الحرب في شهر رمضان؟

زاهر أبو حمدة

أرسل قائد فرقة الضفة الغربية في جيش الاحتلال العميد آفي بلوت، أمراً إدارياً الى القادة العسكريين، يحذر فيه من تفجر الأوضاع مطلع شهر رمضان المقبل. نشرت قناة “كان” الرسمية الوثيقة، التي يقول فيها بلوت، إن “مواد الاشتعال موجودة بالفعل، ينقصها عقود ثقاب فقط لإشعال المنطقة برمتها”. ويضيف أن “الموعد النهائي بداية شهر رمضان، هذا هدف لقوات الجيش الاسرائيلي بحيث من المفترض أن يكونوا جاهزين”، متوقعاً أن يكون التصعيد المقبل مختلفاً عن سابقيه. ويتابع أن “أيام رمضان المقترنة بالأعياد الاسرائيلية، كما ثبت سابقاً، ستوفر عدداً غير قليل من أعواد الثقاب من هذا النوع، وعلينا أن نكون مستعدين لهذا اليوم”. ويختم بلوت رسالته بالتأكيد أن “كل يوم يعتبر مهماً وفرصة لتعزيز الجاهزية لأن الحرب غداً”.

ربما تسريب الوثيقة الى الاعلام العبري لنشرها من ضمن خطة غير معروفة تترافق مع سياسات الحكومة الفاشية تجاه الفلسطينيين لا سيما في شرق القدس وشمال الضفة الغربية. لكنها تعتبر جرس إنذار لدولة الاحتلال بشقيها الموالي والمعارض، حيث الخلافات بين المعسكرين وصلت الى التظاهرات الكبيرة والقلق من استمرار عمل منظومة المؤسسات وسط تهديدات من رأس الدولة أن التعارض يؤدي الى حرب أهلية.

ما يهمنا كفلسطينيين أن المواجهة المستمرة وتصعيدها غير مرتبطين بشهر رمضان، لكن المخاوف الاسرائيلية تكمن في تزامن الشهر الفضيل مع الأعياد الدينية اليهودية، كما العامين الماضيين، وخلالها يحاول المستوطنون الدينيون تعزيز اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، إضافة إلى تنفيذ مخطط إدخال الشمعدان اليهودي للاحتفال بعيد الأنوار (الحانوكا) داخل باحات المسجد.

ليس المسجد الأقصى وحده فتيل وقوع الحرب، إنما يمكن أن يكون ملف الأسرى. وهنا الاجراءات الكثيرة ضدهم من وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، سترد عليها الحركة الأسيرة بالاضراب عن الطعام مطلع شهر رمضان، وهذا سيترافق مع فعاليات فلسطينية خارج السجون تضامناً معهم.

يضاف إلى ذلك، مسألة هدم البيوت في شرق القدس وتدمير خان الأحمر مجدداً. ويخطط بن غفير، لتنفيذ أوامر هدم صدرت بحق 200 منزل ومبنى في شرقي القدس المحتلة بزعم تشييدها من دون ترخيص. ووفق صحيفة “معاريف”، فإنه “بعد إعلان طلبه من أجهزة الأمن تنفيذ عملية السور الواقي 2 في شرقي القدس، طلب من بلدية القدس التابعة لسلطات الاحتلال، تسليمه القائمة الكاملة بأوامر الهدم التي صدرت ولم تُنفّذ والتي يصل عددها إلى أكثر من 200”. الصحيفة نفسها، قالت إنّ بن غفير يُخطّط لتنفيذ أوامر الهدم بصورة صارمة وواسعة النطاق. وسيلتزم بنيامين نتنياهو بالتحالف مع بن غفير، لبقاء الحكومة لذلك مسألة الهدم الجزئي أو الكلي حاصلة في النهاية، لكن السؤال متى؟ وتفيد صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بوجود توترات بين بن غفير والسكرتير العسكري لرئيس حكومة الاحتلال، آبي جيل، بسبب توقيت عمليات الهدم. طلب جيل، من بن غفير، خفض معدل عمليات الهدم إلى ما بعد شهر رمضان لتهدئة الأوضاع، ولأنّ ذلك سيزيد من عمليات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة. وكشفت الصحيفة، أنّ “بن غفير رفض حديث آبي جيل، قائلًاً: منذ متى علينا الاستسلام لمن يرشقون الحجارة وزجاجات المولوتوف؟ أين جيشنا؟ (..) هل نخاف منهم؟ هناك حاليّاً 40 إنذاراً في اليوم، لا يمكننا الاستسلام وإظهار الضعف”، وفق تعبيره. وشدد بن غفير على أنّ أوامر هدم المنازل من سلطته، ووفقاً لما قاله لا ينوي التخلي عن هذا الأمر.

وبالتالي أمام حساسية ملفات المسجد الأقصى والأسرى وهدم البيوت، تبقى الاعتداءات اليومية والمجازر المتواصلة من أسباب التصعيد، إضافة إلى مخططات الاستيطان المعلن عنها وتشريع البناء الاستيطاني القائم في الضفة والقدس. أما على المستوى السياسي، ففشلت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وحذر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، من أن التوترات في الأراضي الفلسطينية بدأت تشبه تلك التي سادت قبل الانتفاضة الثانية عام 2000. وتحدث مدير “سي أي إيه” في كلية جورج تاون للخدمة الخارجية في واشنطن، بعد زيارته إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، قائلاً: “كنت ديبلوماسياً قبل 20 عاماً أثناء الانتفاضة الثانية، وأشعر، مثل زملائي في مجتمع الاستخبارات، بالقلق من أن الكثير مما نراه اليوم له تشابه غير سعيد للغاية مع بعض هذه التي رأيناها في ذلك الوقت أيضاً”. وأضاف متطرقاً الى لقاءاته مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين: “لقد تركزت المحادثات التي أجريتها مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بقلق كبير إزاء احتمالات حدوث المزيد من الهشاشة والعنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وإذا كان الأميركيون يخشون انتفاضة فلسطينية ثالثة، فالأكيد أن الفلسطينيين انتقلوا في الفترة الأخيرة إلى جرأة أكبر في تنفيذ العمليات الفردية. وربما يكون “عود الثقاب أعمال شغب في الشيخ جرّاح أو في الحرم القدسي أو سقوط شهداء فلسطينيين في مواجهات مع قوات إسرائيلية أو نتيجة لعمليات اغتيال”، كما تشير قناة “كان” الاسرائيلية. لكن الأخطر أن الحرب مع دخول قطاع غزة على الخط، لن يكون إطفاء النيران فيها سهلاً هذه المرة، إلا بحل سياسي كبير من دون عمليات ترميم، فإما السقوط الكبير في المنطقة أو النهوض الشامل. وحينها سيكتشف بن غفير ومن معه أنهم تحدوا شعباً هزم سابقاً جنرالات الدولة العبرية من ديفيد بن غوريون إلى أرئيل شارون.

شارك المقال