سوريا والحضن العربي… مراهنات أوهام خادعة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم تقف الدول العربية في موقف المتفرج على المأساة التي تسبب بها زلزال تركيا وارتدادته المستمرة حتى اليوم، والذي أصاب شمال غرب سوريا، وكالعادة استغل نظام بشار الأسد الفرصة للظهور الاعلامي، وشاهدنا صوره وهو يجول بابتسامات بلهاء في حلب متفقداً آثار غضب انشقاق الأرض وتهدم المنازل على رؤوس ساكنيها. فقد قدمت هذه الدول مساعدات وقام مسؤولون منها بزيارات للسيد الرئيس تعبيراً عن التضامن.

ولكن من غير المفيد تحويل التضامن الانساني في مثل هذه الكارثة الى مناسبة لفك نظام العقوبات وإن كان المطلوب تخفيف بعض الاجراءات لمساعدة المنكوبين، وكذلك من غير المفيد تطبيع العلاقات مع الأسد الذي هجّر ملايين السوريين وارتكب جرائم ضد الانسانية وانتقم شر انتقام من المعارضين وعائلاتهم سجناً وتعذيباً وقتلاً، واستجلب احتلالات اجنبية الى بلاده، التي صارت مقسمة وفقاً لسيطرة جيوش أجنبية ومناطق نفوذ لميليشيات تتبعها، من ايران الى روسيا الى تركيا وغيرها.

بدا الرئيس السوري سعيداً وهو يتلقى اتصالات ويستقبل زائرين فتلك فرصة لا تعوض بالنسبة اليه لتطبيع علاقاته مع المحيط العربي، ولم يقصر البعض في تجاوز الحدود، إلى حد تقديم صك براءة علماً أن الدول الغربية كانت حذرة وكان واضحاً بالنسبة اليها سعي النظام الى التفلت من العقوبات لذلك دوزنت المواقف، كذلك فعلت المملكة العربية السعودية عندما أعلنت أن مساعداتها تمر عبر منظمات مدنية موثوقة، ولكن هناك من يراهن على فك تبعية النظام السوري لايران وتلك فرضية من الصعب تحقيقها.

صحيح أن التضامن في مثل هذه المحن أمر مطلوب ولا بد من تنفيذه بصورة عاجلة، وعليه سارع قادة ومسؤولون في العالم العربي الى التواصل مع النظام بالاضافة الى الحلفاء التقليديين من دول وقوى وشخصيات سياسية، لا سيما وأن الأمم المتحدة أعلنت أنه لا يمكن إدخال المساعدات الا عن طريق النظام عبر مطار دمشق لنقل مساعدات تقنية للاغاثة وكذلك استخدام مطاري حلب واللاذقية لنقل المساعدات الغذائية والخيم وغيرها. ووجد الأسد في فتح قنوات التواصل من دول عربية معه في هذه المحنة، مناسبة لتطبيع العلاقات وإعادة الصلات الديبلوماسية، ومع هذا قال محللون ان الأمر لا يتعدى الدعم الانساني الذي يحصل بعيد وقوع أي كارثة طبيعية في أي بقعة من العالم خلال الأزمة وقد تتوقف بعدها.

من المؤكد أن عودة سوريا إلى الحضن العربي لا يمكن أن تحصل من خلال النافذة التي فتحها الزلزال والواجهة الانسانية، لأن أي تبديل في المواقف العربية من النظام يتطلب سلوكاً مختلفاً واتفاقيات سياسية وبنوداً تنفذ وشروطاً لا بد من حصولها حتى يأخذ الانفتاح طريقه نحو تسوية لن يكون النظام صانعها، بل هي تسوية أكبر منه ومن حلفائه وليست بعيدة عنها المعارضة على الرغم من تشتتها، والأهم أن الكل يدرك عدم أهلية الأسد لا لتطبيع العلاقات ولا للخروج من تحالفات أبقته في رأس سلطة منهارة وبلد مدمر وسيطرة أجنبية على مقدرات البلاد والعباد، فليس الأسد من يقود سوريا اليوم المقسومة بين مناطق النفوذ الأجنبي. وبالطبع فان تطوير العلاقات المستجد من بعض الأنظمة العربية لن يذهب بعيداً، ويتردد الكلام عن تطوير العلاقات وعدم عزل سوريا ووضع حد للحرج الذي كان يصيب بعض الدول العربية الخجلى من اعادة العلاقات كما هو حال دول عربية أخرى لم تقاطع النظام اثر ثورة الشعب السوري أو عادت وطبعت خلال السنوات القليلة الماضية، وكان للبعض مطالبة بإعادة سوريا الى الجامعة العربية بعد طردها منها وتقديم البعض مبادرات يروج لها إعلامياً من دون أن تتحقق على الأرض.

