت تركيا حليفتها أذربيجان بالطائرات المُسيَّرة.

وتعد الولايات المتحدة وإسرائيل الدولتين الوحيدتين القادرتين على تنفيذ عمليات خاصة ومهمة من خلال هذه المسيّرات، ففي العام الماضي 2022، تمكنت الولايات المتحدة من قتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري في منزله الآمن في قلب العاصمة الأفغانية كابول الذي استهدفته مُسيَّرة من طراز “إم كيو-9 ريپر”، وهو الطراز نفسه الذي استهدفت به الايراني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس قُرب مطار بغداد عام 2020. وفي العام 2017، وبالطراز نفسه أيضاً، تمكن الأميركيون من قتل نائب زعيم تنظيم “القاعدة” حينها صِهر أسامة بن لادن، أبو الخير المصري ورفاقه ليلاً، اذ أطلقت صواريخ فتاكة مُوجَّهة بالليزر.

هذه العمليات تمت بنجاح من دون أن تتورط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة على الأرض.

وليس هذا وحسب، بل كان للمسيرات في السابق دور كبير في المشاركة في البرنامج العسكري الأميركي بما يخص “عاصفة الصحراء” عام 1991، وأدوار مختلفة في العمليات التي نفذتها واشنطن خلال ما سمي “الحرب على الإرهاب”.

اما إسرائيل فقد استخدمت هذه المسيّرات في جميع حروبها، الا أن الدور الأكبر لديها يكون في جمع المعلومات والاستطلاع وفق عدد من الخبراء، مع العلم أنها استخدمتها بصورة دائمة في حروبها على غزة، وفي لبنان، إن كان للتجسس أو خلال حرب العام 1982 وتحييد الصواريخ السورية في سهل البقاع، وقبلها خلال حرب تشرين عام 1973، اذ تمكن الجيش الاسرائيلي من اسقاط 28 طائرة حربية إسرائيلية بفضل دورها القتالي الفاعل والمؤثر.

وفي مناطق صراع أخرى، استغلتها جماعات عدة في معاركها وحروبها، اذ اشترت الحكومة الإثيوبية طائرات من دون طيار قتالية من تركيا وإيران والصين، وكان لها دور رئيس في تعزيز موقف حكومة أديس أبابا خلال القتال مع جبهة تحرير شعب تيغراي.

واستخدمت جماعة الحوثي في حربها ضد الحكومة اليمنية المسيّرات الايرانية، واعتدت بها على السعودية من خلال قصف مناطق ومنشآت حيوية.

وتجدر الاشارة الى أن حلف الناتو يقسم المُسيَّرات الى 3 فئات وفق سرعتها ووزنها: الفئة الأولى، يبلغ وزن مسيراتها 150 كيلوغراماً أو أقل، وتعد طائرات صغيرة خفيفة الوزن وبطيئة الحركة، تكون أبرز مهامها الاستطلاع أو المراقبة وأحياناً إيصال الذخائر، وتحلق لمدة 3 ساعات.

اما الفئة الثانية، فيتراوح وزنها بين 150 و600 كيلوغرام، تستخدم في عمليات محدودة، هجومية أو انتحارية، وهي أسرع من الفئة الأولى، ويمكن أن تحلق لمدة 24 ساعة، وأبرز هذه المسيرات “بيرقدار” التركية.

والفئة الثالثة، الأشد خطورة نظراً الى طبيعة المهام الموكلة إليها، تتجاوز حمولتها أكثر من 600 كيلوغرام، ومنها المُسيَّرة الأميركية “إم كيو-1 پرِداتور”، والتي كانت حاضرة في غزو العراق وأفغانستان.

شارك المقال