المسؤولون… غير مسؤولين والصحوة مستبعدة

هيام طوق
هيام طوق

حين تحصل أي أزمة أو يطرأ أي حادث تنتج عنه خسائر في الأرواح كما في الممتلكات، لا يتردد المسؤولون أو المعنيون بصورة مباشرة في معظم دول العالم، عن تقديم استقالاتهم، وتحمل مسؤولياتهم على غرار ما جرى مؤخراً في اليونان حيث أعلن وزير النقل اليوناني كوستاس كارامانليس عن استقالته عقب اصطدام قطارين في وسط البلاد، أودى بحياة 36 شخصاً ووقع عشرات الاصابات. ولفت في بيان الى أن الاستقالة واجبة، وأن هذا “أقل ما يمكن أن يفعله لتكريم ذكرى الضحايا”. كما قطعت رئيسة اليونان كاترينا ساكيلاروبولو زيارتها إلى مولدوفا لتعود إلى بلادها بعد الحادث.

اما في لبنان، فلم يتعود المواطنون على الرغم من كل الأزمات التي مروا بها أن يسمعوا مسؤولاً يتحدث عن تقصير أو تلكؤ أو عدم القيام بالواجبات لا بل يلجأ من هم في السلطة دائماً الى رمي الاتهامات على الغير حتى باتت عبارة “ما خلونا” شعاراً متداولاً بين الناس للسخرية، مع العلم أن القاصي والداني، يعي جيداً أن الأزمات والمحن التي تحملها اللبنانيون لم يتحملها أي شعب خصوصاً ما جرى في السنوات القليلة الماضية بحيث اشتدت الأزمات المالية والاقتصادية كما السياسية، وتحللت المؤسسات الدستورية وغير الدستورية شيئاً فشيئاً الى حد الانهيار التام، وتُهان كرامة المواطن في أكله وشربه وطبابته وتعليمه ومعيشته. وأكثر من ذلك، انفجر مرفأ بيروت وأودى بحياة المئات، ودمر جزءاً كبيراً من العاصمة، ولم يقدم أي مسؤول في أي موقع كان على تقديم استقالته أو الاعتذار من الشعب اللبناني. وحين طالب الناس في ثورتهم بأن يتخلى المسؤولون عن مراكزهم بعد أن أوصلوا البلد الى قعر جهنم، لم يستجب سوى الرئيس سعد الحريري الذي اعتبر حينها أنه “أصبح من الضروري أن تحصل صدمة كبيرة لمواجهة الأزمة”.

وتشبث المسؤولين بمراكزهم، والاستمرار في النهج عينه والعقلية نفسها، أدى الى الانهيار غير المسبوق في تاريخ الجمهورية على الصعد كافة، لكن السؤال الذي يتبادر الى الأذهان: لماذا لا نرى مسؤولاً يعتذر عن الارتكابات بحق الشعب بأكمله أو يقدم استقالته افساحاً في المجال لغيره علّه يتمكن من الاصلاح؟

أشار النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء اللواء عصام أبو جمرة الى أن “لبنان تعرض في الماضي الى هجوم بالقذائف المدفعية والصواريخ، ثم توقفت المعارك بعد أن تدخل الجيش باستخدام السلاح المناسب. واليوم لبنان يتعرض الى هجوم بسلاح جديد اسمه الدولار بحيث أن النتائج تتشابه في خراب البلد. الحرب اليوم مالية، لكن السؤال: هل يتدخل الجيش بالسلاح المناسب، ويوقف اللاعبين بسعر الصرف، والمسؤولين عن الحرب المالية، ويمنع سلاح الدولار؟”.

واعتبر أن “ليس هناك من مسؤولين في الدولة خصوصاً في هذه المرحلة. ما يحصل في لبنان سواء سياسياً أو اقتصادياً أو مالياً مرده الى أن ليس هناك سلطة”، متسائلاً: “كيف يمكن في دولة مثل لبنان أن يتحكم الصرافون فيه بسعر الدولار، وبتدهور العملة الوطنية الى هذا الحد من دون محاسبة؟”. وشدد على “أننا نريد مسؤولين يتحملون مسؤولياتهم، ويعملون بضمير، ولصالح الناس وليس للمصالح الخاصة. لا بد من اجتماع لمجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، ثم تشكيل حكومة، لينتظم العمل المؤسساتي، وليحاسب كل مسؤول عن أفعاله بحيث أن الجميع اليوم يتهربون من المسؤولية”. وقال: “لم يبق في البلد سوى المؤسسات الأمنية والعسكرية. ولا نعرف ما سبب هذا الخدر بحيث أن الشعب لا يتحرك، وإن فعل يتعب سريعاً. ما نعيشه مخزٍ لأن ليس هناك من محاسبة”.

