شكراً سوريا!

عاصم عبد الرحمن

الثلاثاء 8 آذار 2005، يومها وقف حسن نصر الله أمام جماهير قوى الممانعة التي احتشدت في رياض الصلح الساحة المقابلة للشهداء حيث يغلي ثوار الأرز الذين انتفضوا على أثر اغتيال رفيق الحريري، صرخ بكل ما أوتيت حنجرته من قوة قائلاً: “شكراً سوريا”، فطبعت هذه العبارة تلكَ المرحلة وهذا المحور، ظنَّ البعض حينها أن الشكر ما هو إلا تمسك ببقاء الجيش السوري في لبنان، فما كانت حقيقة ذاك الشكر؟ وهل بقي حبراً على أوراق “حزب الله” أم ترجمه حتى الرمق الاستراتيجي الأخير؟

خرج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 على وقع زلزال اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري وإثر ضغوط شعبية وسياسية داخلية وخارجية أجبرته على إنهاء أكثر من 30 عاماً من الوصاية الحديدية التي مارسها النظام السوري بأسدَيْه الأب والابن. كان “حزب الله” حتى ذاك التاريخ غير منخرط في اللعبة السلطوية وزارياً وبرلمانياً على اعتبار أن السوري كان حامي حمى المقاومة ومشروعها تحت ضوء الهلال الخصيب.

في 18 آب 2020 أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال رفيق الحريري باتهام سليم عياش وهو عنصر ينتمي إلى “حزب الله” بعد إعلان وفاة متهم آخر وهو مصطفى بدر الدين، عندها أدرك مَنْ استغرب الشكر الموصول من الحزب إلى سوريا أنه كان نتيجة لتوفيرها غطاءً سياسياً وعسكرياً لعملية تفجير موكب رفيق الحريري، وتبيان الطرف المنفذ لتلك الجريمة وملابساتها والظروف التي أحاطت بها على اعتبار أن النظام السوري كان محكِماً قبضته على لبنان سواء عبر ضباطه الذين عاثوا فساداً في كيفية إدارة محافظة لبنان السورية، أو عبر أزلامه من اللبنانيين الذين استسلموا للشقيقة طمعاً في نيل رضاها وبالتالي دخول جنة خيراتها من سلطة ومال.

لم يكتفِ “حزب الله” بالشكر المعنوي لسوريا، بل ترجمه بمحطات عديدة شكلت إرضاءً لها أو انتقاماً لإخراجها محرجةً من لبنان، فقد عمل على تطيير التحقيق باغتيال رفيق الحريري الذي اتهمت فيه سوريا سياسياً لما كان لها من مصالح استراتيجية وسياسية في التخلص من رفيق الحريري، وهو ما ذكرته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

بعد الانتصار الإلهي الذي حققه “حزب الله” في حرب تموز 2006، دغدغ بشار الأسد الذي فتح أبواب سوريا أمام نازحي الحزب، مشاعر حسن نصر الله بتحويل الانتصار العسكري إلى سياسي، فخرج فريق 8 آذار من حكومة فؤاد السنيورة تمهيداً لإسقاطها في الشارع بحيث احتل وسط بيروت وعطل مجلس النواب لأكثر من سنة ونصف السنة من دون التفات الى ما تكبده لبنان من خسائر مالية واقتصادية نتيجة هروب رساميلٍ وإقفال مؤسساتٍ إثر احتلال الشوارع المؤدية إليها، إلى أن اختتم هذا الاحتلال بأحداث 7 أيار 2008 “المجيدة” التي سعت إلى إخضاع بيروت للمحور السوري – الإيراني وانتهت بتوقيع اتفاق الدوحة الذي كرّس الثلث المعطل لهذا المحور.

ومن أجل إسقاط معادلة الـ “س س” التي أرساها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2009 في سبيل إحداث تقارب سوري – خليجي – عربي ومحاولة إبعاد سوريا عن الحضن الإيراني قدر المستطاع، وفي إطار ذلك زار سعد الحريري دمشق والتقى بشار الأسد، ظهرت مراوغة الأخير في التقارب العربي تباعاً، إلى أن أتبعه “حزب الله” بإسقاط حكومة الحريري لحظة دخوله البيت الأبيض في 12 كانون الثاني 2011 فارضاً بإرهاب القمصان السود حكومة المحور السوري – الإيراني الصرف. اهتز الاقتصاد اللبناني مرة أخرى، هربت رؤوس أموال وهاجرت مؤسسات نتيجة الانقلاب السياسي الذي قام به الحزب.

لم يكن كل ما تمَّ ذكره في سبيل شكر سوريا كافياً بالنسبة الى “حزب الله”، فعند اندلاع أحداث الثورة السورية في 15 آذار 2011 وتحت شعار منع تمدد الإرهاب إلى لبنان، انتقل الحزب بعديدٍ وعتادٍ إلى سوريا وبذل كل ما أوتيَ من قوة لإخماد ثورة الشعب السوري ضد النظام، وهو لا يزال حتى اليوم منخرطاً في الحرب السورية متذرعاً بحماية المقامات وصوناً لظهر المقاومة من غدر الأقربين والأبعدين.

عطَّل “حزب الله” انتخابات رئاسة الجمهورية لأكثر من عامين بهدف إيصال صديق سوريا الجديد الجنرال ميشال عون، الذي طلب إليه شقيق بشار الأسد ورئيس الفرقة الرابعة في الجيش السوري ماهر الأسد أن يزور سوريا كرئيس للبنان فكان لهما ما أرادا، عهدٌ رئاسي تكرَّست فيه المصالح السورية والإيرانية كافة إلى أبعد الحدود حتى انهار لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً وتربوياً وغير ذلك.

الامتنان الذي يملأ قلب “حزب الله” تجاه سوريا غيض من فيض ما عبَّر عنه حتى اليوم، فهو يقاتل لإيصال سليمان فرنجية صديق بشار الأسد إلى رئاسة الجمهورية، وعلى أثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا أوفد الحزب حلفاءه للوقوف على خاطر النظام السوري. إذا كان الحزب يقوم باستغلال معظم النازحين السوريين وتوجيههم نحو السفارة السورية في لبنان لانتخاب بشار الأسد عند كل استحقاق سوري، فما هي إذاً حدود ترجمة شعار “شكراً سوريا” بالنسبة الى “حزب الله”؟

شارك المقال