التطبيع مع الأسد… سلطة تبحث عن شهادة حسن سلوك

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

انتهزت سلطة مافيات الفساد والتبعية في لبنان الكارثة الانسانية التي تسبب بها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا لتفتح شهيتها على اعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد ومخابراته، وتقديم خدماتها له في فك الحصار الذي كان مفروضاً عليه دولياً وعربياً بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، وتناست أن الشعب اللبناني طرد محتله في العام 2005 وسعى بثورته الى التخلص من الوصاية السورية، والتحرر من النظام المخابراتي الذي تعامل مع لبنان كأنه محافظة.

كم من لبناني شعر بالاهانة عندما شاهد مسؤوليه يتنافسون على زيارة بشار الأسد بحجة الدعم الانساني نتيجة الزلزال الذي أحدثه غضب الطبيعة، في حين كانوا يغضون النظر عن الزلازل التي أحدثتها براميل النيترات التي ألقيت على الشعب السوري فدمرته وحرقته وقتلته وهجرته من دون أن تدمع عين أو يخشع قلب.

وعلى أية حال لم يكن اللبنانيون ينتظرون من هذه السلطة وحكامها وأحزاب ممانعيها سوى هذا التصرف المهين، حتى الحزب الشيوعي اللبناني أعلن عن جمع مساعدات للشعب السوري ستكون بمثابة شهادة حسن سلوك يقدمها لهذا النظام لعل وعسى يجد له موقعاً في السلطة لاحقاً. أما الأحزاب الأخرى المسماة علمانية وقومية فهي أيضاً لم توفر الفرصة، كحركة “أمل”، كما أن “التيار الوطني الحر” أراد كالعادة بإنتهازيته المعروفة أن يقدم الطاعة والولاء وفقاً لحسابات رئيسه الرئاسية. لقد ذهبت الحكومة بعجرها وبجرها الى قصر المهاجرين معلنة بذلك انفكاكها عن الموقف العربي الموحد من نظام الأسد الذي اتخذ في الجامعة العربية ولتنحو نحو تطبيع العلاقات مع النظام المعاقب دولياً بـ “قانون قيصر” الذي خففت اجراءاته لمدة 6 أشهر وسمحت الولايات المتحدة بادخال بعض المواد المتعلقة بالمساعدات في عمليات الانقاذ للضرورة الانسانية.

وفيما كانت الحكومة مرتهنة لحزب الدويلة وحليفه في الثنائي، كان هناك لبنانيون يعرفون أين وقع الزلزال ومن هم المتضررون الحقيقيون الذين يحتاجون الى المساعدة لا سيما في الشمال السوري، أي المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، والمناطق التي سيطر عليها النظام بعد أن دمرها لا سيما حلب ومحيطها مما يعني أن أي مساعدات ستقدم الى هؤلاء يجب أن تعبر من تركيا وليس من بوابة بشار الأسد في دمشق.

بالطبع الوقوف الى جانب الشعب السوري من الناحية الانسانية أمر مطلوب ولكن لا يمكن القبول بدعوات اراحة رأس النظام الذي تسبب بكوارث لهذا الشعب، كما تسبب للشعب اللبناني بالويلات وهي لا تعد ولا تحصى من الاغتيالات الى التفجيرات وتدمير مدينة بيروت، ولا يمكن لأي سلطة اليوم تطبع مع النظام القاتل تحت شعار مساعدة الشعب السوري في نكبته وتطالب بفك الحصار عنه لغاية في نفس يعقوب، أن تأخذ اللبنانيين الى خيارات مرفوضة، فطرق دعم الشعب السوري وادخال المساعدات اليه متعددة ولا يمكن أن تعبر عن طريق النظام الذي سيوزعها على محسوبياته وتتكفل حاشيته بادارتها للافادة منها والتجارة فيها كما يحدث في كثير من المرات، وهو ما دلت عليه تجارب كثيرة في دول عانت من الكوارث الطبيعية.

لسان حال اللبنانيين يقول انه كان الأجدى بهذه الحكومة وأحزابها العمل على التبرع والمساعدة في ترميم منازل وأبنية مهددة بالسقوط في لبنان وربما كنا صدقنا تصرفاتها “الحمشة”.

