فوضى تربوية… والامتحانات الرسمية رهن عودة الأساتذة

حسين زياد منصور

بعد اضراب استمر أكثر من شهرين، فتحت المدارس الرسمية أبوابها أمام الطلاب المنقطعين عن الدراسة، عقب اعلان الروابط التعليمية العودة إلى التعليم مع إعطاء وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي جزءاً من مطالبهم. الطلاب كانوا ضحية الحقوق المهدورة للأساتذة، بعدما عجز المسؤولون عن تنفيذ الوعود التي قطعوها للمعلمين الذين باتوا غير قادرين على الوصول إلى مدارسهم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات ولا سيما البنزين الذي تجاوز المليون ونصف المليون ليرة للصفيحة الواحدة، الى جانب التدهور الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وبالتالي تآكل القدرة الشرائية لديهم بفعل ذلك، اذ أصبحت رواتبهم لا تساوي شيئاً، فضلاً عن تلاشي المعاشات التقاعدية وتقديمات تعاونية موظفي الدولة.

العودة عن الاضراب

لا يرى الأساتذة أنهم حققوا أهدافهم ومبتغاهم كي يفك الاضراب، لذلك كانت الدعوة الى الاعتصام والتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم العالي، ويحمّلون الروابط التعليمية المسؤولية، لأنها رضخت لتمنيات المسؤولين بفك الاضراب والعودة الى التدريس من دون عقد جمعيات عمومية للأساتذة، وذلك بعد نقاشات مطولة ومحاولات لإيجاد مخرج وصيغة مناسبة لإنهاء الاضراب، وهو ما أدى الى انسحاب أعضاء من الهيئات الادارية لروابط التعليم، رافضين الخضوع للتعليمات والتفرد بالقرار وتهميش الأساتذة المعنيين. لذلك، لا يزال بعض الثانويات والمدارس يشهد اضراباً على الرغم من دعوة المدراء الأساتذة والطلاب الى الحضور، الى جانب بيانات من أساتذة ومدراء ونقابيين تدعو الهيئة الادارية للرابطة الى التزام أصول العمل النقابي.

رفض قاطع لقرار الرابطة

أعلن الأساتذة في اعتصامهم رفضهم القاطع لقرار الرابطة، الذي اعتبروه رضوخاً لطلبات السلطة الفاسدة التي سرقتهم، ودعتهم إلى رص الصفوف والمواجهة، واعتبار الرابطة فاقدة للشرعية ويجب اقالتها وانتخاب أخرى، فهي لم تعد تمثل الأساتذة وما يعانونه لأنها فرّطت بحقوقهم ولم تحقق أي مطلب لهم بل على العكس تماماً. 

شاهين: الروابط تصادر حق الأساتذة 

وفي حديث مع “لبنان الكبير” تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين: “إن السلطة في لبنان حوّلت الشعب الى متسول وينتظر الاعانات والمساعدات من الخارج”. وأعربت عن أسفها لأن “بعض الأساتذة اضطر الى العودة عن الاضراب منهم بسبب الخوف والبعض بسبب العوز والحاجة، الا أن آخرين رفضوا هذا الواقع وقرروا المضي بالإضراب ومواصلة التحرك، وقد تعرضوا للكثير من أشكال التهديد”.

وتوضح أن “ما يقوله الأستاذ اليوم انه يريد العيش بكرامة، لكن الوزير بالتوافق مع المكاتب التربوية حرم الأساتذة في الملاك من اتخاذ قرارهم بأنفسهم وصادر رأيهم وحقوقهم، ونحن كأساتذة متعاقدين نشكل ٧٠٪؜ من مجمل الأساتذة، ومن اتخذوا القرار فعلياً لا يمثلوننا بل يمثلون ٣٠٪؜ فقط، فالأساتذة لم يحصلوا على حقوقهم منذ السنة الماضية من بدل نقل وغيرها من الحوافز. واليوم عاد بعض الأساتذة الى العمل بناءً على وعد، وهم لم يحصلوا حتى على حقوقهم القديمة، ما يعد اغتيالاً لحقوق الأستاذ”.

