نحو جبهة اعتراض وطني تمنع “حزب الله” من إسقاط الدولة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في الظاهر يبدو أن مجموعات الثورة لا تزال غائبة عن تفعيل دورها في ظل تفاقم الأزمات التي يعيشها الشعب اللبناني مكرهاً وعاجزاً عن المبادرة، بينما أصحاب السلطة والقرار يمعنون في ارتكاب جرائمهم بحق اللبنانيين على المستوى السياسي والمعيشي ويمسك زعماء الطوائف برقاب عبادهم، ويرمونهم في جحيم لا يرحم.

والمتتبع لنقاشات مجموعات الثورة لا بد من أن يلمس حالة اليأس والغضب التي تظهر في تعليقات على قرارات المسؤولين وكيفية تعاملهم مع المشكلات وتحميل “المعترين” مسؤولية سرقاتهم وخلافاتهم ونكدهم ومصالحهم وطموحاتهم السلطوية، ولكن سرعان ما تنتهي تعليقات “النق” وتبقى دعوات النزول الى الشارع والمحاسبة والثورة والعصيان أحلاماً معلقة ومجرد تعابير لغوية.

وكذلك المواطن يشعر بغربة عن وطنه ومؤسساته ودولته ويعيش كأنه يتيم في الشارع بلا أم ولا أب ولا بيت يحضنه ومن دون أن يستطيع تناول وجبة ساخنة تدفئ القلب أو يلتهم رغيف خبز طازجاً بحب، فلا أحد من أولي الأمر في الحكومة أو في مجلس النواب أو في قصور السلطة أو حتى مواقع المرجعيات الدينية مهتم بأمور أكثر من 85% من الشعب الذي يعيش عند خط الفقر، بفعل غياب العدالة الاجتماعية المقصود حتى يستسلم اللبنانيون لمشروع الاحتلال الايراني ويجري تحويله الى جمهورية اسلامية بقيادة الولي حسن نصر الله الذي يتباهى أمام مؤيديه بأنه أمّن لطائفته كل ما تريده من المال الى المدراس الى المستشفيات الى الأمن وأقنعهم بأن لبنان السياحة والصناعة والتجارة لا يستفيد منه الشيعة فهم اذاً غير متضررين من مهن المسيحيين والسنة.

وبعيداً عن وصف هذا الواقع يزداد ألم الكتلة الشعبية التي عارضت قوى النظام وصوّتت لنواب الثورة والتغيير، وها هي اليوم تشعر بالاحباط بعد أن عجز “تكتل التغيير” عن إحداث أي تغيير في ظل واقع صعب، اذ لم يستطع أن يخترق المشهد السياسي في صراع قوى النظام سواء منها المعارضة أم الموالية، وتحكم الخلافات ووجهات النظر المتباعدة في كثير من الأمور مما أضعف قدرته على المبادرة، وبقيت مواقفه أسيرة كليشيهات سياسية من دون أي تاثير عملي، حتى بات البعض يستعرض الأنا نتيجة مواقف غير مدروسة في أزمة تبحث لها عن حل مشرف مثل اعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا التي قيل فيها الكثير من الرهانات في دعمها للنجاح في تحقيق هدفها بانتخاب رئيس للجمهورية، الا أنه تبين صحة بيت الشعر “ما كل ما يتمنى المرء يدركه…”.

لقد أثبتت التطورات أن تجديد ثورة 17 تشرين في الشارع أمر مستحيل، وحالة المراوحة الحالية لا بد من خرقها ببرنامج سياسي وخطة عمل تنهي الفراغ القائم في الشارع واقامة تحالفات مناسبة تضعف قدرة “حزب الله” على ادارة البلاد عبر “الريموت كونترول” في مجلس النواب أو الحكومة، ومعرفة الى من ستوجه أصابع الاتهام وما هي الخطة التي تضمن محاسبة عادلة بعيداً عن كليشيهات اليسار واليمين والخطابات الطائفية والمذهبية.

تبرر مصادر متابعة لنشاط مجموعات الثورة واقع الحال بأن “الشارع خالٍ لأن غالبية الناشطين الذين عرفوا في الشارع خلال ثورة 17 تشرين وخاضوا غمار المواجهات وقادوها، هي اليوم خارج لبنان، والبقية سطرت بحقها مذكرات جلب واعتقالات، بالاضافة الى الوضع الاقتصادي المزري الذي يعانون منه كما بقية اللبنانيين”.

وترفض الاتهامات التي وجهت الى البعض بأن سبب التراجع يعود الى كونهم تحولوا الى منظمات للمجتمع المدني مدعومة من السفارات، موضحة أنه “كان هناك ناشطون يعملون في الأساس في منظمات المجتمع المدني ما قبل الثورة، وهم يكملون عملهم فيها، وليست هذه هي المشكلة”.

وعن دخول “الشيوعي” وأحزاب “القومي” و8 آذار الى شارع الثورة والدعوات الى تحريك الشارع عبر احياء النشاط النقابي، تقول المصادر: “الشارع الذي يثور بواسطة دعوات مثل هذه الأحزاب محدود، ثم ان التظاهرات يجب أن تحصل نتيجة الالتقاء على مبدأ معين يجمع الكل، وبالتالي مثل هذه التظاهرات شعبوية، تنفذ أجندات ممولين من الأحزاب الموجودة في السلطة، وبالتالي هذه الأحزاب لا تستطيع الصمود في الشارع أو تحريكه لأكثر من يوم، وهي تظاهرات استعراضية والشيوعي يفعلها من حين الى آخر لكنه لا يستطيع تحريك الشارع فما نفعها؟”.