لم يكن مستغرباً أن يخرج بشار الأسد وهو يبتسم في ظل الكارثة الكبيرة ومن ورائه ابنته زين الشام تدعو في تغريدة لها الى عدم تقديم المساعدات للشمال السوري أي مناطق المعارضة وتصفهم بالارهابيين، لكن حلفاء النظام السوري في لبنان لا يجدون الأمر معيباً.

وهنا لا بد من الاشارة الى أن ناشطين سوريين كشفوا كيف أن المساعدات الانسانية التي قدمت من حكومات لنظام بشار كانت تخزن في مستودعات زوجته وفقاً لاجراء روتيني معروف منذ عشر سنوات ثم يبيعها الشبيحة في السوق السوداء، فكيف يمكن الوثوق بنظام تفنن في تجويع شعبه واذلاله وتقديم المساعدة لمن يراه مناسباً من المحاسيب فقط؟

مصيبة الشعبين السوري والتركي كبيرة نتيجة الزلزال المدمر والمساعدة الانسانية واجب يجب القيام به من كل دول العالم لاسيما الدول العربية والاسلامية التي تحركت على الفور، لكن الفرق شاسع بين مساعدة النظام ومساعدة الشعب السوري، وعدم السماح لهذا النظام باستغلال المساعدات للافراج عن نفسه وتقديم الخدمات لزبائنيته الموالين له، فكل مساعدة ستمر عبر مطار دمشق لن تذهب الى المتضررين الذين ينامون في العراء ويلتحفون السماء في ظل هذه الأجواء الباردة.

لقد سمحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفتح المعابر الحدودية لايصال المساعدات الانسانية والمساعدات التكنولوجية من آليات للانقاذ لكنها لن تمر عبر النظام السوري حتى وإن وصلت الى دمشق، وستعفى من “قانون قيصر” في ظل هذه الحالة الاستثنائية وهذا أمر جيد ومفيد في مساعدة المتضررين بغض النظر عن انتماءاتهم ومواقعهم سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة، ولأن النكبة ضربت الجميع وهناك ضحايا وقتلى ومشردون ومصابون من الجميع لكن المسألة هي في انقاذ تلك المساعدات من براثن مافيات الأسد.

والمشكلة في لبنان أن فريق 8 آذار يريد استخدام هذه المصيبة في الالتفاف على العقوبات والذهاب لمساعدة النظام على حساب المشكلة الانسانية والدولة اللبنانية التي تعاني من أزمة تريد الدويلة وحلفاؤها استخدام ما تبقى عند الناس الذين يعانون الأمرين ليقدموا للنظام السوري المساعدة بغية تبييض صفحاتهم على حساب الضحايا والعلاقات الدولية والعربية واللبنانية.

فالهمروجة التي يتسابق عليها الجميع اليوم كي يفتح باب جديد للعلاقة مع الأسد من البوابة الانسانية، وكأن هذه الأزمة ستمحو كل ما كان قبلها وتفك الحصار عن النظام، غير صحيحة وغير منطقية وان اعتبرها البعض فرصة لتقديم الطاعة.

لقد حاول الرئيس نبيه بري اليوم الدخول بطريقة مختلفة من خلال ارسال وزراء الدولة ونوابها والمؤسسات الرسمية لقوى الأمن والجيش والاطفاء بالاضافة الى ارسال المؤسسات الخاصة بحركة “أمل” الدفاع المدني والهيئة الصحية وكشافة الرسالة وهذا ما رأيناه في خطابات الممانعين ومرشحين للرئاسة وكأنهم يقولون نحن بالتصرف، علماً أن الحالة التي تعصف بلبنان ليست حالة طبيعية، اذ أن البلد ليس في أفضل أحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تمكنه من مساعدة النظام السوري على حساب الشعب اللبناني، طبعاً في لبنان فتحت مراكز التبرعات للمساعدة في مزايدة لا يمكن وصفها بأي طريقة، وهي مساعدات لن تذهب الى المحتاجين في سوريا، ولو كان لبنان يريد مساعدة السوريين لنظر في أحوال اللاجئين فيه الذين يعانون من البرد وفي المخيمات التي غمرتها الثلوج والوحول وباتوا من دون تدفئة وينظر اليهم البعض بعنصرية عندما يتهمونهم بمقاسمة اللبنانيين لقمة العيش، ازدواجية في الكلام وازدواجية في التعاطي و”خربطة” في معايير التعامل مع المواطن السوري الذي لا يمكن أخذه بالمفرق.

شارك المقال