“لبنان الكبير ” يعيد نشر مقالة “لماذا يكرهون رفيق الحريري؟”

أحمد عدنان
أحمد عدنان

يعيد موقع “لبنان الكبير ” نشر مقالة احمد عدنان بعنوان “لماذا يكرهون رفيق الحريري؟”

في أغسطس / آب 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القيادي في ميليشيا حزب الله الإرهابية سليم عياش باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقالت المحكمة في حيثيات الحكم بأننا أمام جريمة سياسية، وفي هذا إدانة ضمنية للميليشيا التي ينتمي إليها المدان عياش. وقد أشار حكم المحكمة إلى ظروف الاغتيال ومسبباته، ولعلنا هنا نستكمل إجابة السؤال من زاوية كراهية القاتل: لماذا قتل الحزب رفيق الحريري؟.

منذ عصفت الازمة الاقتصادية بلبنان، تلقي أبواق الممانعة وحلف الاقليات مسؤولية الانهيار على الرئيس رفيق الحريري وسياساته الاقتصادية (ويشركون في ذلك غالبا الرئيس فؤاد السنيورة) قائلين أن البلد ضحية نهج استمر 30 عاما، والحقيقة ان الأرقام الاقتصادية الخاصة بلبنان (وتحديدا معدلات النمو وارقام التدفقات النقدية من الخارج) ممتازة إلى نهاية 2011، أي ان بداية الانهيار كانت مع إطباق أصحاب القمصان السود على الدولة بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، وتسارع الانحدار مع إمساك حلف الاقليات والممانعة بالحقائب المالية والاقتصادية بداية من 2014، أي أن الانهيار الراهن – بلغة الأرقام – هو نتاج سياسات السنوات العشر الأخيرة.

يتعامل الحزب الإلهي، وأغلب حلفائه، مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحقد ظاهر وفج، ومن أمثلة ذلك، أنهم حين قاموا بغزوة الدراجات النارية في بيروت بعد الانتخابات النيابية الأخيرة (2018)، تعرضوا لتمثال الحريري في حي عين مريسة، وكنت قد قرات بعد تلك الغزوة بفترة تغريدة لأحد عناصر الميليشيا المتأيرنة يقول فيها إن حل أزمة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يبدأ من تغيير اسمه!.

إن تفسير حقد الحزب الإلهي على الحريري له غير سبب، ولوضع الأمور في سياقها الصحيح، يجب أن ننطلق من تعريف “حزب الله” تعريفا سليما: ميليشيات إرهابية إسلاموية إيرانية الولاء. ومن هذا المنطلق نستطيع قراءة حقدها على الحريري عبر علم النفس الإجرامي أو علم النفس الجنائي، فقد أدين حزب الله في قارات العالم بجرائم عدة، تجسس وإرهاب وغسيل الأموال وترويج المخدرات، وفظائعه في لبنان وسوريا والعراق واليمن ودول الخليج، لا تعد ولا تحصى.

حين نضع رفيق الحريري في مقابلة مع حزب الله نفهم كل شيء، يحظى رفيق الحريري بالاحترام – داخل بيئته وخارجها – نظير شخصه ونهجه وعمله، أما عنصر حزب الله، أياً كان، مهاب بسبب سلاحه، ومن دون السلاح والمال الإيراني تتناقص قيمته وقيمة حزبه في بيئته قبل غيرها، ونضرب المثل بجنوب لبنان الذي كان بيئة خصبة ليسار ينظر بازدراء إلى الإسلام السياسي كأي يسار.

رفيق الحريري صنع من جمهوره وأنصاره جموعا من المتعلمين، أما الحزب الإلهي فصنع من أنصاره الميليشيات، وهناك فارق شاسع بين المتعلم وبين العنصر، فلا يحظى المقاتل بقيمة اجتماعية جامعة إلا بانتمائه للدولة، وما عدا ذلك، فالمسألة تخضع لوجهات النظر، هناك من يرى عنصر الميليشيا مجاهدا، وهناك من يراه أزعر أو مرتزقا، فيتمزق العنصر بين صورته أمام نفسه، وبين نقيضها، صورته في عيون غيره، لذلك يحرص على تحقير الآخر ورموزه لإثبات تقدم “القوة” على التعليم، وهذا سبب تهميش حزب الله للعائلات الشيعية العريقة. وقد نصل إلى سلوك مضاد، توسل أو تسول الاحترام والمكانة الاجتماعية، وهذا ملحوظ في تضخيم أدوار الحزب وربطها بمصلحة لبنان، كالتدخل في سوريا واليمن، والكل يعلم أن هذا التدخل لمصلحة إيران وأدواتها، وضرره على لبنان أكبر وأكثر من نفعه.

رفيق الحريري على الرغم من علاقته الوطيدة بالسعودية وبدول الخليج والعرب وبأقطاب المجتمع الدولي، لم يشكّك في لبنانيته أحد، والمشكلة التي تواجه الحزب الإلهي أن هويته محل تشكيك حاسم، فهو يسمي نفسه “المقاومة الإسلامية في لبنان” لا “المقاومة الإسلامية اللبنانية” (أي ان لبنان في إطار التسمية موقع جغرافي لا أكثر)، ويعلن أنه حزب ولاية الفقيه ووكيل الثورة الإسلاموية الإيرانية، ومع ذلك يريد من اللبنانيين قبل غيرهم، معاملته بالتساوي مع لبنانية الحريري الصادقة والصافية.