وتعتبر شاهين أن “على الأهالي والطلاب اليوم تنظيم تحرك خاص للمطالبة بحقهم، اذ أن ملايين الدولارات تدخل وزارة التربية ولم نجد منها شيئاً، فالضرر علينا جميعاً”.

وعن مصير العام الدراسي، تؤكد أنه “مجهول، وهم اليوم يضحكون على أنفسهم برغبتهم في إجراء الامتحانات الرسمية، وفتح المدارس الرسمية جاء في سبيل الحصول على دعم من الجهات المانحة، فالطلاب يتعرضون لظلم كبير وتنتظرهم استحقاقات وشهادات رسمية على الرغم من أنهم لم يتعلموا”.

وتضيف: “لا بأس إن تحرك مسؤولو هذا البلد وهم من أثرياء العالم لدعم القطاع التربوي بعد أن صرفوا مليارات من أجل البواخر وغيرها من دون نتيجة، فنحن نطالب بالحد الأدنى للأستاذ لا أكثر”. 

الأساتذة: الساكت عن حقه شيطان أخرس

ويؤكد الأستاذ في التعليم الثانوي دياب اللهيب لـ “لبنان الكبير” أن “هدف الوزارة حالياً اجراء الامتحانات الرسمية، لذلك يظنون أن ١٠٠ دولار حل لإجبارنا على العودة وإجرائها”. ويقول: “الأيام المقبلة ستكون خير دليل وستثبت اما العودة أو لا والأرجح ألا نعود ونتمنى أن تصطلح الأمور، فما نطالب به هو الحد الأدنى للعيش بكرامة، نريد بحدود 500 دولار، على الرغم من أننا نخسر الكثير من قيمة رواتبنا ولكن ليس لدرجة الاذلال، ونحن نعلم أننا نمر بأزمة اقتصادية صعبة ولا نطلب الكثير في هذا الوضع المأساوي”.

اما عن الامتحانات، فيشدد على أنها “لا يمكن أن تحصل إن لم نعد”.

وتعتبر الأستاذة في التعليم الثانوي سناء حسن أن “الحق لا يمكن أن يسكت عليه ومن يسكت عن حقه شيطان أخرس. نحن نقف اليوم في وجه الاستغلال والاستهتار والاستخفاف بكرامة الأستاذ الذي يخرج أجيالاً، وليس هناك أي دولة على وجه الأرض الا وقامت من خلال الاستثمار بالتربية والتعليم”.

وتشير الى أن “المؤامرة ليست على الأستاذ الرسمي، بل على التعليم الرسمي كله من أساتذة وطلاب وهذا الاستهداف من أجل تفريغه من الكفاءات”، متسائلة: “من يملك اليوم القدرة على تسجيل أبنائه في المدارس الخاصة؟ ندعو الأهالي والطلاب الى الوقوف الى جانبنا فهل يقبلون بإلغاء التعليم الرسمي؟”.

الطلاب خارج أجواء الدراسة

خلال فترة الاضراب انقطع الطلاب عن الدراسة، وبحسب عدد كبير منهم خرجوا من أجواء الدراسة وباتوا شبه ناسين ما تعلموه خلال الأشهر الماضية، ويتخوفون من اجراء الامتحانات الرسمية وكيفية الترفيع في حال عدم اجرائها. ويرى عدد من الأهالي أن ليس من العدل نجاح جميع الطلاب، من درس وتعب كمن جلس في المنزل من دون الاهتمام بالدراسة، مؤكدين في الوقت نفسه أحقية الأساتذة في المطالبة بالمستحقات وتأمين حياة لائقة لهم، والحصول على الحد الأدنى من حقوقهم.

تجدر الاشارة الى أن وزير التربية أعلن عن تأمين بدل نقل بقيمة 5 ليترات بنزين يومياً بمعدل أربعة أيام عمل أسبوعياً للملاك كحد أقصى، و3 أيام للمتعاقدين في المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس الفنية كحد أقصى.

شارك المقال