“حزب الله” لن يرضى الا بتسويته واعادة إنتاج القديم

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

صحيح أن مؤشرات عدة ترجح عدم انتخاب رئيس للجمهورية قريباً، على الرغم من الوعود والتقاء بعض المحللين السياسيين والمنجمين على أن ربيع بعبدا قد يزهر هذا الشهر، لكن لا شيء يوحي بذلك على الاطلاق، فليس في الأفق ما يستدل منه على توافق القوى السياسية لانتاج التسوية المطلوبة، لأن الخلاف كبير في ما بينها وهي غير قادرة على إنجاح أي مبادرة في هذا الاتجاه والأمر لا يتعلق بإسم الرئيس وحسب، بل بمضمون التسوية والبرنامج الذي سيعمل عليه وفق استراتيجية معينة وخطة واضحة تعيد بناء الدولة وتسترجع مؤسساتها من الدويلة وحلفائها وتحل الأزمات المتراكمة، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون التوصل الى حلول شاملة ورسم مساراتها على الأرض، وهناك الكثير من العناوين التي لا بد من حسم الجدل حولها ليعرف اللبنانيون الى أين سيذهب البلد وهل سيبقى قائماً وكيف ستؤمن له الحماية داخلياً وخارجياً؟

لا شك في أن القوى السياسية الموجودة في السلطة أحزاباً وشخصيات في حالة تبعية، بعضها يحصّن نفسه بالسلاح وبحلف خارجي يقضم الدول العربية، وبعضها الآخر بتحالفات لحفظ مصالحه بحسابات طائفية ومذهبية والافادة من الفوضى لسلب ونهب ما تبقى من الدولة أو لتحقيق أحلام الرئاسة والتمترس على رأس السلطة.

الواضح أن لا أمل في قدرة أي فريق سياسي في السلطة على اطلاق مبادرة لتسوية وانتاج حلول عقلانية ووضعها على سكة التنفيذ، بالتعاون مع المجتمع العربي والدولي وبعيداً عن رهانات النووي وأصحابه، وهو أمر يتطلب فك ارتباط وتغيير البوصلة لا سيما من “حزب الله” الذي صار أشبه بميليشيا “فاغنر”، تستعين به هنا وهناك ايران الساعية الى انتصارات على الشيطان الأكبر من جهة، والتي تقدم له كل أشكال التعاون من جهة أخرى، كما حصل في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وطبعاً من “كيس غيرها”.

وعلى الرغم من وجهة النظر التي تروّج لأن انتخاب الرئيس لا يتطلب تسوية، بل هو مجرد عملية ديموقراطية يجب أن تنفذ وفقاً للدستور، أي اجتماع المجلس النيابي بكونه هيئة ناخبة وطرح أسماء مرشحين والتصويت وفق الآلية المعتادة، وفوز من ينال أكثرية الأصوات بالثلثين في الدورة الأولى وبالنصف زائد واحد في الدورة الثانية، لا يبدو أن القوى السياسية ترغب في ذلك، لأنها لا تريد تقديم مصلحة لبنان بانهاء حالة الفراغ الرئاسي على مصالحها السياسية والاقتصادية والمالية، أو الاهتمام بمصالح غالبية اللبنانيين التي تحترق بنار الغلاء وارتفاع سعر الدولار والفوضى الأمنية والاقتصادية التي ستودي بها الى هلاك منتظر من دون أن يرف جفن طامحين الى الكرسي أو الى تبديل وجهة لبنان بفرض دستور جديد يلائم مرجعية وليهم من دون أدنى اهتمام بمن يحترق بهذا الكباش المفروض والقائم، ومن دون أن يكون هناك ميزان قوى لصالحه، سوى استخدام القوة للتعطيل واتخاذ قرارات هي مجرد هرطقة دستورية وتجاوز للقوانين لا بد من المحاسبة عليها لاحقاً. 

تريد قوى السلطة الحالية التوافق على مصالحها وصياغة تسوية ترعى هذه المصالح وفرضها على اللبنانيين وتجاوز حقوقهم لتحقيق المصالح العليا لزعامات وأحزاب، بعيداً عن المصالح المشتركة لهم، ولذلك لن يكون من السهل التوصل الى تسوية داخلية من أجل ملء فراغ بعبدا، وقيام الحكومة ومجلس النواب بدورهما في التنفيذ والتشريع من دون ضغوط من هنا وهناك تطيح بدور المؤسسات وتجمّد عملها نتيجة التمترس الطائفي والمذهبي الذي شهدناه في عهد الجحيم ونشهد ذيوله في السلوكيات الحالية لأصحاب القرار.

المطلوب انتاج حل سياسي لأن الحل الدستوري يأتي كتحصيل حاصل في أي تسوية لانتخاب رئيس توافقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، ومن هنا لا يبدو أن الفريق المهيمن أي “حزب الله” يريد التخلي عن مكتسباته بل يسعى الى إعادة انتاج القديم واعتماد الصيغة التي أتت بميشال عون رئيساً، ويعتقد أن تعطيل الانتخاب في هذه الظروف طالما أنه غير قادر الآن على ايصال رئيس يريده، هو الحل ريثما تتبدل الظروف لاحقاً لصالحه فيأتي بالرئيس المناسب لتوجهاته أي يبقى على حالة المواجهة، الا اذا حصلت تسوية خارجية أو أدت الظروف الضاغطة معيشياً الى تغيير الصورة مما يضطر “حزب الله” الى التراجع والقبول برئيس تسوية.

شارك المقال