نصر الله… ولغو الفراغ

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كالعادة كانت إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله تثير الشبهات، فكل ما يقال في العلن ليس سوى بروباغندا لتبرير السياسات الخاطئة والوقعة السوداء التي رمى الحزب لبنان فيها، فكيف بالإمكان أن يصدق اللبنانيون أن من جعل حياتهم جحيماً بفعل خياراته وتحالفاته يمكن أن يكون رحيماً عليهم بالاتيان برئيس لا يكون لعبة بين يدي وليه الفقيه؟

ما يعزز هذه المقولة أن نصر الله وهو يقدم مرشحه سليمان فرنجية في العلن، يدرك أنه لم يعد باستطاعته فرض رئيس في لبنان كما فعل في العام 2016، كما أن المرشح فرنجية سلم أمره للحزب ولصديقه بشار الأسد، فلم يقدم برنامجاً إنتخابياً، ولم يتواصل مع الفرقاء اللبنانيين الذين سيحكمهم ست سنوات فيما لو صدق معه صاحب الوعد الصادق، لأن أمر هذا الترشيح مشكوك به فهل هو خيار نهائي أم مجرد “تمريرة” لجبران باسيل لتطويعه أم لجعل الفراغ الآمر الحاكم؟

من العجب العجاب أن يقول نصر الله انه يريد رئيساً صنع في لبنان، أهلاً وسهلاً رشحت فرنجية والمعارضة لها مرشحها والى البرلمان سر من دون تصويت بالورقة البيضاء أو اختراع خزعبلات دستورية تمررها عن طرق حليفك في الثنائي. هل اعترف نصر الله بالدولة اللبنانية؟ اذاً، فليسلم سلاحه غير الشرعي الى القوى الشرعية وليفتح مناطقه ويوقف التهريب وتجارة المخدرات وحماية الفاسدين واللصوص داخل السلطة وخارجها، وليسحب ميليشياته من سوريا وغيرها، وليتوقف عن تلقي أموال من ايران، ولا يتصرف كميليشيا تتبع الحرس الثوري. أي أن ما عليه فعله هو انهاء دويلته عملياً ووقف العمل على تدمير الدولة ومؤسساتها خدمة لدولتين هما سوريا وايران ادعى أنهما لا تتدخلان في انتخابات الرئيس في لبنان، الذي لم يعد دولة بفضل حزب نصر الله.

لم ينجح “حزب الله” في تسويق مرشحه لا داخلياً ولا خارجياً، بل قضى على أي امكان لوصوله الى سدة الرئاسة، لا عبر الحوار الداخلي غير الشرعي ولا عبر اقناع الأوروبيين به كشخصية يتلاقى حولها اللبنانيون، فهو منحاز بالكامل الى طرف “حزب الله” وحلفائه، ولم يعد بامكان اللبنانيين تحمل أوزار سياسات وتحالفات أسقطت لبنان في الجحيم ووضعت مصيره في مهب تكهنات درامية خطيرة.

يعلم نصر الله جيداً أنه ليس من السهل اقناع الوسط المسيحي بفرنجية والقبول به رئيساً وفي تجربة ترشيحه في العام 2016 خير دليل على ذلك، فما كان مرفوضاً مسيحياً في حينه لن يكون مقبولاً اليوم خصوصاً بعد التجربة في ايصال مرشح “حزب الله” المسيحي الى بعبدا، والمخزي أن الحزب يستخدم ترشيح فرنجية في اطار التصفيات، ففي الوقت الذي أعلن عن هذا الترشيح كان مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا يتواصل مع مرشح منافس هو قائد الجيش جوزيف عون.

طبعاً “حزب الله” قلق من ردود الفعل على اعلان مرشحه، ولذلك أكثر أمينه العام من الكلام حتى يرمي مسؤولية الفراغ الذي يسعى اليه على غيره، علماً أن أي رئيس سيأتي بموافقة “حزب الله” يستطيع أن يحكم ولن يكون صاحب قرارات جريئة تعيد بناء الدولة. وكيف سيلبي فرنجية طلبات باسيل في التعيينات والمراكز في عهده اذا كانت معادلة “حزب الله” في ايصاله الى بعبدا تتطلب دعم “التيار الوطني الحر” ولجم ابتزازات الصهر العنيد ودفعه الى التخلي عن التصويت بالورقة البيضاء مقابل اغرائه بالحصول على المواقع الحساسة؟

لا شك في أن نصر الله يعرف أن فرص الاتيان بفرنجية للرئاسة معدومة، واللبنانيون يدركون أنهم سيسيرون مع هذا الخيار الى الهاوية ولن يكون هو الرئيس المنقذ، والفراغ لن ينتهي بجلوسه على كرسي بعبدا وستتجه الأمور نحو خراب وتدمير شامل لما تبقى في هذا البلد، ولن يكون فرنجية الا رئيس ظل لا حول له ولا قوة وسيقضي وقته في التسلية مع صديقه بشار في ممارسة هواية الصيد بعد أن أوقعا اللبنانيين في الفخ.

والمضحك المبكي في الصورة أن نصر الله يتحدث عن العمالة ويهدد اسرائيل بأنها لن تنتج الغاز ما لم ينتج لبنان، وهو قاد مرحلة التطبيع مع العدو الاسرائيلي وتآمر معه على اللبنانيين لسرقة ثرواتهم البحرية، ولذلك لم يكن تهديده الغاز الاسرائيلي سوى لغو كلام والكل يعلم.

شارك المقال