وجرى التدوال في الشروط التي على النظام السوري تنفيذها ومنها مكافحة عمليات تهريب المخدرات وإتخاذ خطوات عملية تتعلق بالميليشيات الايرانية، مقابل تقديم مساعدات مالية وإنسانية تخفف من الأزمة الاقتصادية على أن تليها خطوات أخرى لكسب ثقة المعارضة السورية ومنها اعادة اللاجئين واطلاق المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، والتفاوض على حل سياسي وفقاً للقرار الدولي 225، لكن ذلك كله لا يمكن أن يتحقق في سوريا ما دام بشار الأسد في رأس السلطة لا سيما وأن السنة لن يرضوا ببقائه والتفاوض معه، فهل تصل الأمور الى حد إقناعه بعدم الترشح لولاية جديدة ومغادرة البلاد بالاتفاق مع الحليف الروسي مثلاً؟

على الرغم من كل ما يروج ويقال من الواضح أن نظام الأسد يعتبر العرب متلهفين لاعادة العلاقات معه، وأن الاتصالات التي جرت وتجري حتى الآن هي إعتراف به كسر أجواء الماضي، واعتراف غير مباشر بقدرة النظام على الحياة من جديد بعد أن حقق الزلزال له انتصاراً كان من الصعب الاعتراف به سابقاً، اذاً إنها لعبة شد الأصابع.

لكن يتبين حتى الآن أن النظام السوري لا يزال يعتبر أن مصالحه مع ايران وليس مع العرب، ولذلك هناك تخوف موضوعي عند بعض الدول العربية كون ايران لن تترك الساحة السورية ولن تقدم لها نصراً مجانياً اذا لم تحصل على ما تريده في صراعها النووي مع الغرب.

في حين يرى معارضون سوريون أن محاولات تعويم الأسد من بعض الدول العربية هي للتعويض عن الفشل في مواجهة مشاريع ايران في المنطقة وسيطرتها على قرارات دول عربية، ودليل واضح على العجز عن مجابهة سياسات الاحتلال والهيمنة من النظام الايراني، ثم ان النظام السوري منهار، والسوريون يهربون من الأوضاع المتردية في مناطقه، والفساد يغضبهم وهم يدركون أن ورقة تطبيع العلاقات مع النظام لن تجعله منتصراً ونظاماً قوياً، ولن يكون هناك استقرار في بلد تنهشه مافيات الكبتاغون ويعيش على فضلات العصابات، فأزمة النظام السوري عميقة ولا يمكن للحلفاء أو المنفتحين الجدد التخفيف منها سواء بخرق العقوبات أو طرح المبادرات المقفلة الطرق.

في هذا المجال، يقول الكاتب والمحلل السياسي مكرم رباح لــ “لبنان الكبير”: “إن كل المحاولات التي تجري لاعادة سوريا الى الحضن العربي هي محاولات فاشلة حتى لو نجحت في أن تعيدها بصورة قانونية، فسوريا نفسها صارت لعنة على العرب ولم تعد جزءاً من العالم العربي لا سيما أن ايران مسيطرة على لبنان وسوريا والعراق واليمن والأسوأ من ذلك أن بشار الأسد نفسه يحاول كسب الوقت في حين تعتبر الدول العربية وبالتحديد دول الخليج أن هذه المواضيع ليست أساسية، ومن هنا محاولة التطبيع معه أولوية له ولكن في الوقت نفسه فإن محاولة تقوية بشار الأسد في وجه ايران على أساس أن ذلك يفيد العالم العربي، هي محاولة واهية وستجعلهم لاحقاً يدفعون ثمنها غالياً، ففي النهاية الايرانيون والنظام السوري وكل محور الممانعة هم في خندق واحد وخير دليل ما يحصل في أوكرانيا، اذ رأينا كيف أن روسيا وايران اللتين قد تختلفان في سوريا، تتعاونان مع بعضهما في وجه الأوكران”.

شارك المقال