ورأى الوزير والنائب السابق إدمون رزق أن “عدم تحمل المسؤولية نتيجة التخلف والعقم واعطاء الاولوية دوماً للكرسي والمركز بدل أن تكون الأولوية للعمل والانتاج. هناك دائماً نوع من تقاذف للمسؤولية، و(ما خلونا)، وهذا نتيجة خلل في الخيارات، وايصال أشخاص الى السلطة غير مؤهلين، وأعتقد أن هناك شغوراً متمادياً في بعبدا منذ سنوات. نعاني حالة الشغور وينسحب ذلك على الحياة السياسية، وعلى المؤسسات الدستورية”. وتحدث عن “خلل في إنتاج السلطة التي تأتي نتيجة تسويات وصفقات ومحاصصات، ولا محاسبة”، معتبراً أن “الشعب يتحمل مسؤولية كبيرة في المحاسبة لأنه وفق المقولة المأثورة: كما تكونون يُولى عليكم. نحن في نظام ديموقراطي برلماني اذ من المفروض أن يختار الشعب الشخص الذي يؤدي الرسالة بطريقة صحيحة. وأنا مع انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب وليس من المجلس النيابي. وبالتالي، المطلوب أن يكون هناك رادع، وأن يكون هناك نوع من الحصانة للمصلحة العامة وليس للأشخاص”.

وأكد أن “أولوية المسؤول، المركز، وبالتالي لا يستقيل، ويضع اللوم ويحمل المسؤولية للغير بدل أن يعتبر نفسه جزءاً من التركيبة، وأن الخلل داخلها، وينتفض على نفسه حتى لو ضحى. ويعترف ويدرك جيداًأنه لو دامت لغيرك لما آلت اليك”، مشدداً على أن “من المفروض أن ينظر كل مسؤول الى ذاته، ويتعرف على حقيقته، ولا ينظر الى مرآة فيها مكبّر بحيث تكبر حجمه أكثر مما هو. كل مسؤول يجب أن ينظر الى الأمور من خلال ضميره وحسه الانساني لأنه لا بد من أن يكون هناك في داخل كل مسؤول شيء من الوطنية والانسانية، ويعمل لقيامة الوطن بدل أن يتعاونوا على وضع التراب فوق قبر الوطن. حرام أن يدفن هذا الوطن تحت التراب لأنه رسالة بكل ما للكلمة من معنى”.

أضاف: “كنا في الماضي نقول إن الأعدل والأنزه والأعلم هو الذي يجب أن يتولى المسؤولية. المريض يفتش عن اختصاصي ماهر ليعالجه، وعن الدواء الجيد للشفاء. لماذا عندما نبني هرمية الدولة، لا نفتش عن الأصلح والأكثر أهلية؟ العملية تحتاج الى صحوة مزدوجة: صحوة المسؤول وصحوة الناس الذين يختارون. لا يمكن تسليم القيادة الى غير المؤهلين”.

أما النائب السابق الياس عطالله فاعتبر أن “ما يحصل ليس عن جهل وقلة وعي واهمال انما عن سابق تصور وتصميم من المجموعة الحاكمة. السلطة ليست سلطة انما تجمّع مافيات. وبالنسبة الى المسؤولين، الشعب ليس مواطناً، ولا يعتبرون أنفسهم مكلفين منا انما مكلفون علينا. واذا كنا ننتظر من الذي خرّب أن يعيد الاعمار، فنكون مخطئين. وما يمكن أن ينتج التغيير هو الاحساس بالحق. بعد ان أوصلونا الى الحد الأقصى من الاذلال، من المفترض أن يتخلى الشعب عن انتماءاته المرضية، وينتمي الى نفسه كمواطن، حينها يضطر المسؤولون الى التصرف بمسؤولية. لبنان اليوم ليس من ضمن الدول الطبيعية”.

وأوضح أن “المسؤولين بعيدون جداً عن تحمل المسؤولية، وهناك رأس للمافيا الذي يدير الأمور، ولا يمكن الاصلاح من دون التخلص منها، والدستور على الرف. من الخطأ أن نتكل على مؤسسات الدولة التي باتت مصادرة حتى أن الأمن مصادر. المواطن هو الملاّك وله الحق، لكن هناك استسلام، ونحن في حاجة الى روح انتفاضة لا خلاف حولها بحيث يكون هدفها الأول تحرير لبنان من المافيات واعادة وجود الدولة. نريد انساناً يدرك حقوقه”.

شارك المقال