نواف “دياب”… حين يقلد ماكرون باسيل!

رواند بو ضرغم

يتعامل المجتمع الدولي مع الانهيار اللبناني بخفة، ويجعل من الشعب المريض حقل تجارب لإيصال أزلام لا منقذين. العدوى الباسيلية انتقلت الى الدول العظمى، وعلى غرار خيارات الوزير السابق جبران باسيل على قياس حكومة الرئيس السابق حسان دياب ونفخه في أذن مرشح العهد الغابر الحكومي النائب فؤاد مخزومي وكذبه على الوزير أمين سلام حتى صدق كذبته وعاش الوهم، هكذا تفعل الأم الحنون فرنسا مع نواف سلام وتطرح معادلة رئاسة الجمهورية في مقابل رئاسة الحكومة، وهذا يأتي خارج السياق الدستوري ويتغاضى عن الهرمية التي تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية. أما المخالفة الفاضحة فتتجلى في تغييب دور النواب الذين يسمون رئيس الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية المنتخب.

الطرح الفرنسي يسوّق اسم السفير السابق نواف سلام، وهو مجرد شخصية أكاديمية جرت ترقيته الى السلك الديبلوماسي كرد جميل لمساهمته في إيصال الرئيس السابق فؤاد السنيورة الى رئاسة الحكومة، من خلال اقتراح سلام على السنيورة أن يخاطب الجمهور في تظاهرات الرابع عشر من آذار، وتأهيله للعب دور سياسي، بعد أن كان مصرفياً ومن ثم مديراً لأحد المصارف بتوجيهات من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي ضاق ذرعاً يومذاك بممارسات السنيورة ومقارباته للأمور المالية والسياسية.

ويقول أحد المنظرين السياسيين لموقع “لبنان الكبير”، إن من الأخطاء التي ارتكبها نجل الشهيد آنذاك الرئيس سعد الحريري، على أثر استلامه قيادة تيار “المستقبل”، كان اختيار فؤاد السنيورة على حساب بهيج طبارة لرئاسة الحكومة. ومنذ ذلك الحين، بدأت مسيرة نواف سلام المنظر السياسي للسنيورة، وجرى تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة حيث أدى عمله الديبلوماسي بنجاح مشهود له. إنما هذا الدور المحصور بالعمل الديبلوماسي في منظمة دولية، ليس كفيلاً بتأهيله لتأدية دور سياسي على الرغم من بقائه خارج لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، والنجاح خارجياً ليس بالضرورة سيُتوّج نجاحاً في الداخل، لأن ظروف العمل في لبنان مختلفة عن ظروف الخارج، واذا لم يكن متمرساً في تخفيف وطأة التشابك السياسي الداخلي فسيواجه فشلاً ذريعاً، ولا يكفي التنظير من الخارج لحل الأزمات اللبنانية. وفي هذه الحالة ستكون انجازات نواف سلام شأنها شأن انجازات حسان دياب.

ذلك أن إدارة منصب رئاسة الحكومة هي إدارة سياسية بامتياز، والأزمة التي يواجهها لبنان ليست أزمة ديبلوماسية، إنما أزمة اقتصادية تتطلب برنامجاً وخطة ومفاتيح حل للإنقاذ، لا يمتلكها نواف سلام الأكاديمي أصلاً والديبلوماسي ملحقاً. أما محاولة طرحه فلا تعدو كونها محاولة رشوة أطراف خارجية، وستكتشف هذه الدول فيما بعد أن خيارها سيقود الشعب اللبناني الى فشل ذريع. وفي النهاية، ستعود الى خيار رجل الدولة سعد الحريري، المتأصل في الوضع السياسي اللبناني الدقيق، وصاحب المكانة في المجتمع الدولي الذي ورث علاقاته من والده الشهيد وزاد عليها، لتفتح له أبواب “سيدر”، فقط لمكانته وقيمته كشخص.

أما نواف سلام، ففريق الحريري هو من عيّنه في منصب ديبلوماسي، وهو من خاض معركة إيصاله الى المحكمة الدولية، وهو من عيّن زوجته سفيرة في الأونيسكو. فعلى أي أساس سيقبل النواب بتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، وهم لم يسمعوا منه مشروعاً سياسياً أو مقاربة اقتصادية؟ فجُل ما يعرفه المجتمع اللبناني، أنه عندما طرح عليه السنيورة المساهمة في المعركة النيابية الأخيرة، تحفظ كي لا يخسر الأربعين ألف يورو التي يتقاضاها من منصبه الخارجي. حرص نواف سلام على حفنة من اليوروهات تفسر على نحوين: إما استعطاء للدول التي تطرحه لضمان مستقبله المالي، أو تغليب المصلحة الخاصة على الدور الوطني. وحرصه المادي أدى الى تراجع احدى الدول العربية عن قناعتها بقدراته. وفي الحالتين، فإن الخفة سيدة الواقع اللبناني، لأن بلداً يواجه أزمة غير مسبوقة كالتي يمر بها لبنان، تتطلب مسؤولين لا زبائنيين، يضعون الفوائد الاقتصادية جانباً لكي يلعبوا دوراً وطنياً ينقذ المواطنين.

فهل شخصية كنواف سلام يمكن أن تُقارن مع الرئيس سعد الحريري الذي دخل السلطة بثروة من ثمانية مليارات، وضعها في لبنان وخسرها؟ وبأي أسلوب سيُقنع المجتمع الدولي السواد الأعظم من اللبنانيين بأن نواف سلام أفضل من سعد الحريري؟!

شارك المقال