وتدافع المصادر عن تكتل نواب التغيير وتقصيرهم بالقول: “نواب التغيير كتلة صغيرة مؤلفة من 12 نائباً لا تستطيع التغيير وفرض قوانين أو فرض مواقفها على الكتل الأخرى التي تحظى بدعم مذهبي وقادرة على تحريك العصبيات، لذلك هي غير قادرة على قيادة التغيير كما أن هناك اختلافات داخلها في الآراء السياسية والتوجهات، نواب التغيير من مآرب ومشارب مختلفة وكل له توجهاته وهم يمثلون مجموعات في 17 تشرين والتي لم تستطع أن تتحد وتتفق على برنامج واضح لمواجهة قوى السلطة، وأكبر دليل على ذلك هو تفرد حركة نجاة صليبا وملحم خلف في الاعتصام والقيام بمواجهة شخصية لم يتم الاتفاق عليها مع تكتل التغيير، ولم توضع في اطار تحرك مطلبي واضح ومدعوم من مجموعات الثورة والشارع الشعبي، لذلك بقيت حركة معزولة لأنها لم تأتِ نتيجة خطة تصعيد وهي عملياً على الرغم من الشكل الذي اتخذته والشعار الذي جاءت تحته أي انتخاب رئيس جمهورية، من المجلس النيابي، الا أن هذا المجلس مأسور لكتل وتوجهات قادرة على تامين النصاب أو فقدانه، ولذلك على المعنيين بقضية الثورة والاعتراض تأمين مخرج مشرف لاعتصام نجاة وملحم والخروج من المأزق، فالمبادرة لا تؤخذ من جانب نائب أو نائبين، وهؤلاء النواب لا يمكن لهم التحدث باسم الثورة أو العمل على قيادة الشارع، ولا بد لهم من التخلص من مفاهيم الأنا والفوقية والشخصانية والارتباطات الشخصية لبعض المستفيدين والذين يتجهون الى قطف ثمار العمل السياسي”.

من هنا تشدد هذه المصادر على ضرورة وضع “خطة استراتيجية كاملة من خلال تأسيس جبهة معارضة تضم كل أطراف المعترضين في ثورة 17 تشرين الذين يمكن لهم التلاقي على مفهوم حماية البلد وعدم منح الممانعة القدرة على فرض مرشحها حتى لا يطير البلد ونصبح نحن في هياكلنا الاجتماعية والديموقراطية تحت رحمة حزب الله والثنائي الشيعي، فالمطلوب من كل السياسيين المعارضين أولاً بناء جبهة سياسية اعتراضية لها عناوين محدودة أهميتها تكمن في المحافظة على الدولة وعدم السماح لحزب الله باسقاطها من خلال فرض مرشحه على الجميع والسكوت عنه، وهذا يحصل من خلال التصعيد وتجميع كل المكونات السياسية المعارضة بغض النظر عن اختلافاتها ومدى تجاوبها في كتلة سياسية معارضة تجمع مثقفين ونخباً وسياسيين وكتلاً شبابية، أي العودة الى مفهوم غرامشي في تأسيس الكتلة الاعتراضية الكبيرة، والتي تشكلت في ايطاليا بوجه النازية واستطاعت أن تصمد وتبني نواة المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال الفاشي. ثانياً أن تحمل هذه الكتلة السياسية برنامجاً سياسياً واضحاً ومحدداً من دون طرح عناوين تؤدي الى تمزيق هذه الكتلة وشرذمتها من خلال انتخاب رئيس جمهورية وفقاً لمعايير، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار دور هذه الكتلة السياسية الواعدة والتي من خلالها يكون نواب التغيير جزءاً منها وليس قادتها ويمكن عندها أن تكون هناك قدرة على المواجهة بالتحالف مع كتل أخرى تتلاقى مع بعضها لحماية الدستور والوطن وايجاد رئيس فعلي يستطيع انقاذ البلد من الأزمات ويعيد بناء المؤسسات حتى لو أدى هذا الاعتراض الى تعطيل نصاب حزب الله وعدم إكمال الجلسات والاستعانة بالمواقف العربية والدولية حتى يستطيع أن يلجم حزب الله”.

ومع ذلك، ترى هذه المصادر أن “جلد التغييريين لا يجوز وكأنما أعطيناهم نصف البرلمان واليوم نحملهم مسؤولية كاملة عن الخلل”، مشيرة الى أن “الكتلة الشعبية أعادت التجديد للطبقة الفاسدة نفسها وعليها أن تتحمل كل هذه المآسي التي تؤول بلبنان وكيانه ومؤسساته وشعبه الى الجحيم، وعلينا أن نعمل مع هذه الكتلة البرلمانية ولكن لا نعطيها الدور وأن نشكل جبهتنا، وعندما نشكلها تصبح هذه الكتلة النيابية أكثر حرية في التحرك المؤسساتي في المجلس وتكون محكومة بخط رسمته المعارضة في الخارج وعندها يمكن الحد من الخلافات وتصويب البوصلة لدى نواب التغيير الذين عليهم التفاعل مع حركة الشارع وتصويب دورهم نحو تحقيق الهدف المطلوب الذي قامت عليه ثورة 17 تشرين والبناء عليه في تحديد دور الكتل المعارضة الأخرى”.

شارك المقال