فقد الحزب الإلهي قدرته على تسويق دوره في تحرير الجنوب اللبناني، بسبب استهدافه للدولة اللبنانية والعرب، ولأنه أخرج الاحتلال الإسرائيلي وأدخل الاحتلال الإيراني وتوكل عنه. هناك ملاحظة صغيرة أيضا: بسبب سياساته وجهوده، وأبرزها تفاهم نيسان 1996، فرض رفيق الحريري نفسه شريكا رئيسيا في التحرير، وهذا لا يناسب الحزب الإلهي أبدا.

رفيق الحريري يمثل مشكلة جوهرية لحزب الله في ظل زعم الأخير محاربته للإرهاب، فيسوّق حزب الله نفسه كممثل للاعتدال في مواجهة التطرف، المعضلة أن صورة رفيق الحريري ثم نجله سعد، ارتبطت بمعنى الاعتدال وأظهرته، يحرص التيار الحريري على أن يكون جسما وطنيا عابرا للطوائف أكثر من حرصه على أن يكون ممثلا للسنّة، في المقابل، ليس في حزب الله عنصر واحد من خارج الشيعة، ويشمل ذلك الشيعة غير المؤمنين بولاية الفقيه.

أيضا، قام رفيق الحريري ثم نجله بتبنّي قضايا المرأة وتمكينها، بينما حزب الله لم يرشّح طوال تاريخه أي امرأة للوزارة أو النيابة، ومنع تلفزيون المنار التابع للحزب بثّ أغنية تمجد “المقاومة” وسيدها بسبب تبرج مغنيتها جوليا بطرس.

قام رفيق الحريري بتشجيع الفنون والمبدعين، بينما يعلن حزب الله الحرب على أغاني فيروز، حتى المناسبات الاجتماعية في بيئة الحزب تشترط منع الاختلاط والرقص واستبدال الغناء بالإنشاد. وكل هذه الملاحظات تكشف في النهاية تطابق المشروعين الاجتماعي والثقافي بين حزب الله وبين داعش والقاعدة، فعن أي اعتدال يتحدثون؟!. هناك فتاوى قديمة للحزب كفّرت المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله بسبب خلافه مع إيران، وكفّرت أيضا حليفه اليوم نبيه بري لأنه ليس ملتحيا (راجع “بلاد الله الضيقة” لفادي توفيق).

رفيق الحريري بنى مجده كبطل لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، وهو من أعاد إلى بيروت جمالها وشبابها، أما الحزب الإلهي يقبع في مكان آخر، فقد تسبب في خراب لبنان سنة 2006، واعتذر بقوله |لو كنت أعلم”، وتسبّب في العقوبات الاقتصادية على لبنان وفي الانهيار المالي الذي بدأ في 2019، وإلى معاملة بعض اللبنانيين كمشتبه بهم حول العالم، وأفسد علاقة لبنان بمحيطه العربي، وأظهره كدولة مارقة على الصعيد الدولي. يتحمّل حزب الله أيضا مسؤولية داخليا في قضايا الفساد والتوترات الأمنية بسبب علاقته أو حمايته لمجموعة من الخارجين على القانون (وليس غريبا تعطيله لتحقيق انفجار المرفأ وانتماء أغلب المتهمين لفريقه السياسي)، وبالتالي أصبحت مكانته في لبنان محل جدل وانقسام، خصوصا بعد ممارساته فيها وعلى رأسها اغتيال الساسة الوطنيين. (ويمكن اختصار بغض بقية حلف الاقليات لرفيق الحريري في سببين بعيدا عن هويته الدينية والطائفية والثقافية: الاحترام والإنجاز. فاسمه يذكرهم بأنهم لم ينجزوا شيئا وبأنهم فاقدي الاحترام داخليا وخارجيا وطائفيا).

رفيق الحريري ابن الظاهرة المدينية من صيدا إلى بيروت، أما الحزب الإلهي، كأغلب جماعات الإسلام السياسي، ابن الأطراف الغاضبة من المدينة، فالمدينة لا تقبلهم أفكارا وأشخاصا نظير عدم انسجامهم مع قيمها وسلوكها، بما في ذلك مدينة من صلب بيئتهم كصور، لذا لا بد من ضرب المدينة ورمزها، ومن ذلك مثلا احتلال بيروت وتدنيسها في 7 أيار 2008، بل واعتبار ذلك في أدبيات الحزب يوما مجيدا!

رفيق الحريري رمز للدولة، ولا يمكن أن تتعايش الميليشيات مع الدولة في موقع واحد مهما زعمت الود والوئام، في 7 أيار قام الحزب الإلهي بإسقاط علم الدولة لرفع علم الحزب مكانه، وليس مستغربا أن يفتتح حزب الله نشاطه العسكري في مارس / آذار 1983 بعملية ضد الجيش اللبناني في البقاع (راجع الإسلاميون في مجتمع تعددي لمسعود أسد اللهي)، والجيش هو حامي الشرعية ورمز الدولة، وبالتالي لا عجب لاحقا من قيام الحزب الإلهي مع حلفائه بتعطيل الدولة بالفراغات الرئاسية والحكومية.

هكذا، نستطيع فهم كراهية حزب الله لرفيق الحريري، فهو يفضح عيوبهم، كما أنه يشبه لبنان وهم لا يشبهونه، ومع ذلك يرضى القتيل وليس يرضى القاتل.

شارك المقال