ما بعد مجزرة نابلس؟

زاهر أبو حمدة

لم تشهد فلسطين دموية هكذا منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. تفيد وزارة الصحة الفلسطينية أنه لم يسجل هذا العدد من الشهداء (61 شهيداً) خلال الشهرين الأولين فقط. كانت نابلس هي ساحة المجزرة الأخيرة فارتقى 10 شهداء من ضمنهم أطفال ومسن. فماذا يريد الاحتلال من هذا التصعيد الميداني؟

مما لا شك فيه أن سياسة الاحتلال هي القوة والمزيد منها دائماً، على الرغم من رد الفعل الفلسطيني في الميدان والسياسة. ولمعرفة مسار القوة يكفي معرفة أن الجريمة في نابلس استمرت لمدة 4 ساعات شارك فيها 150 جندياً ودورية من لواء جولاني ورافقتهم طائرات من دون طيار من كتيبة 636، حسب ما نشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية. لكن في المقابل، استطاع الفلسطينيون أن يعقدوا اقتحام القوات الخاصة والمستعربين، لا سيما وأن المقاومين المحاصرين حصّنوا أنفسهم وقاتلوا، ونشروا وصايا أكدوا فيها وصاياهم وحثوا الناس على الاستمرار في المقاومة.

يتوقع الاحتلال الثأر الفلسطيني، مثلما حصل بعد مجزرة جنين، فنفذ خيري علقم، عمليته الفدائية في القدس وقتل 8 مستوطنين. لكن الخطوات الفلسطينية الثأرية غير منظمة وفي غالبيتها فردية. وهنا الفارق في الأعوام الماضية وما حصل في فترة الانتفاضة. فالاحصائيات الاسرائيلية تفيد بأنه في الانتفاضة الثانية من تاريخ 29/9/2000 إلى 31/8/2002، أي خلال 23 شهراً فقط، قتل 610 إسرائيليين بينهم 183 جندياً وجرح 4500 اسرائيلي، 184 منهم قتلوا بعد اغتيال القائد في كتائب شهداء الأقصى والضابط في جهاز المخابرات الشهيد رائد الكرمي بتاريخ 14/1/2002. ومع أن السلطة الفلسطينية أوقفت التنسيق الأمني وهو شماعة الفصائل لتنفيذ العمليات، لم يتغير شيء حتى الآن. وهذه معضلة تتحمل مسؤوليتها الفصائل كافة التي تصدر بيانات ادانات وكأنها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة. ولذلك العشم والاتكال على الأفراد وليس على الجماعات، وربما يكون هذا جرس انذار لثقة الناس بفصائلها. وهذا ما تعرفه المقاومة في غزة، لذلك ربما تدخل على الخط ولو بتنقيط صواريخ من دون الدخول في مواجهة عسكرية. ويبقى الأهم هو مواجهة الشارع الفلسطيني لهذا العدوان، ككتلة واحدة.

والأخطر أن الجريمة حصلت بعد ما نُشر عن تفاهمات برعاية أميركية حصلت بين السلطة الفلسطينية والاحتلال تقضي بمنع اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، والامتناع عن الاستيطان ووقف عمليات الهدم وتقليص اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية، وذلك مقابل إلغاء التصويت الذي كان مقرراً الاثنين الماضي، في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يدين المستوطنات الاسرائيلية، واستبداله ببيان رئاسي غير ملزم. وضرب الاحتلال لهذه التفاهمات يعني أنه لا يريدها على أرض الواقع. وعليه قررت القيادة الفلسطينية “التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لطلب الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وإدانة المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في مدينة نابلس، وباقي مجازر الاحتلال التي ارتكبت بحق شعبنا”.

وإذا كان الاحتلال يريد الهروب من أزماته الداخلية والصراع بين الأشكناز والشرقيين عبر دماء الفلسطينيين، فهذا الرهان يفشل دائماً. فالدم يجر الدم، وربما تكون النهاية بسقوط حكومة بنيامين نتنياهو وايتمار بن غفير، لأن التحديات الأمنية أصعب المجالات، فكيف إن كان مصدرها شعب يثبت دائماً أنه جاهز للتضحية والمواجهة؟

شارك المقال